ما بين القرنين السادس عشر ومطلع القرن التاسع عشر، شهدت مياه البحر الأبيض المتوسط حركة قرصنة قادها مسؤولو إيالات الجزائر وتونس وطرابلس، التي كانت جميعها قابعة تحت الاحتلال العثماني بتلك الفترة، وجمهورية قراصنة بورقراق.
فقد هاجم حينها القراصنة، الذين عرفوا بولائهم لمسؤولي هذه المناطق، السفن الغربية التي أبحرت بالبحر الأبيض المتوسط بهدف نهب سلعها وأسر طاقمها.
من جهة ثانية، اتجه مسؤولو هذه المناطق لمطالبة الدول الغربية بدفع مبالغ مالية طائلة لإطلاق سراح رعاياهم المخطوفين، كما أجبروهم أحيانا على إبرام اتفاقيات معهم لضمان سلامة سفنهم بالمتوسط.
إضافة لنظيرتها الأوروبية، عانت السفن التجارية الأميركية من ويلات القراصنة بالبحر الأبيض المتوسط.
فمع استقلالها، فقدت السفن التجارية الأميركية الحماية التي تمتعت بها سابقا من طرف البحرية البريطانية.
من جهة ثانية، لم تمتلك الولايات المتحدة الأميركية، حديثة النشأة حينها، سلاح بحرية لحماية سفنها التجارية التي أبحرت بالبحر الأبيض المتوسط.
فخلال العام 1784، فقد الأميركيون سفينة بيتسبي (Betsby) التي وقعت بقبضة عدد من القراصنة قرب المغرب الأقصى.
في الأثناء، استغرقت عملية الإفراج عن طاقم السفينة 6 أشهر. وعام 1785، فقد الأميركيون سفينتي دلفين وماريا اللتين وقعتا بقبضة قراصنة عملوا لصالح داي الجزائر.
وما بين عامي 1786 و1793، تمتعت السفن الأميركية بجانب من الحماية بالمتوسط بسبب حالة الحرب بين البرتغال والإيالات العثمانية بشمال إفريقيا.
ومع نهاية هذه الحرب، وقعت بالعام 1793 لوحده 10 سفن أميركية بقبضة القراصنة بالبحر الأبيض المتوسط. وأملا في تحرير رعاياها، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لإنفاق مبلغ قدر بنحو مليوني دولار ما بين عامي 1793 و1800.
إلى ذلك، شهدت السياسة الأميركية تغييرا هاما عقب تمرير قانون البحرية للعام 1794. فبموجب هذا القانون، اتجهت الولايات المتحدة الأميركية لإنشاء سلاح البحرية تزامنا مع صدور أوامر ببناء 6 سفن حربية بحلول العام 1800.
بداية من العام 1800، اتجه الحاكم العثماني بطرابلس، خلال الاحتلال العثماني، يوسف القرمانلي لرفع قيمة المبالغ المالية لإطلاق سراح الأميركيين المخطوفين.
أمام هذا الوضع، رفض الرئيس الأميركي توماس جيفرسون الأمر مؤكدا عدم استعداده للرضوخ لمثل هذه المطالب. إلى ذلك، اتجه يوسف القرمانلي لإعلان الحرب على الأميركيين بشكل غير رسمي عن طريق استئناف عملية استهداف سفنهم بالبحر الأبيض المتوسط.
لمواجهة القراصنة، شكلت البحرية الأميركية أسطول البحر الأبيض المتوسط الذي تكون من 3 فرقاطات وسفينة ذات شراعين واتجهت لإرساله نحو طرابلس.
وبأولى المعارك خلال آب/أغسطس 1801، حققت السفن الأميركية تفوقا عسكريا وتمكنت من الاقتراب من طرابلس. وبالتزامن مع ذلك، عمد سلطان المغرب المعروف بمولاي سليمان سنة 1802 لطرد القنصل الأميركي وإعلان الحرب على الولايات المتحدة الأميركية تعاطفا مع إيالة طرابلس.
خلال الحرب الطرابلسية، المعروفة أيضا بالحرب البربرية الأميركية الأولى، جنحت الفرقاطة الأميركية يو أس أس فيلادلفيا قرب سواحل طرابلس.
وبسبب ذلك، اعتقل القراصنة قبطان السفينة الأميركية وبقية طاقمها وعمدوا لسحب يو أس أس فيلادلفيا نحو الشاطئ بهدف ترميمها واستخدامها بأنشطتهم. إلى ذلك، شن الأميركيون هجوما خاطفا خلال شباط/فبراير 1804 على السواحل الليبية وتمكنوا من تدمير يو أس أس فيلادلفيا التي أصبحت خارج الخدمة.
حتى أيار/مايو 1804، إذ قاد القنصل الأميركي السابق بتونس وليام إيتون (William Eaton) الحملة على إيالة طرابلس.
وبحلول أبريل/نيسان 1805، تمكنت قواته من قصف قلعة درنة وإخضاعها منهية بذلك الحرب الطرابلسية ومجبرة يوسف القرمانلي على قبول شروط السلام.
يذكر أن الحرب الطرابلسية كانت مثّلت أولى الحروب الكبرى التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية خارج القارة الأميركية.
فضلا عن ذلك، مثل النصر بهذه الحرب أول انتصار حققه الأميركيون على أراضي دولة أجنبية.