في واحدة من أكثر الدراسات إثارة في علم الفلك الحديث، توصل فريق من علماء الكونيات في "جامعة يونسي" الكورية الجنوبية إلى مؤشرات قد تغيّر النظرة السائدة منذ ربع قرن حول توسّع الكون، مشيرين إلى أن معدل التمدد الكوني ربما بدأ في التباطؤ بدلاً من التسارع المستمر، كما كان يُعتقد منذ اكتشاف "الطاقة المظلمة" (Dark Energy) أواخر التسعينيات.
فقد وصفت هذه النتائج، التي نشرتها مجلة Monthly Notices of the Royal Astronomical Society البريطانية، بأنها قد تمهّد لـ"تحوّل جذري في فهم علم الكونيات الحديث".
وقاد الدراسة البروفسور يونغ-ووك لي من "جامعة يونسي"، والذي قال في بيان رسمي: "تُظهر دراستنا أن الكون ربما دخل بالفعل مرحلة تباطؤ في التوسع، وأن الطاقة المظلمة تتغير بمرور الزمن بوتيرة أسرع بكثير مما اعتقدنا".
كما أوضح أنه إذا تم تأكيد هذه النتائج، فسيعني ذلك، "تحولاً جذرياً في علم الكونيات، منذ اكتشاف الطاقة المظلمة قبل 27 عاماً". إذ تشكك نتائج الفريق الكوري مباشرة في الأبحاث التي نالت جائزة نوبل في الفيزياء عام 2011، والتي أكدت حينها أن الكون يتوسع بسرعة متزايدة بفعل قوة غامضة أطلق عليها العلماء اسم "الطاقة المظلمة"، وهي المسؤولة وفق النموذج الكوني الحالي (Lambda-CDM) عن نحو 68% من محتوى الكون.
واعتمدت الركيزة الأساسية في تقدير معدل تمدد الكون على قياسات انفجارات النجوم فائقة السطوع من النوع الأول (Type Ia Supernovae)، التي تُستخدم كـ"شموع معيارية" لقياس المسافات بين المجرات.
لكن الدراسة الجديدة كشفت عن تحيّز زمني لم يكن محسوباً من قبل؛ إذ تبيّن أن شدة لمعان هذه الانفجارات تعتمد على عمر النجوم التي كوّنتها، بحيث تبدو السوبرنوفات الناتجة عن نجوم شابة أكثر خفوتاً، بينما تبدو تلك الناتجة عن نجوم قديمة أكثر سطوعاً.
وبعد تصحيح هذا "الانحراف"، وجد الباحثون أن البيانات لا تتوافق مع نموذج التسارع الكوني الحالي، بل تشير إلى أن الكون ربما بدأ بالفعل مرحلة التباطؤ. وقال البروفسور لي: "عند احتساب تصحيح العمر في بيانات السوبرنوفا، لم تعد النتائج تتفق مع نموذج الطاقة المظلمة الثابتة، بل أصبحت أقرب إلى النماذج التي تستند إلى ملاحظات الموجات الصوتية الباريونية (BAO) وإشعاع الخلفية الكونية الميكروي (CMB)".
توافق مدهش مع بيانات "ديزي"
إلى ذلك، تقاطعت هذه النتائج مع ما توصل إليه مشروع Dark Energy Spectroscopic Instrument (DESI) التابع لمختبر "لورانس بيركلي" الأميركي، والذي يرصد بدقة تاريخ تمدد الكون عبر ملايين المجرات.
لكن المفارقة أن تحليلات "ديزي" كانت قد أشارت إلى أن التباطؤ سيحدث في المستقبل، بينما يرى فريق "جامعة يونسي" أنه بدأ بالفعل في الزمن الحاضر.
وبحسب الورقة العلمية، فإن النتائج "تتفق بشكل مدهش" مع النماذج المستخلصة من بيانات BAO وCMB وحدها؛ وهي بيانات لم تحظَ حتى الآن بالاهتمام الكافي، وفق الباحثين.
نحو "ثورة علمية" جديدة
هذا ومن المقرر أن تخضع الفرضية لاختبارات أكثر صرامة خلال السنوات المقبلة، خصوصاً مع بدء مرصد فيرا روبين (Vera C. Rubin Observatory) في تشيلي عمليات الرصد الواسعة للسماوات الجنوبية.
فيما أوضح البروفسور تشول تشونغ، أحد المشاركين في البحث، أن المرصد سيكتشف "أكثر من 20 ألف مجرة جديدة تضم انفجارات نجمية من النوع الأول، ما سيتيح اختباراً أكثر دقة لنتائجنا". وأضاف قائلاً: "خلال خمس سنوات فقط، يمكن أن نعرف ما إذا كنا أمام تعديل بسيط في الحسابات… أم أمام تحول جذري في فهمنا لطبيعة الكون نفسه".
ومنذ اكتشافها في تسعينيات القرن الماضي، بقيت "الطاقة المظلمة" أكثر المفاهيم غموضاً في الفيزياء الفلكية. فهي لا تُرى ولا تُقاس مباشرة، لكن تأثيرها يُستدل عليه من تسارع تمدد الكون.
لكن الدراسة الجديدة، إن تأكدت، قد تُعيد صياغة هذا المفهوم بالكامل؛ من قوة تدفع الكون إلى التمدد بسرعة متزايدة، إلى طاقة متغيرة تتلاشى تدريجياً بمرور الزمن. وقال الباحث الأميركي آدم ريس، الحاصل على نوبل في الفيزياء عام 2011 (والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة): "إذا صحّ أن الكون بدأ فعلاً مرحلة التباطؤ، فسنكون أمام تحدٍّ غير مسبوق في علم الكونيات الحديث".
المصدر:
العربيّة