في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تواصل موجة الغلاء في السودان التهام ما تبقّى من القدرة الشرائية للمواطنين، بعدما امتدّت إلى معظم السلع الأساسية، من الخبز وزيت الطعام إلى أبسط احتياجات المعيشة اليومية.
وفيما تتهاوى قيمة الجنيه السوداني إلى مستويات غير مسبوقة، يجد كثيرون أنفسهم مضطرين للاكتفاء بالضروريات بعد أن كانت متطلبات الحياة الأساسية في متناول اليد.
ففي الأسواق الشعبية بالعاصمة الخرطوم ومدن أخرى، تجلت ملامح الأزمة على وجوه التجار والمستهلكين على السواء. وقال عبد الرحمن، وهو موظف حكومي، للعربية.نت/الحدث.نت إن "دخله الشهري لم يعد يغطي نصف متطلبات الأسرة، مضيفاً أن "الأسعار تتغير باستمرار بينما الأجور ثابتة منذ فترة طويلة"
فيما أكد عمر عبد اللطيف، رب أسرة، أن "أسعار المحروقات أصبحت خرافية"، موضحاً أن "غالون البنزين بلغ 18 ألف جنيه، والغازولين 17.5 ألفاً، ما جعل المواصلات عبئاً لا يُطاق".
كما أضاف أن "خمس أرغفة تُباع بألف جنيه، ورطل الزيت بخمسة آلاف، وكيلو اللحم تجاوز 20 ألف جنيه، بينما وصل كيلو السكر إلى 3500 جنيه"، مشيراً إلى أن "الكثير من الأسر اضطرت إلى الاستغناء عن سلع أساسية"
أما التاجر محمد الحاج من سوق أم درمان، فأكد أن "تكاليف النقل والوقود تضاعفت، إلى جانب صعوبة الحصول على العملات الأجنبية، ما يجعل الأسعار تتبدل أسبوعياً تبعاً لتقلبات سعر الصرف"
من جهتها، قالت سعاد، وهي ربة منزل في حي الصحافة، إنها "باتت تشتري الزيت والدقيق بكميات صغيرة، وتعدّ اللحوم مرة في الشهر فقط".
فيما أشارت الطالبة آمنة إلى أنها "تفكر في ترك الدراسة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة"، مؤكدة أن "كثيراً من زملائها اضطروا إلى العمل الجزئي لتغطية نفقاتهم".
ويبلغ سعر صرف الدولار حالياً نحو 2400 جنيه سوداني رسمياً، بينما يتجاوز 3600 جنيه في السوق الموازية، وهو فارق كبير ينعكس مباشرة على أسعار السلع والخدمات. فغالون البنزين يباع بنحو 18 ألف جنيه (7.5 دولارات)، وكيلو اللحم بنحو 20 ألف جنيه (قرابة 8 دولارات)، فيما تُباع خمسة أرغفة من الخبز بألف جنيه (0.4 دولار)، في بلد لا يتجاوز متوسط الدخل الشهري فيه بضع عشرات من الدولارات.
ووفق تقديرات غير رسمية، ارتفعت أسعار السلع الاستهلاكية خلال الأشهر الأخيرة بنسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة، في ظل ركود الأسواق وتراجع حركة الشراء.
بينما أرجع خبراء اقتصاديون أسباب الغلاء إلى تراجع الإنتاج المحلي وتزايد الاعتماد على السلع المستوردة، إلى جانب ضعف الرقابة الحكومية والاضطرابات السياسية والأمنية التي تشهدها البلاد.
وقال الخبير الاقتصادي عبدالعظيم المهل إن "المواطن السوداني يشتري السلع والخدمات بأعلى الأسعار مقارنة بدول المنطقة، رغم أن دخله من الأدنى عالمياً".
كما أضاف للعربية.نت/الحدث.نت أن "الضرائب الباهظة والجمارك المرتفعة وتعدد الرسوم القانونية وغير القانونية ترفع الكلفة النهائية للسلع، إذ تمر الشاحنة الواحدة من بورتسودان إلى الخرطوم بعشرات نقاط التحصيل".
إلى ذلك، أشار المهل إلى أن "كثرة الوسطاء والسماسرة بين المنتج والمستهلك تضاعف الأسعار دون أي قيمة مضافة"، لافتاً إلى أن "الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه وغياب سياسات نقدية فاعلة دفعا المواطنين لتحويل مدخراتهم إلى عملات أجنبية أو ذهب، ما زاد الضغط على العملة الوطنية".
كما رأى أن "الإصلاح الاقتصادي لن يتحقق من دون رقمنة شاملة للإدارة المالية، وإلغاء تعدد الجبايات والرسوم، ومحاربة الفساد والاحتكار، واستعادة الثقة في المؤسسات النقدية". وشدد على أن "الحرب الراهنة كشفت حجم الفوضى في إدارة الموارد وتهريب الذهب الذي لو استُثمر داخلياً لخفّف من الأزمة".
من جانبها، أكدت مصادر في وزارة المالية السودانية للعربية.نت/الحدث.نت أن الحكومة "تعمل على ضبط الأسواق وتشجيع الإنتاج المحلي". لكنها أقرت بأن "الظروف الأمنية الراهنة وانقسام البلاد بين مناطق نفوذ مختلفة يجعلان من الصعب السيطرة على الأسعار أو ضمان تدفق السلع بانتظام".
ورأى مراقبون أن استمرار ارتفاع الأسعار دون تدخل فعّال يهدد بتفاقم الأوضاع المعيشية وارتفاع معدلات الفقر، في وقت يواجه فيه السودان تحديات اقتصادية وسياسية وأمنية معقدة.
هذا وكشفت لجنة المعلمين السودانيين في دراسة حديثة أن الحد الأدنى لتكلفة معيشة أسرة مكونة من خمسة أفراد بلغ نحو 1.65 مليون جنيه (485 دولاراً)، في حين لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور 12 ألف جنيه (3.5 دولارات).
كما أوضحت اللجنة أن أجر المعلم في بداية الخدمة لا يتجاوز 28 ألف جنيه (9 دولارات)، وبعد نحو ثلاثين عاماً من العمل يصل إلى 96 ألف جنيه (30 دولاراً) فقط، واصفة هذا الواقع بأنه "يضع العاملين جميعاً تحت خط الفقر المدقع".
وتشير التقديرات إلى أن جذور الأزمة تعود إلى تدهور سعر صرف الجنيه وارتفاع كلفة الوقود والنقل وتراجع الإنتاج الزراعي والصناعي، في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش والدعم السريع، التي أدت إلى شلّ الأنشطة الإنتاجية وتعطّل الإمدادات بين الولايات، ما عمّق معاناة المواطنين وهدد بانهيار ما تبقى من الطبقة الوسطى، وسط تحذيرات من دخول البلاد مرحلة جديدة من التضخم والانكماش الاقتصادي.
المصدر:
العربيّة