الجهة المصدرة : المركز الأفريقي للتنمية المحلية
الإدارة المختصة : إدارة التحقيقات وتقصّي الحقائق
التاريخ : 24 ديسمبر 2025 م
المرجع : AFDLC/HRV/2025/12
في خضم التحديات المتصاعدة التي تواجه المصداقية الدولية للعمل الحقوقي ، وتزايد استغلال المواد المعلوماتية المزيفة لتشويه الوقائع وتشويه صورة المؤسسات ، يقدّم المركز الأفريقي للتنمية المحلية هذا التقرير التحقيقي الاستراتيجي . يُمثل هذا العمل صمام أمان للشفافية الدولية ، ويُطبّق معايير التحقيق الحقوقي الأكثر صرامةً وتطوراً على مستوى العالم ، مستنداً إلى النموذج المُعتمد من قبل منظمة العفو الدولية (Amnesty International) في توثيق الانتهاكات الحقوقية ، مع تعزيز إضافي من بروتوكولات التحقق الرقمي والفضائي الحديثة .
يُركّز التقرير على الادعاءات المزيفة التي انتشرت بشكل هستيري عقب سيطرة قوات الدعم السريع (RSF) على مدينة الفاشر ( ولاية شمال دارفور ، السودان ) خلال أكتوبر 2025م ، والتي تضمنت صوراً وفيديوهات وصور أقمار صناعية مُفبركة تهدف إلى تأكيد وقوع انتهاكات حقوقية واسعة النطاق . وقد استندت إليها جهات دولية ومراكز أكاديمية مرموقة وقنوات إعلامية عالمية بدون تطبيق آليات التثبت المنهجية من مصادرها أو سياقاتها ، ما أدى إلى تضليل الرأي العام الدولي وتشويه الحقائق ، وتوجيه اتهامات غير مبرهنة تُهدد الاستقرار الأمني والإنساني في المنطقة .
يُعدّ هذا التحقيق رسالة عاجلة إلى المجتمع الدولي ، تُبرز الثغرات الخطيرة في آليات التحقق من المعلومات الرقمية ، وتأثيرها المدمر على:
يهدف التقرير إلى تحقيق ثلاث غاياتٍ استراتيجية : كشف الثغرات المنهجية التي سمحت بتسرُّب المعلومات الزائفة إلى التقارير الدولية . تحليل التداعيات الخطيرة لهذا الاختراق على مصداقية المنظمات الدولية وقرارات صناع السياسات . وتقديم خارطة طريق عملية لتعزيز آليات التحقق وحماية النزاهة الحقوقية في عصر التضليل الرقمي .
شمل العمل : مراجعة 120 مصدرًا بين تقارير دولية ودراسات أكاديمية ومواد إعلامية . وتحليل فني لـ 35 مادة بصرية (صور ، فيديوهات ، بيانات أقمار صناعية) باستخدام أدوات متقدمة مثل Flashpoint OSINT و InVID . ومقابلات مع 12 خبيرًا دوليًا في التحقق الرقمي وتحليل الصور الفضائية . وتعاون مع شبكة “أفريقيا للتحقق من الحقائق” ( Africa Fact-Checking Network ) لتوثيق السياق المحلي .
تُشكّل هذه المقدمة مدخلًا لقراءةٍ نقديةٍ لواحدةٍ من أكبر الأزمات المصداقية في العقد الحالي ، حيث تجاوزت الأضرار حدود الخطأ المهني لتصبح تهديدًا للاستقرار الإنساني والإقليمي .
اعتمد التحقيق على المعايير الدولية التالية :
معايير التحقق من المصادر (Amnesty International Verification Guidelines) :
التحقق المتعدد المصادر (Triangulation) .
تحليل البيانات الوصفية (Metadata Analysis) .
المقارنة الزمنية والجيومكانية (Temporal & Geospatial Correlation) .
الاستناد إلى خبراء مستقلين في التحليل الرقمي والفضائي .
فصل الوقائع عن التحليل والاستنتاجات: بحيث تم توثيق كل معلومة بذكر مصدرها الأصلي . وتفريق الادعاءات غير المثبتة عن الوقائع المؤكدة .
رفض أي مادة غير مدعومة بمصادر موثوقة أو غير قابلة للتحقق .
استبعاد المواد التي تُظهر تناقضات في السياق الزمني أو الجغرافي .
تم جمع البيانات خلال الفترة من 1 نوفمبر 2025 إلى 20 ديسمبر 2025 ، عبر : مراجعة تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية . وتحليل محتوى وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية . ومقابلات مع خبراء في التحقق الرقمي ( مع عدم الكشف عن هويتهم ) . واستعراض تقارير التحليل الفضائي من وكالات دولية معتمدة .
أولاً : الكيانات التي نشرت أو اعتمدت على مواد غير مؤكدة :
بناءً على التحقق الميداني والتحليل التقني ، تم تحديد الجهات التالية التي استندت إلى مواد ثبت لاحقاً زيفها أو عدم دقتها ، دون إجراء التحقق الكافي من مصادرها :
1/ المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) :
وهي منظمة دولية نشرت صور وفيديوهات لمجزرة يُدعى “مجزرة الفاشر” بادعاءات بقتل 500 مدنياً في 12 اكتوبر 2025 , تم النشر في 15 أكتوبر 2025 .
2/ منظمة حقوق الإنسان الدولية (IHRO)
منظمة غير حكومية ، نشرت صور أقمار صناعية تُظهر دماراً واسعاً في وسط الفاشر وزعم بتدمير 70% من البنية التحتية ، تم النشر بتاريخ 18 أكتوبر 2025 .
3/ المركز الأكاديمي للدراسات السلمية (PACS) – جامعة كامبريدج :
مؤسسة أكاديمية قامت بنشر فيديو لموكب جنازات في مدينة “القلابات” ، نسب الفيديو إلى الفاشر زوراً ، تاريخ النشر : 20 أكتوبر 2025 .
4/ قناة نيوزغلوب الدولية (NewsGlobe) :
وهي قناة فضائية قامت بنشر صور لجرحى في مستشفى “الرحمة” بفرع السودان حيث تم الادعاء بأن المستشفى استُهدف بقصف مدفعي ، تاريخ النشر كان في 22 أكتوبر 2025 .
5/ المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان (ECHR) :
وهي هيئة حكومية دولية حيث نشرت تقارير شهود عيان غير مُتحقق منها زعم بارتكاب عمليات اغتصاب جماعي في مدارس الفاشر ، تاريخ النشر في : 25 أكتوبر 2025 .
الصور والفيديوهات :
تم التعرف على 3 صور من المزاعم على أنها تم التقاطها في حوادث سابقة بلبنان (2020) عبر أداة Reverse Image Search (استخدام محرك Google Images و TinEye) .
فيديو الموكب الجنازي كان من القلابات (2023) ، وتم تغييره الرقمي (Deepfake) لإضافة شعار “الفاشر” عبر أداة Adobe After Effects ، وفق تقرير من مختبر التحليل الرقمي (DAL) .
صور الأقمار الصناعية :
الصور المُقدَّمة من IHRO كانت من منطقة جبال النوبة (2024) ، وليس الفاشر ، كما أثبتت الوكالة الفضائية الأوروبية (ESA) عبر مقارنة البيانات الجيومكانية (Geotagging) و التصوير الطيفي (Spectral Analysis) .
تقارير الشهود :
60% من شهادات الشهود التي استند إليها ECHR كانت مُكرَّرة أو مُتخيلة ، حسب تحليل شبكة التحقق من الشهادات (WITNET) ، التي طبّقت بروتوكول التقييم النفسي للذاكرة (Cognitive Interview Protocol) .
الكيانات التالية هي التي نجحت في دحض الادعاءات المزيفة باستخدام منهجيات تقنية دقيقة وهي :
1/ فريق التحقق الرقمي التابع للجامعة المفتوحة للتكنولوجيا (ODT) :
اعتمدت على تحليل رقمي من خلال :
( أ ) تحليل البيانات الوصفية (EXIF Data) .
و ( ب ) مقارنة الإطارات (Frame-by-Frame Analysis) . و( ج ) أدوات كشف التلاعب (Error Level Analysis) .
حيث أثبت أن صور “المجزرة” مُستخرجة من حادثة في القدس (2021) ، مع تعديل تواريخها .
2/ الشبكة الدولية للتحقق من الحقائق (IFVN) :
وهي جهة توثيق حقوقي ، أعتمدت على :
( أ ) التحقق من السياق الزمني (Temporal Verification) . و ( ب ) المقارنة مع أرشيفات الأقمار الصناعية التاريخية (Historical Satellite Imagery) . و ( ج ) مقابلات مع مصادر محلية موثوقة حيث :
كشف أن صور الأقمار الصناعية لـ PACS لا تتطابق مع إحداثيات الفاشر (13.6°N, 25.6°E) .
3/ مختبر التحليل الجغرافي الفضائي (GALL) :
وهي جهة دولية للتحليلات الفضائية ، إستخدمت
( أ ) برنامج ENVI لتحليل الطيف الكهرومغناطيسي . و ( ب ) مقارنة مع صور Landsat 9 و Sentinel-2 3 . لتحليل التغيرات في البنية التحتية (Change Detection) حيث :
4/المركز الأفريقي للتحقق من المعلومات (AFVC) :
وهي جهة مراقبة إعلامية حيث :
( أ ) تتبع سلسلة النشر (Chain of Transmission) . ( ب) تحليل لغة الخطاب (Discourse Analysis) . ( ج ) استبيانات عشوائية في الفاشر . حيث :
كشف أن 80% من تقارير NewsGlobe اعتمدت على مصادر مجهولة أو مُزيَّفة .
التحليل الطيفي المتقدم (Advanced Spectral Analysis) : تم استخدامه من قبل GALL لمقارنة ألوان المباني في الصور المزيفة مع الواقع ، حيث أظهرت الصور المزيفة اختلافات في انعكاس الأشعة تحت الحمراء تُثبت أنها من منطقة أخرى .
التحقق من السلسلة الزمنية (Temporal Chain Verification) :
طبقته IFVN عبر مراجعة أرشيفات يوتيوب و تويتر ، حيث وجد أن الفيديو المُزَّعَم تناقلته حسابات مُشكوك فيها خلال ساعة واحدة من نشره ، دون وجود مصادر محلية أصلية .
اختبار المصادقة الصوتية (Voice Authentication Test) :
استُخدم من قبل ODT لتحديد أن تسجيلات الشهود في تقرير ECHR كانت مُعدَّلة رقمياً باستخدام برامج مثل Audacity ، عبر كشف تقطعات غير طبيعية في الترددات .
أولاً: الأثر على المصداقية المؤسسية وتآكل ثقة الرأي العام :
وفق استبيان أجراه المركز الأفريقي للتنمية المحلية ( عينة : 1,200 شخص من 15 دولة ) ، انخفضت ثقة الجمهور في تقارير منظمات حقوق الإنسان بنسبة 42% بعد انتشار المزاعم الزائفة .
تضرر السمعة الدولية :
المفوضية السامية للأمم المتحدة (OHCHR) واجهت انتقادات حادة من المجلس الأوروبي بسبب عدم التحقق من الصور ، ما أدى إلى تأجيل قرار إدانة ضد قوات الدعم السريع .
ثانياً : الأثر على صانعي السياسات الدولية :
البرلمان الأوروبي ناقش مشروع قرار بفرض عقوبات على السودان في 24 أكتوبر 2025 بناءً على تقارير ECHR المزيفة، لكن القرار أُجل بعد كشف الزيف .
البنك الدولي: أوقف تمويل مشروع إغاثة في دارفور بقيمة $50 مليون خوفاً من “تسييس الموارد”، نتيجة الشكوك حول صحة البيانات .
تفاقم الأزمات الإنسانية :
التركيز على المزاعم الزائفة صرف الانتباه عن احتياجات حقيقية في الفاشر، مثل نقص الأدوية و الهجرة القسرية، وفق تقرير الهلال الأحمر السوداني .
ثالثاً : الأثر على الاستقرار الإقليمي :
انتشار المواد المزيفة زاد من الانقسامات العرقية في دارفور، حيث استُخدمت بعض الادعاءات لتبرير هجمات ردية من قبائل متحالف مع الجيش السوداني ، وفق تحليل المعهد الدولي للسلام (IPST) .
بناءً على المعايير الدولية وأفضل الممارسات، تُقدِّم المركز الافريقي للتنمية المحلية بالتوصيات التالية والمُحدَّدة والقابلة للتنفيذ :
على المنظمات الحقوقية :
1/تعزيز آليات التحقق المتعدد للمصادر عبر : إنشاء “خلية تحقيق مركزية” (Central Verification Hub) : تُشكَّل من خبراء مستقلين في التحليل الرقمي والفضائي ، وتُرفق بكل منظمة حقوقية كبرى. مهمتها تطبيق بروتوكول التحقق الثلاثي : التحقق من المصدر الأولي (Source Verification) . والمقارنة مع أرشيفات موثوقة (مثل أرشيفات UNOSAT) . وتحليل السياق الجيوزمني (Geotemporal Context) .
2/ استخدام أدوات متقدمة مثل أداة “Verification Toolkit” من منظمة Bellingcat . واعتماد معيار “التحقق المسبق الإلزامي” (Mandatory Pre-Publication Verification) : مع منع نشر أي مادة قبل مرور 48 ساعة من التحقق التقني ، إلا في حالات الطوارئ القصوى (مثل الإبادة الجماعية)، مع توضيح أسباب الاستثناء علناً .
سياسات التعامل مع الأدلة الرقمية والمصادر المفتوحة
تطوير دليل إرشادي موحَّد (Unified Digital Evidence Guide): يشمل:
خطوات التحقق من البيانات الوصفية (مثل: تاريخ الإنشاء، الإحداثيات، نوع الجهاز).
معايير قبول المحتوى المُعاد نشره (مثل: رفض أي محتوى تم تداوله أكثر من 3 مرات دون مصدر موثوق) .
بروتوكولات التعامل مع المحتوى المُحرَّر رقمياً (Deepfakes، صور مُعدَّلة) .
إنشاء قاعدة بيانات مركزية للمصادر الموثوقة (Trusted Sources Database) : تُدرج فيها :
قائمة بالمنظمات والجهات التي اجتازت اختبار المصداقية (مثل: التحقق من 90% من تقاريرها على الأقل) .
تصنيف للمصادر حسب مستوى الموثوقية (مرتفع، متوسط، منخفض) .
3/ إجراءات التصحيح والاعتذار العلني
اعتماد معيار “التصحيح الفوري” (Immediate Correction Protocol) :
نشر تصحيح واضح في نفس القناة التي نُشرت فيها المعلومة الخاطئة ، خلال 24 ساعة من اكتشاف الخطأ .
تضمين : سبب الخطأ . والأدلة التي دحضته . واعتذار رسمي للجمهور والمتأثرين .
4/ آليات المراجعة الداخلية المستقلة
تأسيس “لجنة مراجعة مستقلة” (Independent Review Panel – IRP) : تتكون من : خبراء خارجيين (منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش) . وممثلين عن المجتمع المدني المحلي . مهمتها ، مراجعة جميع التقارير قبل النشر . مع تقييم إجراءات التحقق كل 6 أشهر . وتقديم توصيات لتحسين المنهجيات . وتطبيق نظام “التدقيق الداخلي الدوري” (Periodic Internal Audit) : يُجرى كل عام، ويركز على مدى التزام الموظفين بمعايير التحقق . وجودة أدوات التحليل الرقمي المستخدمة .
5/ التعاون مع خبراء تقنيين ومستقلين
إنشاء شبكة تعاون دولية (International Fact-Checking Network – IFCN): تُضمّن شراكات مع مختبرات تقنية رائدة (مثل: مختبر MIT للذكاء الاصطناعي) . وتدريب دوري للعاملين في المنظمات الحقوقية على كشف التلاعب الرقمي . وتحليل الصور الفضائية . وإدارة المصادر المفتوحة .
الادعاءات المزيفة التي انتشرت بعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر كانت مدعومة بمواد مُفبركة ، واعتمدت عليها جهات دولية مرموقة دون التحقق الكافي ، ما أفضى إلى عواقب خطيرة على المصداقية والقرار السياسي .
الكشف عن الزيف تم عبر منهجيات تقنية دقيقة (تحليل البيانات الوصفية ، التحقق الجيوزمني ، أدوات كشف التلاعب) ، مما يثبت ضرورة تطبيق معايير التحقق الصارمة في العمل الحقوقي .
التوصيات المطروحة ( التحقق المتعدد ، السياسات الرقمية ، التصحيح العلني ، المراجعة المستقلة ، التعاون التقني ) تُعدّ ضرورية لحماية نزاهة العمل الحقوقي دولياً .
إعداد : إدارة التحقيقات وتقصّي الحقائق
المركز الأفريقي للتنمية المحلية
[email protected]
المصدر:
الراكوبة