في ظل انهيار العملية التعليمية في كردفان نتيجة الحرب المدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، نهض المعلم المعاشي جابر محمد مسلم، بدوره التربوي ليطلق مبادرة تطوعية لاستمرار التعليم في محاولة لإنقاذ مستقبل مئات التلاميذ بعد ان أصبحوا على حافة الضياع.
في منطقة نائية في ولاية غرب كردفان، كان جابر الذي عاد إلى قريته بعد الحرب، يراقب الأوضاع المتدهورة والمستقبل القاتم الذي ينتظر مئات التلاميذ بعد توقف العملية التعليمية نتيجة استمرار الصراع العسكري وما أفرزه من واقع مؤلم.
أطلق المعلم المعاشي على الفور مبادرة سماها “مدرسة النجاح” وذلك لاستمرار التعليم في منطقته “أبوتامة” تقوم على فتح فصول مدرسية في مقرات بديلة للمدارس الحكومية القائمة والتي أصبحت شبه مُدمرة وغير صالحة لاستئناف العملية التعليمية، إضافة إلى تفادي ثمة تعقيدات نتجت عن الاستقطاب السياسي الحاد بين الجيش وقوات الدعم السريع جعلت الاقتراب من المدارس الحكومية يضعك في خانة التصنيف.
يقول المعلم المعاشي جابر محمد مسلم لـ”دروب” إنه بعد نحو ثلاث سنوات من الحرب راقب تلاميذ منطقته فوجدهم في حالة نفسية مشتتة ومتدهورة بسبب توقف مدارسهم، ما دفعه إلى التفكير في انشاء مدرسة بديلة لأجل تثبيت المعلومات التي تلقوها في وقت سابق وإخراجهم من الحالة النفسية المتدهورة التي دخلوا فيها بسبب الحرب.
على الفور بدأ جابر في تنفيذ الفكرة من خلال استقطاب بعض المعلمين في المنطقة منهم ميادة مأزن وعمر هدي، الذين تدافعوا لمعاونته وإعادة التلاميذ للفصول الدراسية.
للوهلة الأولى وقف في طريقهم عقبة إيجاد “المقر” لتدريس التلاميذ لأن المدرسة الحكومية في المنطقة أصبحت غير مهيأة بعد هجران لنحو ثلاث سنوات. لكن أحد أبناء المنطقة سارع لمنح المتطوعين جزءاً من منزله لبداية العمل بفصل واحد لكن سرعان ما ارتفع إلى عدد 4 فصول بسبب تدافع التلاميذ الراغبين في التعليم.
وأضاف “رغم البداية الموفقة والرغبة الكبيرة من التلاميذ في مواصلة التعليم كان المقر يفتقر للبيئة الصالحة للتعليم حيث لا يوجد اجلاس ولا كتاب مدرسي، والأهم من ذلك تنقصنا مياه الشرب أحياناً نمضي يومنا بلا ماء، فالمنطقة لا توجد بها مصادر مياه وتعتمد على جلبها من منطقة مجاورة”.
ومع ذلك استمرّ جابر وزملائه في استمرار التدريس، وخلال ثلاثة أشهر تمكنوا من إنهاء 70 بالمائة من مقررات الصف الأول والثاني والثالث. وبعد ذلك أجروا امتحان لقياس قدرات التلاميذ فوجدوا أن نسبة النجاح فوق الـ80 بالمائة، رغم المعوقات التي أشار إليها.
تقع منطقة “ابوتامة” في ادراية أبوراي التابعة لمحلية غبيش بولاية غرب كردفان.
يوجد بإدارية أبوراي عدد 36 مدرسة ابتدائي و22 مدرسة متوسط و4 ثانوي.
ظلت الدراسة متوقفة في جميع هذه المدارس لأربعة أعوام دراسية. في العام الدراسي 2022 – 2023 كانت الدراسة مستمرة بيد أن الحرب اندلعت دون أن يكمل الطلاب المقرر أو يجلسوا للامتحانات النهائية. ثم استمر التوقف للأعوام 2023 – 2024 و 2024 – 2025 و 2025 – 2026.
وتسبب الحرب في نهب ممتلكات المدارس والمكتبات، وانهيار الفصول الدراسة وتهالكها بسبب هجرها لمدة 3 سنوات.
كما تسببت الحرب في تردي الوضع الاقتصادي للمعلمين الذين وجدوا أنفسهم لاجئين ونازحين وبعضهم غادر إلى مناجم الذهب حيث التنقيب العشوائي في عدد من مناطق السودان. كما توقفت مرتبات المعلمين على ضعفها وفرّ آخرون إلى دول الجوار كلاجئين بينهم شاذلية إبراهيم أحمد، مديرة مدرسة “ابوتامة” التي أصبحت لاجئة بدولة ليبيا.
ويشكو المعلمون في كردفان من غلاء المعيشة وتدني أسعار المحاصيل النقدية كالفول السوداني الذي يعتمدون عليه بشكل كبير في تدبير شؤونهم الاقتصادية.
يقول عماد عجب، رئيس الإدارة المدنية في محلية غبيش ولاية غرب كرفان، إن السلطات أطلقت بدورها مبادرة لفتح المدارس بالمدينة جزئياً، حيث افتتحت بالفعل أربع مدارس إلا أن بعض التحديات وقفت في طريق المبادرة، على رأسها المقرات العسكرية قريبة من المدارس مما يجعل المظاهر العسكرية غير مطمئنة للتلاميذ.
وأشار عجب إلى أن مقر جهاز الأمن والمخابرات السابق والذي أصبح اليوم مقراً للدعم السريع، يقع في نفس المنطقة التي تضم أهم المدارس الأمر الذي حال دون افتتاحها، مما جعل تلاميذها خارج الخدمة التعليمية.
وذكر أن هناك أربعة مدارس أخرى متفرقة في المدينة بدأ التدريس لحوالي 800 طالب، بالعون الذاتي حيث يأخذ المعلم حافز مالي غير مجزي.
وأضاف أن “المعلمين متواجدين بنسبة كافية لاستمرار التدريس، حيث يوجد حوالي 100 معلم داخل مدينة غبيش، إضافة إلى المعلمين في الإداريات الأربعة التابعة للمحلية، إلا أن التقاطعات العسكرية والمدنية عرقلت استمرار العمل بالصورة المطلوبة” وفق قوله.
وأوضح أن الأطراف العسكرية تخلت عن التعليم تماماً، بعد أن تخلت وزارة التربية والتعليم الاتحادية عن واجباتها في المنطقة باعتبارها تحت سيطرة قوات الدعم السريع. بينما تبدو الأخيرة غير مكترثة لهذا الجانب وغيره من الخدمات.
ونوه إلى أن تحصيل الموارد في المحلية الغنية يذهب إلى العمل العسكري وتمويل الحرب وسط تناسي وإهمال الخدمات الأساسية التي يحتاجها المواطن.
وأشار إلى هنالك انقسام وسط المعلمين بين مؤيد للجيش السوداني وهؤلاء ترسل لهم السلطات في بورتسودان مرتباتهم مقابل عدم استئناف التعليم، وآخرين حاولوا استئناف الدراسة قُطعت عنهم مرتباتهم.
وأضاف عجب أن “المعلمين مهتمين باستمرار العملية التعليمة حيث تقدموا للإدارة المدنية بخطة خاصة بالتعليم إلا أنه لا توجد أموال لدعم الخطة، ومع ذلك نسعى معهم لتنشيط وتفعيل المدارس بالعون الذاتي والمبادرات ونحاول التطوير كل مرة وننتظر مساعدة الخيرين”.
دروب الإلكترونية
المصدر:
الراكوبة