حذر مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، خالد خياري، الاثنين، من تسبب الحرب في السودان في جرّ دول الجوار إلى صراع إقليمي، متحدثاً عن استمرار معاناة المدنيين السودانيين من العنف والدمار جراء الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، منذ إبريل/ نيسان 2023، وذلك في ظل تصاعد القتال في العديد من المناطق بما فيها إقليم كردفان، مما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة وموجات نزوح واسعة النطاق.
وقال خياري خلال إحاطته أمام مجلس الأمن في نيويورك الذي ناقش الوضع في السودان، إنّ “كل يوم يمرّ يأتي معه بمستويات صادمة من العنف والدمار في السودان حيث يعاني المدنيون، بصورة هائلة لا يمكن وصفها، ولا يبدو أنّ هناك نهاية لذلك في الأفق. في الأسابيع الأخيرة، تركز الصراع في منطقة كردفان، حيث حققت قوات الدعم السريع مكاسب إقليمية كبيرة”.
وأشار إلى سيطرة قوات الدعم السريع، منذ بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، على “بابنوسة في غرب كردفان، تلتها في الثامن من ديسمبر سيطرتها على حقل هجليج في جنوب كردفان، وهو حقل نفطي ومحطة معالجة حيوية للنفط الخام في الجنوب السوداني الذي يُضخ إلى بورتسودان للتصدير”. وتحدث خياري عن تقارير “تشير إلى أن أفراد القوات المسلحة السودانية انسحبوا من بابنوسة وهجليج إلى جنوب السودان، وأن القوات الجنوب سودانية دخلت السودان لحماية البنية التحتية النفطية في هجليج”.
ولفت إلى أن هذه التطورات وغيرها “تعكس الطبيعة متزايدة التعقيد للصراع وأبعاده الإقليمية الآخذة بالاتساع”، محذراً من أنه في حال “لم يتم التصدي لهذه التطورات، فقد تُورط دول الجوار السودانية في صراع إقليمي داخل السودان وحوله.” وتطرّق إلى الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة من الطرفين خلال شن هجمات عشوائية، الأمر الذي يؤدي إلى سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين. وتوقف المسؤول الأممي كذلك عند استمرار تدفق الأسلحة دون هوادة فضلاً عن نوعيتها “التي أصبحت أكثر تطوراً وفتكاً كما أنها المحرك الرئيسي للصراع في الوقت الذي تقابل فيه الدعوات لوقف تدفقها بالتجاهل والإفلات من العقاب والمحاسبة”.
وشدد خياري على ضرورة التحرك السريع والمنسق من أجل منع تدهور إضافي للوضع، مشيراً إلى مساعي المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للسودان، رمطان لعمامرة، الذي يحاول التواصل مع الطرفين وحثهما على الانخراط في نقاشات حول اتخاذ تدابير ملموسة وقابلة للتنفيذ للتهدئة وحماية المدنيين في السودان.
وتحدث عن التركيز على حوار شامل بين الأطراف السودانية بقيادة الاتحاد الأفريقي. وعبر عن أمله أن يؤدي ذلك لانتقال سياسي وشامل تحت قيادة مدنية. وأشار خياري إلى أنه من أجل دعم تلك الجهود يعمل مكتب المبعوث الشخصي على إعداد وثيقة توافقية تهدف إلى جمع الرؤى المختلفة التي تطرحها الجهات الفاعلة السياسية والشخصيات البارزة في السودان. وكشف أن التحضيرات الجارية من أجل عقد الاجتماع التشاوري الخامس بغية تعزيز تنسيق مبادرات السلام حيث من المتوقع أن يعقد في القاهرة بداية عام 2026.
من جهتها، قالت مديرة العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إديم وسورنو: “مرت قرابة ألف يوم على هذه الحرب الكارثية، حيث تتواصل آثارها المدمرة على المدنيين في التوسع والتفاقم. ويبدو أن وحشية هذا الصراع لا تعرف حدوداً”، مشيرة إلى أن زيادة العنف والمعاناة والهجمات المستمرة تسببت في سقوط جرحى وقتلى ودمار واسع النطاق كما أدت إلى عرقلة وصول المساعدات الإنسانية وبشكل كبير في عدد من المناطق وعلى رأسها كردفان. وتحدثت عن استمرار الإفلات من العقاب وزيادة العنف والفظائع المرتكبة.
وحذرت وسورنو عن استمرار “وجود مستويات هائلة من الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء دارفور”، مضيفة: “تتواصل الجهود للوصول بأمان إلى الفاشر، مع استمرار المناقشات بشأن نشر فريق لتقييم الوضع الأمني. وما زلنا نتلقى تقارير جديدة عن انتهاكات جسيمة مزعومة للقانون الإنساني الدولي ارتُكبت أثناء وبعد سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، بما في ذلك عمليات القتل الجماعي والعنف الجنسي”.
كذلك أشارت إلى تقرير صادر أخيراً عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والذي يصف “بعض الفظائع التي ارتُكبت ضد المدنيين في المنطقة خلال هجوم قوات الدعم السريع الذي استمر ثلاثة أيام على مخيم زمزم للنازحين في إبريل/ نيسان الماضي، بما في ذلك القتل المتعمد للمدنيين، والعنف الجنسي البشع، بما في ذلك الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، والحصار لمنع دخول الغذاء والماء والإمدادات الأخرى الضرورية للبقاء على قيد الحياة”.
وتوقف المسؤولة الأممية عند الغارة على شاحنة لبرنامج الأغذية العالمي في شمال كردفان في وقت سابق من الشهر، حيث أصيب خلالها سائق الشاحنة بجروح وقالت إنها تظهر جزءاً من المخاطرة الجسيمة التي يتعرض لها العاملون في المجال الإنساني. وشددت وسورنو على ضرورة حمايتهم والسماح بدخول المساعدات وعدم إعاقة الوصول إلى المحتاجين إليها والمدنيين عموماً.
وختمت المسؤولة الأممية بالحديث عن ثلاث نقاط دعت لتطبيقها؛ وأكدت بداية ضرورة أن يتحرّك مجلس الأمن ويوجه رسالة واضحة لا لبس فيها مفادها بأن الهجمات ضد المدنيين كما الهجمات العشوائية والعنف الجنسي والانتهاكات الصارخة لن يتم التسامح معها. وشددت على ضرورة العمل من أجل تأمين وصول العاملين في المجال الإنساني والمنظمات المحلية الشريكة. كما شددت على ضرورة تكثيف الجهود من أجل وقف القتال ووقف تدفق الأسلحة التي تغذي الصراع ودفع الأطراف للتوصل لوقف إطلاق نار شامل ودائم على مستوى جميع البلاد.
في غضون ذلك، قدّم رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس “مبادرة حكومة السودان للسلام”، موضحاً أنها تهدف إلى دعم الجهود الدولية الرامية إلى إنهاء الحرب، وتأتي مكمّلة لخريطة الطريق التي سبق أن قدمتها الحكومة السودانية إلى الأمم المتحدة، وليست بديلة عنها. وأكد أن المبادرة تستند إلى المبادئ الدولية، وتنسجم مع أوجه التكامل القائمة مع المبادرات الأميركية والسعودية والمصرية. وقال إدريس إن السودان يواجه أزمة وجودية بسبب الحرب، مشددًا على أن المبادرة تقدم إطارًا وصفه بـ”الغني والواقعي والقابل للتطبيق والشامل”، يهدف إلى حماية المدنيين من الفظائع المرتكبة، واستعادة الدولة لسلطتها ومسؤولياتها، وفتح الباب أمام المصالحة الوطنية. وأكد أن المبادرة “نابعة من الداخل وليست مفروضة”، ولا تتعلق بكسب الحرب، بل بإنهاء حلقة العنف التي يعاني منها السودان منذ عقود.
المصدر:
الراكوبة