آخر الأخبار

من رام الله إلى الفضاء.. أول فلسطينية تستعد للتحليق في الكون

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

صورة من: Besan Dahboor Engel

في السادس والعشرين من يونيو/حزيران 2025، وصل بريد إلكتروني كان كافيا لقلب حياة بيسان رأسًا على عَقِب. دقائق مرت كدهر قبل أن تستوعب الرسالة: "تم قبولك في برنامج تيتانز سبيس 2029". لحظة خالدة، ولادة حلم كوني جديد كما تصفه، سيرسم لها خط اتصالها مع الفضاء .

تقول الباحثة الشابة بيسان دحبور في حديث مع DW عربية: "لم تكن لحظة شخصية فحسب، بل طموح كل فتاة عربية حلمت ذات يوم أن تطأ النجوم."

بيسان البالغة من العمر 32 عاما، تنحدر أسرتها من رام الله بالضفة الغربية، وطالما ردّدت بثقة: "سأذهب إلى الفضاء"، لم يكن كثيرون يصدّقونها. باستثناء شخص واحد آمن بحلمها منذ البداية، زوجها ماتياس انيغل. تروي مبتسمةً: "عندما وصلني رابط التقديم، شعرت أن الباب قد فُتح أخيرًا. كتبت طلبي من قلبي، من حلمٍ لم يكن مرئيًا بعد، لكنه حيّ في داخلي."

في مدينة فيتن في ولاية شمال الراين وستفاليا الألمانية، حيث تقيم وتعمل في تطوير الأعمال العلمية ، اعتادت بيسان على تحويل أعقد الأبحاث إلى تطبيقات ملموسة. خلفيتها العلمية ومقالاتها في مجال الفضاء والتصنيع المداري والأنظمة الفضائية، شكّلت جسرها نحو هذا البرنامج الطموح.

ما تتميز به شركة تيتانز سبيس أنها ستحضر رحلات باستخدام مركبات فضائية، لا تعتمد الصواريخ التقليدية، بل على طائرات فضائيةصورة من: Titans Space Industries

ما تتميز به شركة تيتانز سبيس أنها ستحضر رحلات باستخدام مركبات فضائية، لا تعتمد الصواريخ التقليدية، بل على طائرات فضائية تقلع أفقيًا من على مدرج ارضي، وتستخدم محركات صاروخية خاصة عند بلوغها ارتفاعًا معينًا، ما يتيح للركاب اختبار بيئة تلامس انعدام الجاذبية.

في مهمة تُعيد رسم ملامح المستقبل، أوضحت مديرة التواصل في شركة تيتانز سبيس، سو غوڤنر، خلال حديث مع DW عربية أن "تيتانز جينيسيس" ستُحلّق عام 2029 كأول طائرة فضائية تنطلق وتهبط أفقيًا، يمكنها أن تحمل على متنها 350 شخصًا في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الرحلات الفضائية البشرية. هذه الخطوة الجريئة لا تُكسر الأرقام القياسية فحسب، بل تُرسّخ مفهوم السفر الفضائي الجماعي كجزء من الحياة البشرية المقبلة.

الرحلة، التي تتراوح تكلفتها بين 350 ألف و25 مليون دولار، تفتح آفاقًا لإجراء تجارب علمية متقدّمة في مجالات الأحياء الدقيقة، علم المواد، والزراعة الفضائية.

ابتداءً من عام 2026، ستبدأ بيسان تدريبات بدنية ونفسية مكثفة، إلى جانب مرشّح ألماني يُشاركها الرحلة. تقول إنها ما زالت تعيش أثر الخبر كأنها تحلق مسبقًا. "لم أنم ليلتها. كان شعورًا بالتحقق، لكنه أيضًا بداية لمسؤولية جديدة."

تجد بيسان دحبور سندا كبيرا من زوجها الألماني ماتياس انغيل الذي كان أول الداعمين لها لتحقيق حلمها بمعانقة الفضاءصورة من: Besan Dahboor Engel

الفضاء للجميع

ما جذبها إلى "تيتانز سبيس" لم يكن الطموح العلمي وحده، بل الفلسفة التي تنطلق منها الشركة "أن يكون الفضاء متاحًا للجميع، لا حكرًا على أصحاب الملايين". بتمويل يعتمد على شبكة من أثرياء يؤمنون برسالة إنسانية بعيدة عن الاستثمار التقليدي، تُرافق في كل رحلة شخصية شغوفة بالفضاء، ولكنها تفتقر إلى الإمكانات المالية، شخصًا آخر موّل الرحلة. تصف بيسان هذه السياسة بأنها "عدالة فضائية" تُعيد تشكيل مفهوم الوصول العلمي.

لكن مهمة بيسان تتجاوز المقعد الفضائي. فهي تنضم إلى الرحلة كباحثة، تحمل مشروعًا يدرس نمو النباتات في بيئة منعدمة الجاذبية – ما يعرف بـ الماكرو غرافيتي. وتوضح ذلك بالقول: "الهدف ليس الزراعة في الفضاء فقط، بل تطوير حلول بديلة لكوكب الأرض، خاصة للمناطق المهددة بالتصحر."

أبحاث المشروع لا تزال تجرى داخل أروقة مختبرات ألمانية وبلدان أخرى، تواظب بيسان على متابعة أحدث الدراسات والأبحاث في هذا المضمار. ولا تكل من العمل مع مؤسسات المانية وغيرها من أجل تطوير الزراعة المائية وإمكانات النمو على أسطح قاسية كالقمر . "لسنا هنا بدافع الفضول فقط، بل لفهم كيف نحيا خارج الأرض، وكيف نعيد هذه المعرفة لمواجهة تحديات المناخ والأمن الغذائي." تقول بيسان. وتضيف: أنها ستخضع إلى تدريبات جسدية ونفسية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

حضور عربي متميز في الفضاء

ومن المتوقع أن يرافقها في هذه الرحلة، باحثين عرب إلى جانب علماء من ألمانيا والهند والولايات المتحدة، في تجسيد حي لروح التعاون الدولي وتنامي الحضور العربي في علوم الفضاء. ووفقا لما أكدت عليه السيدة سو غوڤنر لـ DW عربية فإن الحضور العربي في هذه المهمة يعكس رؤية شاملة تتبناها شركة تيتانز سبيس نحو تمثيل عالمي عادل ومتنوع في الفضاء. مضيفة أن: الشركة تُشجع المواهب من المنطقة العربية والعالم على الانخراط في برامجها المستقبلية. فاستكشاف الفضاء، برأيها، يجب أن يُبنى على التنوع والشغف والابتكار العالمي.

المكوك الفضائي تيتان يقترب من الميناء المداريصورة من: Titans Space Industries

من قلب المانيا إلى النجوم

في حديثها عن ألمانيا، تعترف بيسان بدورها في تشكيل وعيها المهني: "في هذا البلد، استطعتُ أن أكون على طبيعتي، دون أقنعة. هنا، نشأت أجنحتي."

من خلال برنامج مايكرو ماستر في جامعة آخن، ومساهمتها في تطوير أعمال عشرات الشركات الناشئة في أوروبا، تمكنت من تحويل أفكار بحثية إلى تطبيقات ملموسة في الزراعة والطاقة والتكنولوجيا الحيوية. كما تعاونت مع جامعة هوهنهايم ووزارة البيئة في ولاية شمال غرب الراين ويستفاليا، وأسست شركتها الناشئة "ريفورا" لتطوير حلول زراعية قائمة على الذكاء الاصطناعي.

"لم أكتفِ بتعلّم المهارات، بل كوّنت شبكة علاقات، ومجتمعًا آمنًا جعلني أؤمن بأن الحلم ممكن."، تؤكد بيسان.

وتشير إلى أن التجربة الفضائية، رغم خصوصيتها، تعيد الإنسان إلى وعي كوني بسيط: "حين ننظر إلى الأرض من فوق، نراها كتلة واحدة، لا كما رسمتها الحدود. هذه هي العقلية الكونية التي أؤمن بها."

تختم بيسان رسالتها للأجيال القادمة قائلة: "الفضاء لم يعد خيالًا. كما غيّر الإنترنت شكل العالم، ستغيّرنا رحلات الفضاء. فلنكن مستعدّين، واعين، ومشاركين."

ومن شرفة منزلها في شمال الراين إلى منصة الإقلاع، تمضي بيسان ثابتة. لا تحمل سوى العلم، ولا تسكنها إلا فلسطين كما تقول. وبين يديها نبتة صغيرة قد تنمو يومًا، فوق سطح القمر.

جمال سعد

تحرير: هشام الدريوش

DW المصدر: DW
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار