آخر الأخبار

بعد نحو ألف يوم من الحرب.. السودان يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الصحية في العالم- (حوار)

شارك

مع اقتراب الحرب في السودان من يومها الألف، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن النظام الصحي يواجه ضغطا غير مسبوق، في ظل تفشٍ واسع للأمراض، ونقص حاد في الخدمات الصحية، وتزايد أعداد الوفيات وسوء التغذية. وأكدت المنظمة أن السودان يمر بأزمة صحية حادة تشمل تفشي الكوليرا والملاريا وحمى الضنك، إلى جانب واحدة من أسوأ أزمات سوء التغذية في العالم، تهدد بشكل خاص الأطفال والنساء.

وكشفت المنظمة عن أرقام صادمة تتعلق بالهجمات على مرافق الرعاية الصحية في السودان، مؤكدة أن البلاد تسجل النسبة الأكبر من الوفيات العالمية المرتبطة باستهداف القطاع الصحي، في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.

ووجهت المنظمة نداء عاجلا إلى المجتمع الدولي لعدم تجاهل السودان، مؤكدة أن استمرار الحرب يقوض أي فرصة للتعافي الصحي، ويهدد حياة ملايين المدنيين دون تمويل كافٍ أو وصول إنساني آمن.

المزيد في الحوار التالي الذي أجراه موقع أخبار الأمم المتحدة عبر الفيديو مع الدكتور شبل صهباني، ممثل منظمة الصحة العالمية في السودان.

أخبار الأمم المتحدة: بعد ما يقرب من ألف يوم على هذا الصراع، كيف تصفون الوضع الصحي الحالي في السودان؟

د. شبل صهباني: بدأت هذه الأزمة في نيسان/أبريل 2023، وفي غضون 20 يوما سنحتفل بمرور 1000 يوم على الصراع في السودان. بطبيعة الحال، أغرق هذا الصراع البلاد في وضع إنساني متدهور بسرعة، وهو أزمة حماية، وأزمة نزوح، وأزمة شبيهة بالمجاعة، ولكنه أيضا أزمة صحية.

يمكنني القول إن هناك تفشيا متعددا للأمراض، وسوء تغذية، وأمراض غير معدية، واحتياجات طارئة لرعاية الأمومة. ولكن من جهة أخرى، نواجه الكثير من التحديات، مثل الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، ونقص الوصول إلى الرعاية الصحية، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ونقص الموارد المالية والبشرية لتشغيل الخدمات الصحية.

هذا يعني أن النظام الصحي يعاني من الضغط وهو على وشك الانهيار. المرافق الصحية لا تعمل في العديد من الولايات السودانية. تم الإبلاغ عن الكوليرا في 18 ولاية مع تقارير عن أكثر من 123 ألف حالة أدت إلى أكثر من 3,500 حالة وفاة. أما بالنسبة لحمى الضنك، فلدينا أكثر من 53 ألف حالة مع أكثر من 145 حالة وفاة تم الإبلاغ عنها من 14 ولاية. هذا يعني أنها تغطي جميع أنحاء البلاد. وينطبق الشيء نفسه على الملاريا. أكثر من 1.4 مليون حالة ملاريا في 16 ولاية مع معدل انتقال مرتفع للغاية.

يواجه السودان واحدة من أكبر أزمات الغذاء في العالم. ومن المؤسف أن نقول هذا عن السودان، الذي كان يُعتبر سلة غذاء المنطقة بأسرها

كما تعلمون، فإن الطقس والظروف في السودان مواتية لانتشار الملاريا وحمى الضنك عن طريق البعوض. يتم الإبلاغ أيضا عن تفشي الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الحصبة وشلل الأطفال، في العديد من الولايات في الوقت الحالي.

أما إذا تحدثنا عن سوء التغذية، فإن السودان يواجه واحدة من أكبر أزمات الغذاء في العالم. ومن المؤسف أن نقول هذا عن السودان، الذي كان يُعتبر سلة غذاء المنطقة بأكملها. والآن، في هذه اللحظة، أستطيع أن أؤكد لكم أن أكثر من 21 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من سوء التغذية الحاد وانعدام الأمن الغذائي.

ويعاني 45% من السكان من مستويات خطيرة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة الثالثة وما فوقها وفقا للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي) – أي المراحل الثالثة والرابعة والخامسة (والتي تُصنف فعليا على أنها مجاعة). كما يُعد السودان من بين الدول الأربع الأولى عالميا من حيث أعلى معدلات انتشار سوء التغذية الحاد. هذه الظاهرة تُؤثر على 13.6% من السكان.

كما أن الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل أو المرضعات معرضون للخطر بشكل خاص. وهناك 4.9 مليون شخص في حاجة ماسة إلى تدخلات غذائية منقذة للحياة. ومن المتوقع أن يُعاني ما يقرب من 800 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد الشديد في عام 2025.

تم إدخال أكثر من 40 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم المصحوب بمضاعفات طبية إلى مراكز العلاج في عام 2025، حيث تقدم منظمة الصحة العالمية العلاج. هذا فقط للتأكيد على أن الاحتياجات هائلة. الوضع الصحي يتدهور بشكل كبير ومثير للقلق.

لكن في الوقت نفسه، هناك العديد من التحديات بسبب صعوبة الوصول، وبسبب الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، وأيضا بسبب نقص الموارد، سواء الموارد البشرية أو، بشكل رئيسي، الموارد المالية.

© UNICEF/Ahmed Mohamdeen Elfatih

أخبار الأمم المتحدة: حدثنا عن جهود المنظمة لدعم السلطات الصحية السودانية من أجل التغلب على كل هذه التحديات التي ذكرتموها!

د. شبل صهباني: منظمة الصحة العالمية هي إحدى الجهات المستجيبة للوضع في البلاد، وهي أيضا مسؤولة عن تنسيق الاستجابة الصحية، ونعمل مع وزارة الصحة، ولكننا نعمل أيضا مع شركاء آخرين، سواء من الأمم المتحدة أو من خارجها.

بصفتنا وكالة فنية، نقدم الخبرة والدعم الفني. نوفر بناء القدرات للاستجابة لتفشي الأمراض، وسوء التغذية، والأمراض غير المعدية، والصحة النفسية، وما إلى ذلك. كما نوفر الأدوية الأساسية المنقذة للحياة والإمدادات الطبية لوزارة الصحة وللشركاء أيضا.

لإعطائكم بعض الأرقام، منذ بداية الحرب في عام 2023، قدمت منظمة الصحة العالمية حوالي 3000 طن متري من الإمدادات الطبية بقيمة حوالي 33.3 مليون دولار إلى 48 شريكا. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأشكر جميع المانحين. كما تم توزيع أكثر من 790 طنا متريا بقيمة تزيد عن 7 ملايين دولار في عام 2025 من خلال عمليات عابرة للحدود – إما من تشاد أو جنوب السودان، أو عبر ميناء بورتسودان نفسه.

لا تنسوا السودان. يجب أن يبقى السودان على رأس أولويات الأجندة الإنسانية العالمية

وبالنظر إلى الاحتياجات الخاصة للبلاد، فإننا نقدم أيضا دعما تشغيليا مباشرا حسب الحاجة. كما تعلمون، لم يتلق العديد من الموظفين رواتبهم لفترة طويلة. كما تحتاج المستشفيات إلى الوقود لأنه لا توجد كهرباء في العديد من الأماكن. لذا، نسعى جاهدين لتقديم هذا الدعم التشغيلي المباشر، من خلال دعم المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية الأولية والوحدات الصحية المتنقلة ومراكز علاج سوء التغذية والمختبرات المتنقلة. والهدف من ذلك هو تحسين حصول السكان على خدمات الرعاية الصحية.

أخبار الأمم المتحدة: وفقا لمنظمة اليونيسف، انخفضت معدلات التطعيم في السودان إلى أدنى مستوى لها منذ 40 عاما، وفوّت آلاف الأطفال جرعات التطعيم. ما خطورة هذا الانخفاض بالنسبة لأطفال السودان؟

د. شبل صهباني: هذا الأمر يثير قلقنا وقلق جميع العاملين في القطاع الصحي هنا، ويرجع ذلك أساسا إلى صعوبة الوصول إلى الخدمات، ونقص الموارد البشرية.

هذا الانخفاض في تغطية تطعيمات الأطفال يعرضهم لخطر أكبر للإصابة بالأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مثل الحصبة والدفتيريا وشلل الأطفال. وهذا هو السبب وراء تفشي هذه الأمراض في البلاد حاليا. تجدر الإشارة أيضا إلى أن سوء التغذية والحالات الصحية الأخرى تجعل الأطفال أقل مناعة، مما يعرض حياتهم ومستقبلهم لخطر جسيم.

© WHO/Omer Tarig

أخبار الأمم المتحدة: ما هي الاحتياجات الأكثر إلحاحا لمنع المزيد من تدهور الأزمة الصحية في السودان؟

د. شبل صهباني: تحدثنا عن الاحتياجات الإنسانية، وهي بالفعل احتياجات ملحة. لكن علينا أن نفكر في السودان كبلد يحتاج إلى التعافي في أسرع وقت ممكن. السودان بلد كبير ذو كثافة سكانية عالية، ولديهم احتياجات فورية. ولكننا نحتاج أيضا إلى تعزيز النظم الصحية.

إذا سمحتم لي أن أرسم صورة عن كيفية رؤيتنا للسودان من حيث الاحتياجات: لدينا الجزء الشرقي من البلاد، والذي ظل مستقرا ولم يتأثر مباشرة بالحرب. ولكن التأثير الرئيسي على الأنظمة، بما فيها النظام الصحي، يرجع إلى التدفق الهائل للنازحين من الولايات الأخرى.

لذا، فقد تسبب ذلك في عبء كبير على المرافق الصحية. لدينا الجزء الثاني، وهو الجزء الغربي – وخاصة كردفان ودارفور – حيث توجد احتياجات ملحة لأن المنطقة تمر بصراع ولا تزال الاشتباكات مستمرة.

الناس يتعرضون للقصف، وهناك مخاوف أمنية خطيرة ومخاوف بشأن الوصول إلى الخدمات. لكن هناك الجزء الأوسط من البلاد، الذي تأثر بشدة بالحرب، ولكنه يمكن الوصول إليه حاليا. أتحدث عن الجزيرة والخرطوم وسنار، وغيرها من المناطق.

وهنا، نحتاج إلى التفكير في خطة للتعافي المبكر. وفي هذا الصدد، نعمل الآن مع الحكومة لتطوير استراتيجية جديدة للتعافي المبكر والتنمية أو استراتيجية لتعزيز القدرة على الصمود.

© UNICEF/Ahmed Mohamdeen Elfatih

والآن، إجابة على سؤالك، تستمر الاحتياجات في التزايد، بينما تتناقص الأموال، مع تغير الأولويات بين الجهات المانحة. لذا، ما نحتاجه هو تمويل أكبر ومستدام، لأنه أمر بالغ الأهمية إذا أردنا الاستجابة بشكل كافٍ للاحتياجات الصحية في السودان. خطة الاحتياجات والاستجابة الإنسانية لعام 2025 ممولة بنسبة 36% فقط، وقطاع الصحة ممول بنسبة 47.7% فقط، ونحن في الشهر الأخير من العام. وبالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، فنحن في نفس النطاق، لم نتلق سوى 40% من التمويل لعام 2025.

لذا، فإن طلبنا الأول من المجتمع الدولي هو الدعم، ومراقبة الوضع في السودان، وتقديم التمويل. أما الطلب الثاني فهو توفير وصول آمن ودون عوائق إلى جميع مناطق السودان. إذا لم يكن لدينا وصول، فلا يمكننا مراقبة الوضع الصحي، ولا يمكننا تنفيذ أنظمة مراقبة الأوبئة، ولا يمكننا الاستجابة لسوء التغذية، ولا يمكننا الاستجابة للاحتياجات الصحية الحادة، بما فيها الاستجابة للأوبئة.

والطلب الثالث هو حماية وسلامة العاملين في مجال الصحة. عندما نرى أن العديد من المرافق والعديد من العاملين في مجال الصحة استُهدفوا عمدا من قبل الأطراف المتحاربة المختلفة فهذا انتهاك واضح للقانون الإنساني الدولي.

أسفرت الهجمات على الرعاية الصحية عن مقتل ما يقرب من ألفي شخص من العاملين في مجال الصحة والمرضى وعائلاتهم

تحققت منظمة الصحة العالمية من أكثر من 200 هجوم، أو تحديدا 201 هجوم، منذ بداية الحرب، مما أسفر عن مقتل 1,858 من العاملين في مجال الصحة والمرضى وعائلاتهم. في عام 2025 وحده، وثّقت منظمة الصحة العالمية 65 هجوما أسفرت عن مقتل 1620 شخصا – أي بزيادة تقارب 700% عن عدد الوفيات في عامي 2023 و2024. ولتقديم مثال أوضح، فإن الوفيات التي حدثت في السودان نتيجة للهجمات على مرافق الرعاية الصحية في عام 2025 تمثل أكثر من 80% من إجمالي الوفيات العالمية التي وثّقتها منظمة الصحة العالمية.

وهذه أرقام مقلقة للغاية. لذلك، أعتقد أن احترام القانون الإنساني الدولي هو أحد مطالبنا الرئيسية. ولكن بالطبع، وقبل كل شيء، ما نحتاجه للسودان هو السلام. فبدون السلام، لا يمكن إعادة بناء أي شيء أو عودة الحياة إلى طبيعتها.

© Avaaz/Giles Clarke

أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، ما الرسالة التي تودّ توجيهها إلى المجتمع الدولي بشأن دعم القطاع الصحي في السودان؟

د. شبل صهباني: أكرر نفس النداء الذي ذكرته للتو: لا تنسوا السودان. مع اقتراب مرور ثلاث سنوات على الصراع، تتزايد الاحتياجات الصحية، ومعها التكلفة البشرية. يجب أن يبقى السودان على رأس أولويات الأجندة الإنسانية العالمية، ويجب تخصيص المزيد من الأموال للاستجابة لاحتياجاته.

لذا، تتلخص طلباتي فيما يلي:

⬅️أولا، توفير الحماية للجميع، للمدنيين والعاملين في المجال الصحي، واحترام القانون الإنساني الدولي.

⬅️ثانيا، ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع المناطق في السودان.

⬅️وثالثا، متابعة الوضع في السودان وتخصيص المزيد من التمويل له، حتى نتمكن من إنقاذ حياة الفئات السكانية الأكثر ضعفًا.

⬅️وأخيرا، السلام، السلام، السلام، لأن هذا ما نحتاجه في السودان.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا