آخر الأخبار

عبدالقادر سالم... أغنية سودانية تنأى عن عويل الحرب

شارك

تجاوز عدد أعماله الغنائية المسجلة في الإذاعة السودانية الـ40 عملاً، إضافة إلى الأغنيات المصورة التي ركز في معظمها على مناطق غرب السودان وارتبطت بالوجدان الشعبي، ومن أشهرها “مقتول هواك يا كردفان” و”عمري ما بنسى” و”جافاني” و”بسامة” و”المريود”.

تزايد نزف المبدعين السودانيين برحيل الفنان عبدالقادر سالم صباح اليوم الثلاثاء في مدينة أم درمان عن عمر يناهز 79 سنة إثر معاناته من المرض، بعدما أسهم في تشكيل الوجدان السوداني بأعماله التي وثقت الموسيقى السودانية وتراثها الثقافي، مقدماً إياها إلى الجمهور المحلي والدولي بأسلوب مبتكر، فضلاً عن مشاركته بفاعلية في تأكيد وجود مساق غنائي له قيمته القصوى في إطار الاعتراف بالتعدد في السودان.

وازن سالم بين التراث والمعاصرة بصورة لم يسبقه إليها أحد، فهو والموسيقار السوداني الراحل عبدالكريم الكابلي من أكثر الذين عالجوا الأعمال التراثية بخلفيات موسيقية نقلتهما إلى دائرة الاستماع القومي العريضة، وربما يتجاوز الكابلي في أنه مزج عبر تجربته بين موسيقى كردفان ودارفور والوسط، بينما ركز الكابلي دائرة تجديده للتراث على منطقة الوسط.

ويعد سالم أحد أبرز الفنانين السودانيين الذين ربطوا بين الموسيقى والغناء، ولا تخفى إسهاماته الأكاديمية من خلال معهد إعداد معلمي التربية في ولاية الخرطوم وإدارة المناشط التربوية في وزارة التربية والتعليم.

صوت الإنسانية

ظل عبدالقادر سالم مهموماً بالتحديث والإنسان والوطن، وجعل مشروعه الفني متسقاً مع متطلبات الحريات ومعبراً عن السلام والأرض والتراث السوداني، بخاصة إيقاعات غرب السودان، وبرع في التأليف والتجديد الموسيقى، وكذلك شكل إضافات مهمة للموسيقى السودانية في بعدها المختلف عن الخماسي منذ الستينيات.

تجاوز عدد أعماله الغنائية المسجلة في الإذاعة السودانية الـ40 عملاً، إضافة إلى الأغنيات المصورة التي ركز في معظمها على مناطق غرب السودان وارتبطت بالوجدان الشعبي، ومن أشهرها “مقتول هواك يا كردفان” و”عمري ما بنسى” و”جافاني” و”بسامة” و”المريود”.

وبعد انتشار نبأ وفاته ساد الحزن على رحيله وسائل التواصل الاجتماعي في السودان، وتبادل الكتاب والمثقفون ومحبوه التعازي في ما بينهم وذكر مآثره.

ونعى رئيس وأعضاء مجلس السيادة في السودان الفنان الفقيد ضمن بيان، مؤكدين أنه كان “رائداً من رواد الأغنية السودانية، ومن أبرز أعمدة الموسيقى في البلاد، فضلاً عن شغفه الكبير بالتراث السوداني، بعد أن صال وجال في مختلف دول العالم للتعريف به، ولا سيما التراث الكردفاني الأصيل، وتشهد له المسارح ودور الفنون بمثابرته واجتهاده في البحث الأكاديمي المرتبط بالموسيقى والتراث، وترك إرثاً فنياً وثقافياً خالداً سيظل مرجعاً للأجيال المقبلة”.

التعريف بالتراث

وقال رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير “رحل إلى دار البقاء أحد رموز الإبداع في بلادنا الذي غنى للمحبة والسلام، وكان من صناع الفرح”، مضيفاً أنه “أسهم بفنه في الوصل بين مكونات الشعب السوداني والتعريف بالتراث الكردفاني داخلياً وخارجياً، سيبقى بيننا وبعدنا بإرثه الإبداعي الخالد”.

ونعاه الشاعر والناقد حامد بخيت الشريف، قائلاً “برحيل عبدالقادر سالم انكسرت آخر مرايا اللحن التي كانت تعكس المحنة والعشم بالاخضرار في الفيافي، وجفت آخر الينابيع التي تنهل منها سواقي النغم التي روت وجدان الشعب السوداني من أقصى كردفان إلى سهول البطانة وأشجار إنزارا ووديان دارفور وأحزان حلفا المهجرة”.

وأضاف “كأنها سكتة الجراري والدرملي والمردوم والكمبلا حين يباغتها النعاس في هجعة الليل، أو كأنها نخلة من نخلات مروي القديمة آثرت أن تميل في صمت مهيب، لتترك في حلوقنا غصة لا تزيلها محاولاتنا ولا معافرتنا للصبر”.

وتابع “رحل سالم مؤرخ اللحون، وحارس الجمال، حمل كردفان في حقيبة صوته، وطاف بها عواصم الدنيا، مبرزاً وجهها الأنضر، ومعيداً للتراب كرامته الموسيقية، وكان صوته نسمة شمالية في هجير الغربة، وكان دعاشاً ومطراً استوائياً يبلل ريق المدن الأسمنتية الجافة، رحل صاحب ’الليمون‘ و’جيناكي زي وزين‘، وترك خلفه فراغاً لا يملؤه إلا الصدى”.

وأردف “علم عبدالقادر سالم السودانيين أن التصالح بين الأكاديمية بصرامتها، وبين الفلكلور بعفويته ممكناً، فكان جسراً ممدوداً يصل خريطة الجمال السوداني من أقصاه إلى أقصاه”.

وختم “أعزي فيك كل مزارع وتربال مشى خلف الجراية أو المحراث وهو يدندن بألحانك، وكل راعٍ ضاعت أغنامه وهجت إبله بينما هو سارح يمتع أذنيه بوهج صوتك، فقد كنت سودانياً بحق وفناناً بكمال الفن، وإنساناً لم تبدله قسوة الأيام”.

مشوار حافل

ترجع أصول عبدالقادر سالم إلى مدينة الدلنج في ولاية جنوب كردفان، وبين وديان الإقليم وربوعه شرب فن البادية النقي وتعلم الغناء.

تلقى سالم مراحل تعليمه الأولية والمتوسطة في مدينة الدلنج، والتحق بالمعهد العالي للموسيقى والمسرح، وحصل على درجة البكالوريوس، واستكمل الدراسات العليا في جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، ونال درجة الماجستير عام 2002 عن أطروحته حول “الغناء والموسيقى لدى قبيلة الهبانية بجنوب كردفان”، ثم حاز الدكتوراه عام 2005 عن بحثه حول “الأنماط الغنائية في إقليم كردفان ودور المؤثرات البيئية في تشكيلها”.

عمل أستاذاً في معهد إعداد معلمي التربية بولاية الخرطوم وإدارة المناشط التربوية بوزارة التربية والتعليم، وموجهاً تربوياً بريفي مدينة أم درمان عام 1990، وكذلك تخللت فترات عمله الانتداب لكلية الفنون والموسيقى والدراما في الفترة من عام 1970 إلى عام 1974، تم ابتعث للعمل بالعاصمة التشادية أنجمينا في الفترة ما بين أعوام 1984 و1989، وعُين مديراً لمدرسة الصداقة السودانية- التشادية، وخلال فترته هناك أسهم في تكوين اتحاد الفنانين بتشاد وتدريبهم، فضلاً عن توفير بعض الآلات الموسيقية، وأخيراً انتدب لمجلس الصداقة الشعبية العالمية في الفترة ما بين أعوام 1992 و2006، وعمل مقرراً للدائرة الأفريقية، وبعد إحالته إلى المعاش عمل بالمشاهرة في كلية التربية بجامعة الخرطوم أستاذاً مساعداً. وكان باحثاً متخصصاً في التراث الموسيقي السوداني، وقدم كثيراً من المحاضرات والندوات والأوراق العلمية حول التراث الغنائي.

مشاركات وجوائز

شارك عبدالقادر سالم في مهرجانات دولية عدة، من بينها مهرجان Les Cales بفرنسا عام 2003، ومهرجان السلام ببرشلونة في إسبانيا عام 2004، وكذلك مهرجانات في لندن والسويد، وأسبوع السودان بسويسرا، فضلاً عن مشاركات في أكثر من 25 دولة أفريقية وعربية.

نال وسام العلوم والآداب الفضي عام 1976، وجائزة الدولة التشجيعية عام 1983، وعلى مستوى العمل النقابي ظل قيادياً في كل دورات اتحاد الفنانين منذ عام 1975، إذ شغل منصب السكرتير الثقافي والأمين العام لثلاث مرات وأصبح رئيساً للاتحاد لدورتين.

الإسهامات الكبيرة التي قدمها عبدالقادر سالم في حقل التعليم، وعلى مستوى التجديد الموسيقي والمشاركات الخارجية لرفع اسم السودان فنياً، والعمل النقابي، جعلت له حضوراً مميزاً لأكثر من نصف قرن في المشهد الفني، لذلك حظي بهذا التقدير الكبير وسط زملائه ومعجبيه داخل البلاد وخارجها.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا