آخر الأخبار

العمر والنضج العقلي.. متى يبلغ الإنسان ذروته النفسية والفكرية؟

شارك

مع التقدم في العمر، يربط كثيرون هذه المرحلة بتراجع القدرات الذهنية وتدهور الأداء العقلي، في حين تشير أبحاث متزايدة إلى أن الصورة قد تكون أكثر تعقيدا مما نتصور.

صورة تعبيرية / Dilok Klaisataporn / Gettyimages.ru

فالعمر لا يعني بالضرورة تراجعا في التفكير أو الإبداع، بل قد يصاحبه تطور في سمات نفسية ومعرفية تعزز من الحكمة والاستقرار والقدرة على اتخاذ القرارات.

وفي هذا السياق، تناولت دراسة نُشرت في مجلة Intelligence وأجراها فريق من الباحثين بقيادة الأستاذ المشارك جيل إي. جينياك من جامعة غرب أستراليا، مسار النمو النفسي والعقلي لدى الإنسان عبر مراحل العمر المختلفة، ساعية إلى تحديد متى يبلغ الإنسان ذروة قدراته من حيث التفكير والاستقرار العاطفي والقيادة.

سمات مختلفة لمرحلة الذروة

تظهر أبحاث سابقة أن اللياقة البدنية تبلغ ذروتها في منتصف العشرينات إلى أوائل الثلاثينات، وأن القدرات العقلية الأولية — مثل سرعة المعالجة والتذكر — تبدأ عادة في التراجع من منتصف العشرينات فصاعدا.

وينعكس ذلك في العالم الواقعي، حيث يميل الرياضيون إلى تحقيق أفضل إنجازاتهم قبل سن الثلاثين، وغالبا ما يقدم علماء الرياضيات أعظم مساهماتهم في منتصف الثلاثينات، بينما يبلغ أبطال الشطرنج قمة مستواهم قبل الأربعين.

لكن عندما يتجاوز العلماء القدرات الذهنية الخام إلى السمات النفسية الأعمق، تظهر صورة مغايرة تماما.

تفاصيل الدارسة

ركزت الدراسة على 16 بُعدا نفسيا يمكن قياسها بدقة وتمتاز بأنها مستقرة نسبيا، وتشمل القدرات المعرفية الأساسية — مثل التفكير وسعة الذاكرة وسرعة المعالجة والمعرفة — إلى جانب الذكاء العاطفي و"السمات الخمس الكبرى" للشخصية: الانبساط والاستقرار العاطفي والضمير الحي والانفتاح على التجارب والقبول.

وقام الفريق بتجميع نتائج دراسات واسعة النطاق تغطي هذه الأبعاد، ثم دمجوها في مقياس موحد لرسم خريطة توضح كيف تتطور السمات العقلية والنفسية على مدار العمر.

وأظهرت النتائج أن العديد من السمات لا تبلغ ذروتها في الشباب كما يُعتقد، بل في مراحل لاحقة من الحياة.

فقد بلغ الضمير الحي أعلى مستوياته في نحو سن 65 عاما، بينما بلغ الاستقرار العاطفي ذروته في منتصف السبعينات. كما وُجد أن سمات مثل التفكير الأخلاقي والقدرة على مقاومة التحيزات الإدراكية، التي قد تؤثر على دقة القرارات، تستمر في التحسن حتى السبعينات والثمانينات من العمر.

وعند دمج المسارات المرتبطة بالعمر لجميع الأبعاد النفسية في مؤشر شامل، لاحظ الباحثون أن الأداء العقلي العام يصل إلى ذروته بين منتصف الخمسينات وبداية الستينات، قبل أن يبدأ في الانخفاض التدريجي بعد ذلك.

وتشير هذه النتائج إلى أن العديد من الأشخاص في هذه المرحلة العمرية قد يمتلكون المزيج الأمثل من الخبرة والاستقرار والقدرة على اتخاذ القرارات المعقدة، وهي صفات حيوية للقيادة والعمل في مواقع صنع القرار.

وتبرز الدراسة أهمية إعادة النظر في الافتراضات التقليدية المرتبطة بالتقدم في السن، وضرورة أن تركز المؤسسات على الكفاءات الفعلية للأفراد بدلا من التقييم بناء على العمر وحده.

وتاريخيا، قدّم العديد من المبدعين والعلماء أعظم إنجازاتهم في منتصف العمر. فتشارلز داروين نشر كتاب "أصل الأنواع" في سن الخمسين، وبيتهوفن عزف سيمفونيته التاسعة وهو في الثالثة والخمسين، بينما قادت ليزا سو، البالغة من العمر 55 عاما، شركة Advanced Micro Devices نحو واحدة من أكبر التحولات التقنية في تاريخها.

وتؤكد هذه الأمثلة، كما تقول الدراسة، أن منتصف العمر ليس بداية العدّ التنازلي، بل ذروة النضج العقلي والإنجاز الإنساني.

المصدر: ساينس ألرت

شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار