آخر الأخبار

علماء للجزيرة نت: النحل يعرف عن الذكاء الاصطناعي أكثر منّا

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

وفقًا لدراسة أجرتها جامعة شيفيلد، اكتشف الباحثون أن النحل يميّز الأشكال البصرية المعقدة بواسطة حركاته خلال الطيران بشكل قد يساعد على تطوير الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي.

ويتوقع العلماء أن يُحدث هذا الاكتشاف ثورة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، بحيث يُمكن أن تكون روبوتات المستقبل أكثر ذكاء وكفاءة.

مصدر الصورة ستكون هذه الأنظمة قادرة على التكيف مع البيئات والمهام الجديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريب لا نهاية لها (الفرنسية)

دماغ النحل يحقق مهام معقدة بفاعلية كبيرة

ويقول المؤلف الرئيسي والباحث في جامعة شيفيلد الدكتورهادي مابودي، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، "إن الأنماط البصرية المعقدة هي صور مكونة من عناصر متعددة -مثل الأشكال والألوان والملمس والترتيبات- يصعب تمييزها بنظرة واحدة".

ويضيف "على سبيل المثال، يُعدّ التعرف على زهرة بسيطة ذات بتلات قليلة أمرا سهلا نسبيا، لكن التعرف على زهرة ذات بتلات كثيرة، ومتك ووصمة ملونة وأوراق وسبلات مفصلة، أو رصد حيوان مفترس بين أشياء غير ضارة، يُعدّ أصعب بكثير".

لكن لاحظ العلماء أن النحل يتغلب على الحدود الفيزيائية لعيونه المركبة الصغيرة من خلال الحركة النشطة، وإجراء تعديلات سريعة وصغيرة في الطيران ووضعية الرأس، وتُحوّل هذه الحركات المشاهد الثابتة إلى تسلسلات ديناميكية ثلاثية الأبعاد، مولّدةً تدفقات غنية من المعلومات البصرية التي تستطيع أدمغتها معالجتها لتعلم الأنماط والتعرف عليها بدقة مذهلة.

"يُظهر هذا المزيج من الحركة والإدراك أنه حتى الحيوانات ذات الأدمغة الصغيرة جدًا قادرة على حل مهام التعرف المعقدة، وهو نهج قد يُلهم أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر مرونة وكفاءة"، كما أوضح مابودي في تصريحه للجزيرة نت.

مصدر الصورة يدرك النحل العالم بشكل مختلف تماما (شترستوك)

من جانب آخر، قال مابودي "يدرك النحل العالم بشكل مختلف تماما عن الكاميرات أو أنظمة الذكاء الاصطناعي الحالية، فبدلا من تسجيل الصور بشكل سلبي، يحرك النحل عينيه ورأسه وجسمه بنشاط لإحداث تغييرات سريعة في المشهد البصري".

إعلان

ويضيف "هذه الحركات، بمقاييس مختلفة، تُمكّنه من التقاط تفاصيل أكثر بكثير مما تسمح به الدقة الفيزيائية لأعينه عادة، واللافت للنظر أنه يحقق ذلك بدماغ لا يزيد حجمه عن حبة سمسم، ويحتوي على أقل من مليون خلية عصبية، مقارنةً بمليارات الخلايا العصبية في الدماغ البشري".

ويوضح "الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أن النحل يؤدي هذه المهام المعقدة باستخدام جزء ضئيل من قوة الطاقة (الواط)، في حين يستهلك الذكاء الاصطناعي اليوم طاقة هائلة لمهام تمييز أبسط بكثير، وغالبًا ما تفتقر إلى القدرة نفسها على التكيف أو التعميم".

ويضيف مابودي "يمكن للنحل التنقل لمسافات تزيد عن عشرة كيلومترات، وتذكر العديد من الزهور والمعالم، والعودة إلى موطنه بدقة، وحتى توصيل هذه المعلومات إلى أقرانه من خلال رقصة تعرف باسم "رقصة الاهتزاز" الشهيرة خلال رحلتها".

ويبيّن مابودي أن النحلات لو كانت روبوتات، فإنها تتميز برشاقة طيرانها وقدرتها العالية على التكيف: فهي تتجنب العوائق المتحركة وتحلق بسلاسة عبر بيئات غير متوقعة، وتتحقق كل هذا بدماغ صغير.

بيد أن هذه القدرات لا تزال بعيدة عن متناول الذكاء الاصطناعي الحالي وتطلعات مهندسي تطوير الأنظمة الذاتية القيادة، ولكن على الأقل بمحاكاة هذه المبادئ، بحسب مابودي، يمكن للذكاء الاصطناعي والروبوتات أن تتحول من كونها مراقبين سلبيين إلى مستكشفين نشطين، يجمعون المعلومات بكفاءة أكبر ويتكيفون مع تعقيدات البيئات الديناميكية.

ويضيف "يمكن أن يؤدي هذا النهج إلى آلات أذكى وأخف وزنًا وأكثر كفاءة في استخدام الطاقة، قادرة على الملاحة والتعرف على الأنماط بدقة في العالم الحقيقي، حتى في ظل ظروف صاخبة أو متغيرة باستمرار".

تطوير الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي

وحول تأثير نتائج هذا الاكتشاف على تطوير الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي، يقول مابودي -في تصريحاته للجزيرة نت- "لن يقتصر الجيل القادم من الذكاء الاصطناعي والروبوتات على معالجة البيانات فحسب، بل سيكون مُجسّدًا ونشطًا، أي أنه سيتفاعل مع العالم من حوله لجمع المعلومات التي يحتاجها كما يفعل النحل".

ويوضح "حيث تُظهر أبحاثنا أن الذكاء ينشأ عندما يكون الإدراك والفعل مرتبطين ارتباطا وثيقا، تماما كما هو الحال في الجهاز البصري للنحلة، إذ يستخدم النحل "اختصارات حركية" ذكية، فبدلًا من محاولة حل مشكلة باستخدام عمليات حسابية معقدة، يتحرك بطرق تُبسط المشكلة، على سبيل المثال، لا تحتاج النحلة إلى حفظ كل تفاصيل الزهرة، فمن خلال الدوران حولها أو تحريك رأسها، تُحوّل المشهد المرئي بدقة أقل إلى سلسلة من الإشارات التي يسهل على دماغها الصغير فك شفرتها.

وانطلاقا من كل ذلك، تقدم هذه الإستراتيجية الطبيعية دروسًا مهمة للذكاء الاصطناعي، فبدلا من بناء نماذج أكبر حجما مُدرّبة على مجموعات بيانات ضخمة، والتي تتطلب كميات هائلة من الطاقة، يمكن أن يستفيد الذكاء الاصطناعي في المستقبل من محاكاة الطبيعة، وباستخدام أنظمة أبسط ولكن ديناميكية تُشكّل بنشاط كيفية جمعها للمعلومات.

ويمكن أن يؤدي هذا النهج إلى إنتاج آلات ليست أكثر كفاءة وتوفيرًا للطاقة فحسب، بل أكثر قدرة على التكيف مع المهام والبيئات الجديدة، وأقرب إلى نوع الذكاء المرن العام الذي نراه في الكائنات الحية".

حجم الدماغ ليس المؤشر الأهم للذكاء

من أبرز الاستنتاجات التي توصلت له دراسة جامعة شيفيلد هو الكشف عن التفاعل النشط لأدمغة النحل مع البيئة، والذي يلعب دورًا أساسيا في تكوين الذكاء.

إعلان

وفي هذا الصدد، يقول الدكتور هادي مابودي، في تصريحاته للجزيرة نت، "يُظهر بحثنا أن الذكاء لا يكمن في الدماغ وحده، بل ينشأ من التفاعل المستمر بين الأدمغة والأجسام والبيئات لدى النحل".

ويضيف "حيث يعتمد الدماغ على حركات الجسم، سواءً كانت سريعة أو بطيئة، لتحويل الإشارات الحسية الخام إلى معلومات مفيدة. ثم "تستجيب" البيئة لهذه الحركات مقدمةً مدخلات جديدة يستخدمها الدماغ لتوجيه الفعل التالي. هذا يخلق حلقة مستمرة لا ينفصل فيها الإدراك عن الفعل".

مثال واضح على ذلك هو كيفية تعرّف النحلة على زهرة. فبدلاً من رؤيتها مرة واحدة بثبات تام، كما في صورة ثابتة، تدور النحلة حول الزهرة، وتميل رأسها وتغير زاوية رؤيتها. من خلال هذه الحركة النشطة تحدد النحلة مجموعة صغيرة من السمات البصرية الرئيسية التي تميز الزهرة عن غيرها.

في الزيارات اللاحقة، يمكن للنحلة البحث بسرعة عن هذه السمات مرة أخرى، دون الحاجة إلى حفظ كل تفصيل أو بكسل من الصورة. تجعل هذه الإستراتيجية التعرّف والذاكرة أكثر كفاءة بكثير، مما يسمح لدماغ النحلة الصغيرة بحل مهام معقدة بموارد محدودة.

ويختم مابودي قائلا "بالنسبة للذكاء الاصطناعي والروبوتات، الدرس واضح، إذ لا ينبغي أن تبقى الآلات معالجات خاملة، بل يجب تصميمها كأنظمة نشطة تعمل في حلقات مغلقة مع بيئتها. ستكون هذه الأنظمة قادرة على التكيف مع البيئات والمهام الجديدة دون الحاجة إلى إعادة تدريب لا نهاية لها، مما يحقق تعميمًا أوسع من خلال تطبيق مجموعة قواعد أصغر وأكثر مرونة على العديد من المواقف المختلفة".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار