الراكوبة: رشا حسن
أسدل الستار على رحلة أحد أبرز رموز الغناء السوداني، بوفاة الفنان والموسيقار الدكتور عبد القادر سالم بعد صراع مع المرض، ليغيب صوتٌ شكّل وجدان أجيال، وحمل الأغنية الكردفانية إلى فضاءات السودان والعالم. برحيله، يفقد المشهد الفني قامةً إبداعية جمعت بين الفن والمعرفة، وبين الأداء الغنائي والبحث الأكاديمي.
وُلد عبد القادر سالم بمدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان عام 1946م، وكان أول مطرب سوداني ينال درجة الدكتوراه في الموسيقى. شارك في محافل علمية وثقافية داخل السودان وخارجه، وقدم أوراقًا بحثية حول تاريخ الموسيقى العربية والموسيقى الشعبية الكردفانية، كما سجل حضورًا فنيًا واسعًا في أوروبا منذ العام 1984م، مشاركًا في مهرجانات غنائية بعدد من الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
وحصد الراحل خلال مسيرته عددًا من الأوسمة والجوائز، أبرزها وسام العلوم والآداب الفضي عام 1976م، وجائزة الدولة التشجيعية عام 1983م، ليظل اسمه علامةً فارقة في تاريخ الموسيقى والغناء السوداني.
في السياق يقول المحلل الثقافي هيثم الطيب إن الدكتور عبد القادر سالم يُعدّ واحدًا من الاتجاهات المضيئة في الحركة الثقافية الشعبية السودانية، بين الناس المدرّس والأستاذ الجامعي. وفي مسيرته عمل على مسارين: مسار الأغنية الكردفانية بخصوصية فكرتها ورؤيتها ولحنها وصوتها، ومسار الأغنية السودانية بشمولية قولها ولحنها وفعلها. وهي سنوات كثيرة كانت خطواته خلالها موضوعية، قدّم فيها المفترض من الأغنيات التراثية في زمانها للسودانيين وللعالم كله.
وأوضح الطيب في حديثه لـ«الراكوبة» أن كلمة سفير الأغنية الكردفانية تمثّل القيمة الحقيقية له، لأنه قدّمها بذاتها الكاملة، وبقيمة لحنٍ مختلف يشكّل جزءًا من التنوع اللحني السوداني، والذي أصبح لاحقًا مرجعيةً تحرّكت عليها كثير من الألحان السودانية. ولعل جزءًا من فشلنا التوثيقي أننا لم نكتب كل ما فعله من أجل إخراج الأغنية السودانية إلى العالمية بذاتها التراثية، ليضع توصيفًا جديدًا للأغنية السودانية في أوروبا الشرقية والغربية.
وأضاف أن ذلك لا ينفصل عن دخوله إفريقيا، حيث ربط اللحن الممتد من كردفان إلى جهات إفريقيا شرقها ووسطها وغربها، وتأثيراتٍ أضاف لها وأخذ منها. وهنا لم نبحث هذه الجزئية المتعلقة بامتداد أغنياته وألحانه، لأنها تراثية بالضرورة، والتركيز فيها يكون على لحنها، الذي وضعه بنسبة كبيرة وعريضة وناجحة في الأغنية السودانية. إلى جانب مساهماته الواثقة داخليًا وخارجيًا، تُضاف قيمة معرفية عبر عمله أستاذًا جامعيًا هنا وهناك، من خلال المباحث والقراءات الأكاديمية المختلفة لمسيرة الغناء في بلادنا، ثم نقابيًا حقيقيًا في اتحاد الغناء والموسيقى السوداني.
وختم بالقول إن قيمته كمثقفٍ يعرف رؤية الفن في التنمية والحياة، وترسيخ بناء إنساني واجتماعي بين المجتمعات السودانية، تجعل من مسيرته مسيرةً بنّاءة وحقيقية في تاريخ الأغنية السودانية.
المصدر:
الراكوبة