آخر الأخبار

السودان: معارك عنيفة وآلاف الضحايا… اتهامات لقوات الدعم بارتكاب جرائم إبادة

شارك

بدأ السودانيون العام 2025 بخطاب لرئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان، وجهه للشعب السوداني بمناسبة الذكرى الـ69 لاستقلال السودان، قال فيه: «إن الجيش يعد العدة لحسم المعركة لصالح الشعب السوداني لكن لا يمنعه ذلك من الإنخراط في أي مبادرة حقيقية تنهي الحرب وتضمن عودة آمنة للمواطنين إلى مواطنهم وإنتفاء ما يهدد حياتهم مرة أخرى». وشدد على أن البلاد لن تعود كما كانت قبل 15 نيسان/ابريل 2023، في إشارة إلى التحالفات وشكل الحكم الذي سبق اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ ذلك التاريخ.
في المقابل، نشر زعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، خطابًا دعا فيه إلى إعادة النظر في الحرب، متهمًا القوات المسلحة والحركة الإسلامية بمحاولة قمع الثورة السودانية، ومطالبًا النخب العسكرية بالاعتراف بـ«فشلها والتوقف عن الاستنفار والقتال، ما يمهد لإنهاء المعاناة الإنسانية للشعب». على الرغم الشعارات التي رفعها «حميدتي»، تتهم قواته بارتكاب انتهاكات واسعة بلغت ذروتها في العام 2025، راح ضحيتها الآلاف من القتلى والجرحى بينما هجرت قواته مدنا بأكملها قسريا فضلا عن عمليات النهب التي طالت ممتلكات المدنية والمرافق العامة في المناطق التي سيطرت عليها قواته.
ومع بداية كانون الثاني/يناير، صعدت قوات الدعم السريع هجماتها على مدن ولاية الجزيرة، منطقة الزراعة الحيوية وسط السودان، مستهدفة المدنيين ونهبت المزارع والبنية التحتية. وأفاد المرصد السوداني لحقوق الإنسان بارتكاب هذه القوات مجازر واعتقالات تعسفية، واستخدام أسلحة ثقيلة ضد المدنيين العزل. وفي 11 منه، تمكن الجيش السوداني من استعادة مدينة ود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، بعد 13 شهرًا من سيطرة الدعم السريع عليها.
في 16 من الشهر، أدى القصف المدفعي إلى تدمير قصر السلطان علي دينار في دارفور، أحد أبرز المعالم التاريخية والثقافية للمنطقة، والذي يعود تشييده إلى الفترة بين 1871 و1912. وأدان حاكم دارفور، مني أركو مناوي، التدمير، معتبرًا أنه جزء من محاولة الدعم السريع لطمس الهوية التاريخية للمدينة وبسط نفوذ دولة «آل دقلو» في إشارة إلى عائلة زعيم الدعم السريع «حميدتي». وأضاف أن الدعم السريع تتلقى دعما خارجيا مستمرا عبر محور ليبيا، حيث دخلت نحو 400 آلية عسكرية إلى دارفور.
في شباط/فبراير 2025، بدأ الجيش السوداني استعادة مواقع واسعة في العاصمة الخرطوم، التي كانت تسيطر قوات الدعم السريع على مناطق واسعة منها، منذ اندلاع الحرب. ومع تقدم الجيش، انخرطت قوات الدعم السريع في محاولات سياسية، حيث انعقدت اجتماعات في العاصمة الكينية نيروبي في 18 شباط/فبراير، أسفرت عن توقيع ميثاق سياسي بين الدعم السريع وحلفائه، بما في ذلك الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو وبعض الأحزاب السياسية. وفي 22 منه، وقع التحالف مذكرة لتشكيل حكومة في مناطق سيطرة الدعم السريع، تبعها في 3 آذار/مارس اتفاق «دستور انتقالي» ينص على علمانية لا مركزية، وإنشاء جيش جديد وفترة انتقالية ممتدة لعشر سنوات بعد انتهاء الحرب.
حمل شهر اذار/مارس، تصعيدا دبلوماسيا، حيث اتهمت الخرطوم الإمارات بدعم قوات الدعم السريع. وفي 5 منه، وصف مندوب السودان الدائم في مجلس حقوق الإنسان مندوب الإمارات بـ«مندوب الدعم السريع»، ورفعت الحكومة شكوى إلى محكمة العدل الدولية ضد أبو ظبي، متهمة إياها بمساندة جرائم إبادة جماعية في دارفور بحق مجموعة المساليت. لكن المحكمة أعلنت لاحقا شطب القضية لعدم الاختصاص.
وفي 20 اذار/مارس، أعلن الجيش السوداني استعادة القصر الرئاسي ومقار الوزارات وسط العاصمة الخرطوم، بعد معارك عنيفة، واعتبر المتحدث باسم الجيش وقتها نبيل عبد الله أن الاستعادة مثلت «انتصارًا ساحقًا». وأكد وزير الثقافة والإعلام خالد الأعيسر أن تحرير القصر يمثل «ملحمة للكرامة الوطنية»، مع رفع العلم السوداني فوق القبة. لكن في الوقت ذاته، أسفرت هجمات جوية للطائرات المسيرة التابعة لقوات الدعم السريع عن مقتل وفد إعلامي من التلفزيون القومي أثناء تغطيتهم للحدث.
واستهدفت قوات الدعم السريع خزان مروي شمال البلاد في 8 نيسان/ابريل، ما أدى لانقطاع الكهرباء عن الخرطوم ونصف البلاد. وفي 25 منه، نفذت نفس القوات حملة تصفية جماعية في منطقة الصالحة جنوب أمدرمان، راح ضحيتها 31 شخصًا بينهم أطفال، بعد اعتقالات تعسفية وتعذيب وترويع للمواطنين.
وفي 18 آيار/مايو، عين البرهان دكتور كامل الطيب إدريس عبدالحفيظ رئيسًا لمجلس الوزراء، بعد فراغ دستوري استمر نحو أربع سنوات، ليبدأ تشكيل الحكومة الجديدة. وفي 25 من الشهر، استهدف الدعم السريع مسجد الشيخ أحمد حنفي في الفاشر أثناء صلاة الجمعة، ما أدى لمقتل وإصابة مجموعة من المصليين. في الوقت نفسه، سجل معسكر قاقا في تشاد وفاة 13 سودانيا بسبب الجوع، فيما يعيش نحو 21 ألف لاجئ سوداني أوضاعًا إنسانية مأساوية.

توسع النزاع الحدودي والكوليرا

في حزيران/يونيو، سيطرت قوات الدعم السريع على المثلث الحدودي شمال غرب السودان المحايد لكل من مصر وليبيا، واتهمت الحكومة السودانية قوات خليفة حفتر بالتدخل ودعم قوات «حميدتي»، فيما حذرت الأمم المتحدة في 19 من الشهر، من تفشي الكوليرا، مع تسجيل أكثر من 80 ألف حالة إصابة وأكثر من ألفي وفاة، بينهم 200 طفل دون سن الخامسة، بينما يحتاج نحو 30 مليون شخص للمساعدة الإنسانية، نصفهم من الأطفال.
وفي تموز/يوليو، حذرت لجان المقاومة بالفاشر من استمرار حصار المدينة وحفر خنادق حولها، ومن احتمال ارتكاب عمليات إبادة جماعية. وفي 9 تموز/يوليو، أعلنت الحكومة تشكيل لجنة وطنية للتحقق من مزاعم الإدارة الأمريكية باستخدام الجيش السوداني أسلحة كيميائية، بينما رفضت تنسيقية المهنيين والنقابات محاولات إعادة تشكيل النقابات في 24 منه، معتبرة ذلك تهديدًا لاستقلالية الحركة النقابية.
بحلول نهاية تموز/يوليو، شهد المشهد السياسي السوداني مزيدًا من الانقسامات. في 29 منه، أعلنت مجموعة من أعضاء حزب المؤتمر السوداني تأسيس «حزب المؤتمر السوداني الفيدرالي»، متهمين قيادة الحزب الأم بالفشل في مواجهة الحرب وإدارة التنوع، بينما استمر التحالف المدني الموالي لقوات الدعم السريع في تشكيل حكومة موازية بقيادة «حميدتي». لاحقا في كانون الأول/ديسمبر انضمت مجموعة من حزب المؤتمر السوداني إلى تحالف «تأسيس». سبقهم رئيس حزب الأمة القومي المكلف فضل الله برمة ومجموعة من مكونات الحزب، ضمن سياسيين آخرين. الموقف المعلن لحزبي الأمة القومي والمؤتمر السوداني، رافض للحرب، وينخرطان في تحالف «صمود» بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك الذي يعلن ذات الموقف.
في 7 آب/أغسطس، أجرى رئيس مجلس الوزراء السوداني، البروفيسور كامل إدريس الطيب، أول زيارة خارجية له منذ توليه المنصب، متوجهًا إلى جمهورية مصر العربية. واكتسبت الزيارة أهمية سياسية واقتصادية خاصة، إذ جاءت في توقيت بالغ الحساسية، تسعى فيه الحكومة الجديدة إلى إعادة ترتيب علاقات السودان الإقليمية والدولية في ظل الحرب والتحولات الداخلية.
وبالتزامن مع الزيارة، أعلنت الحكومة السودانية أن الجيش نفذ ضربة جوية وصفتها بـ«النوعية»، استهدفت طائرة إماراتية أثناء هبوطها في مطار نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، قائلة إنها كانت تقل عشرات المرتزقة الكولومبيين.
وذكر بيان بثه التلفزيون الرسمي أن الغارة أسفرت عن مقتل نحو 40 مرتزقًا، وتدمير شحنات من الأسلحة والعتاد كانت موجهة لدعم قوات الدعم السريع. وأكد البيان أن الضربة تمثل «رسالة واضحة للداخل والخارج بأن السيادة السودانية خط أحمر»، في إطار مواجهة ما وصفه بـ«التدخلات الأجنبية».
وفي 12 آب/أغسطس، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة طارئة لمناقشة تطورات الأوضاع في السودان، لا سيما إعلان قوات الدعم السريع تشكيل حكومة موازية من مدينة نيالا في 26 تموز/يوليو.
وأعرب أعضاء المجلس في بيان ختامي عن رفضهم القاطع لأي سلطة حكم موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع، معتبرين الخطوة تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان، ومفاقِمة للوضع الإنساني المتدهور. كما أكد المجلس التزامه بدعم سيادة السودان واستقلاله وسلامة أراضيه.
وفي 17آب/أغسطس، أعلنت حكومة ولاية شمال دارفور مقتل الأمين العام لحكومة الولاية، محمداي عبد الله آدم خاطر، وزوجته، جراء قصف بطائرة مسيّرة استهدف منزلهما في مدينة الفاشر. واعتبر والي الولاية الحافظ بخيت محمد الحادثة امتدادًا لما وصفه بـ«جرائم الدعم السريع بحق المدنيين».

قيادات طبية تحت القصف

في سياق التصعيد ذاته، أعلنت شبكة أطباء السودان مقتل كل من الدكتور آدم إبراهيم أحمد، عميد كلية الطب بجامعة الفاشر، والدكتور عمر إسحق سلك، مدير إدارة الرعاية الصحية الأساسية، خلال هجوم استهدف مسجد حي الصافية بالمدينة.
وأسفر الهجوم، الذي نُسب إلى قوات الدعم السريع، عن مقتل 75 مصليًا وإصابة 10 آخرين. وأفادت الشبكة بأن عدد الكوادر الطبية التي قُتلت منذ اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023 تجاوز 230 طبيبًا.
وفي 28 آب/أغسطس، أعلنت الشبكة مقتل 24 مدنيًا وإصابة 55 آخرين، بينهم خمس نساء، إثر قصف مدفعي «متعمد» استهدف السوق المركزي وحي أولاد الريف في الفاشر. وفي اليوم التالي، أكدت منظمة الهجرة الدولية نزوح نحو 1050 أسرة من أحياء أولاد الريف ومكركا والوادي داخل المدينة المحاصرة.
خلال أيلول/سبتمبر، تفاقمت الأزمة الإنسانية في إقليم دارفور غرب البلاد، مع تصاعد العنف والنزوح. وسجل تفشي وباء الكوليرا وفاة سبعة أشخاص في يوم واحد، مع رصد 177 إصابة جديدة، ليرتفع العدد التراكمي إلى 9.326 حالة، بينها 389 وفاة.
وفي نهاية الشهر، استهدفت طائرة مسيّرة تابعة لقوات الدعم السريع مراكز لإيواء النازحين في مدينة الفاشر. ووصف حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، الهجوم بأنه «جريمة جديدة» ضد المدنيين، واتهم الدعم السريع باتباع سياسة الأرض المحروقة.
في 25 تشرين الأول/اكتوبر، اجتاحت قوات الدعم السريع مدينة بارا، وسط تقارير عن انتهاكات واسعة بحق المدنيين، شملت القتل والنزوح، مع انقطاع كامل للاتصالات. وبعدها بيومين، سقطت مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، بعد حصار دام نحو عام ونصف. وأفادت قوى محلية ومنظمات مدنية بمقتل ما لا يقل عن ألفي مدني خلال يومي 26 و27 تشرين الأول/أكتوبر، في عمليات وُصفت بالإبادة الجماعية.
وقالت لجان مقاومة الفاشر إن المدينة «أُبيد سكانها»، بينما حذّرت اليونيسف من خطر يهدد حياة نحو 130 ألف طفل محاصرين داخلها. كما أعلنت نقابة الصحافيين اختفاء واعتقال 13 صحافيًا، وسط مخاوف على سلامتهم.
وفي ظل هذه الاتهامات، أعلن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بدء جمع أدلة بشأن الجرائم المرتكبة في الفاشر.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر، تصدرت التحركات الأمريكية المشهد، بعد تصريحات لوزير الخارجية ماركو روبيو أكد فيها ضغط واشنطن على أطراف الحرب، ودعمه مساعي تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية.
وفي الأسبوع التالي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عزمه التعامل شخصيًا مع الملف السوداني، بطلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، مؤكدًا العمل مع السعودية والآلية الرباعية لوقف إطلاق النار وتسهيل المساعدات. ورحبت الحكومة السودانية بهذه الجهود، لكنها أشارت لاحقًا إلى تعثر المقترح الأمريكي.
في مطلع كانون الأول/ديسمبر 2025، أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن أي حل سياسي لا يتضمن تفكيك قوات الدعم السريع وتجريدها من السلاح «مرفوض تمامًا». وفي 9 منه، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية حكمًا بالسجن 20 عامًا بحق علي كوشيب، بعد إدانته بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
وفي 10 كانون الأول/ديسمبر، فرضت المملكة المتحدة عقوبات على قيادات بارزة في الدعم السريع، من بينهم عبد الرحيم دقلو، بتهم ارتكاب انتهاكات جسيمة في الفاشر.
ومع توسع المعارك في كردفان، سيطرت قوات الدعم السريع في الأسبوع الثاني من كانون الأول/ديسمبر على حقل هجليج النفطي في الحدود مع دولة جنوب السودان ذو الأهمية الاقتصادية والأمنية الإستراتيجية للبلدين. وعلى خلفية ذلك، في 16 منه، أعلن السودان وجنوب السودان التوصل إلى تفاهمات مشتركة لتأمين وتشغيل الحقل، والتوافق على انتشار قوات من جنوب السودان لحماية المنشآت النفطية في هجليج بتنسيق مع قوات الدعم.
ويعد حقل هجليج الأكبر في السودان، ويمثل مصدرًا رئيسيًا لإيرادات دولة جنوب السودان، ما جعله محورًا بالغ الحساسية في مسار الصراع الإقليمي والاقتصادي.

القدس العربي

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا