آخر الأخبار

حرب تضليل موازية يمارسها طرفا حرب السودان

شارك

ملخص

هذا الواقع المعقد جعل المؤسسات الإعلامية أمام تحد صعب من أجل الحصول على محتوى مهني بعيداً من الروايات المضللة في وقت تتصاعد الحرب النفسية كأداة تأثير لا تقل أهمية عن السلاح، ليصبح البحث عن الحقيقة مهمة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

منذ اندلاع حرب السودان بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في 15 أبريل (نيسان) عام 2023، تحولت المعلومات إلى جبهة قتال موازية تتنافس فيها روايات الطرفين في ظل صعوبة الوصول إلى حقيقة ما يدور في ساحات المعركة، فضلاً عن انقطاع الاتصالات في مناطق النزاع.

فتح هذا الأمر الباب أمام موجات تضليل واسعة تتصدرها حسابات منظمة وصفحات دعم تعيد تدوير مقاطع قديمة وبيانات غير قابلة للتحقق، في وقت تتراجع قدرة غرف الأخبار على التثبت من التفاصيل.

هذا الواقع المعقد جعل المؤسسات الإعلامية أمام تحد صعب من أجل الحصول على محتوى مهني بعيداً من الروايات المضللة في وقت تتصاعد فيها الحرب النفسية كأداة تأثير لا تقل أهمية عن السلاح، ليصبح البحث عن الحقيقة مهمة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.

صعوبة التحقق

الصحافي السوداني خالد فتحي علق على هذا المشهد بقوله، “انقطاع الاتصالات والإنترنت في مناطق النزاع في البلاد يعد من أكبر التحديات التي تواجه الصحافيين، لأنه يجعل عملية التحقق من المعلومات شديدة الصعوبة، فما حدث في الفاشر عقب اجتياحها من قبل الدعم السريع مثال واضح، إذ إن المدينة كانت محاصرة لدرجة شبهها البعض بحصار العصور الوسطى، فلا اتصال أرضياً ولا إنترنت، مما جعل الوصول إلى أي معلومة من داخل المدينة شبه مستحيل”، وأوضح فتحي أنه “في ظل هذا الانقطاع يصبح الصحافيون عاجزين عن الوصول إلى المصادر الرسمية أو المستقلة، ويضطرون إلى لاعتماد بصورة أكبر على ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي من فيديوهات وصور. وهذا في حد ذاته خطر، لأن منصات التواصل يمكن أن تكون مطية لأغراض غير حقيقية، ومقاطع الفيديو قد تكون مفبركة أو قديمة أو خضعت لمعالجات تقنية، بما في ذلك تقنيات الذكاء الاصطناعي”، وتابع “أثناء عملي على تقرير حول متحف السلطان علي دينار ب الفاشر ، تواصلت مع مسؤولين بالهيئة العامة للآثار والمتاحف، الذين أكدوا أن ليس لديهم أي معلومات موثقة عما يجري داخل المدينة، باستثناء الفيديوهات والمقاطع المتداولة على وسائل التواصل، وهذه مسألة في غاية من الخطورة لأنك تعتمد على مصادر غير رسمية، بالتالي تكون عملية التحقق أبطأ بكثير، فالمعلومة التي قد تحسم في الظروف العادية خلال ثوان أو دقائق، قد تستغرق ساعات وربما أياماً للتأكد منها خلال الحرب “.

أضاف الصحافي السوداني، “هذا الوضع يفرض على الصحافيين تغيير أساليب التحقق، بالاعتماد على تعدد المصادر وتطابقها، وتحليل الصور للتأكد ما إذا كانت حديثة أو قديمة، وحقيقية أو معدلة، فضلاً عن التثبت من مكان التقاطها، لذلك من الضرورة استخدام عبارات ترجيحية لتجنب الانحياز غير المقصود لأي طرف أو تبني رواية غير مؤكدة”، وأكد أن “انقطاع الاتصالات وتضارب الروايات لا يعوقان فقط الوصول إلى المعلومة، بل يدفعان باتجاه زيادة انتشار التضليل، مما يجعل دور الصحافي أكثر صعوبة ويتطلب قدراً أعلى من المهنية والحذر”، ولفت إلى أنه من “الإشكالات المعقدة خلال الحرب السودانية انحياز المصادر سواء كانت رسمية أو غير رسمية، محلية أو إقليمية أو دولية إلى أحد أطراف الصراع. فهذا الانحياز يجعل الروايات الصادرة عن الجهات المختلفة متناقضة حول الحدث نفسه، سواء تعلق الأمر بعدد الضحايا، أو حجم الدمار، أو طبيعة الانتهاكات، فبينما تعمد جهة ما إلى تضخيم واقعة معينة، تحاول الجهة الأخرى التقليل من شأنها أو إنكارها بالكامل”، وبين الصحافي السوداني أن “الحفاظ على المهنية وسط ضغط الدعاية والحرب النفسية يتطلب تمسكاً صارماً بمبادئ الصحافة الأساسية كالدقة، والتحقق، والنزاهة، وعدم الانحياز، بيد أن الوعي باستراتيجيات الأطراف المتحاربة يساعد الصحافيين على عدم الوقوع ضحية الروايات الناقصة أو القصص المضللة، لأن حرب الروايات نفسها جزء من الصراع، وليست مجرد انعكاس له”.

سلاح مكشوف

في السياق قال الكاتب والصحافي السوداني عثمان ميرغني، “في الواقع، يفترض بالصحافي أن يكون متعدد المواقع في سياق العمل العام، وغالباً في موقع الراوي، لكن أحياناً يكون في موقع فاعل الحدث، وفي أحيان أخرى هو داعم أو حامل فكرة بأبعاد متنوعة. وبمثل هذا التعريف يمكن أن يضع نفسه حيث يشاء من دون أن يتأثر بحرب الروايات، فقد يكون هو صانع الروايات أو في محل دحضها أو مسوقها”، وتابع ميرغني، “التضليل بصورة عامة شائع بقدر كبير، وأكثر أنواع صناعة التضليل رداءة مما تمارسه المؤسسات الرسمية وأحياناً يكون باسم الدولة، والمطلوب هنا اتباع درجة عالية من الهمة لكشفه وإفساده ومنعه من تحقيق أهدافه، والكتائب الإلكترونية أصبحت سلاحاً مكشوفاً من مختلف الجهات لذلك قل تأثيره”.

التزام صارم

من جانبه أوضح المتخصص في تدقيق المعلومات ومكافحة التضليل الإعلامي محمد المختار، أن “الحفاظ على المهنية والدقة في ظروف الحرب يتطلب التزاماً صارماً بالقواعد الأخلاقية للصحافة، بخاصة في أوقات الأزمات والكوارث، إذ يجب أن يكون الصحافي مستعداً لمواجهة الأخطار الجسدية والنفسية، وفوضى المعلومات، وانتشار التضليل والدعاية الحربية والسياسية، مع امتلاك تدريب خاص على التغطية الصحافية في أوقات النزاع”، وتابع المختار “تجنب الانحياز أثناء تغطية الصراعات المسلحة يتطلب تبني استراتيجيات عملية تتمثل في فصل الحقائق عن الروايات الدعائية، وتطبيق معايير التحقق الصارمة، وضمان تمثيل الأصوات المعنية بطريقة متوازنة مع الانتباه لحساسية اللغة المستخدمة”، وواصل “التمييز بين كون الصحافي ناقلاً الرواية أو فاضحاً للتضليل أو صانعاً للروايات يتطلب وعياً مستمراً، مع تجنب الوقوع في فخ أن يكون مجرد ناقل سلبي للمعلومات المضللة”، لافتاً إلى أن “الضغوط النفسية تؤثر بصورة كبيرة على قدرة الصحافي على التحقق والنشر بصورة مستقلة، لأن المهنة تحتاج إلى تركيز عال وحضور ذهني، بعيداً من الانفعال العاطفي أو الاستجابة لخطاب الكراهية، إذ إن أي قرار تحريري غير مدروس قد يؤثر في المادة الصحافية وصدقية الصحافي نفسه”، وأوضح أن “تقييم صدقية المعلومات قبل النشر في بيئة مليئة بالإشاعات يتطلب اتباع منهجية صارمة، مع التدريب المستمر على اتخاذ قرارات النشر بسرعة مع الحفاظ على التحقق العميق، واعتماد تعدد المصادر لضمان الصدقية”، ومضى المتخصص في تدقيق المعلومات ومكافحة التضليل الإعلامي في القول “هناك أدوات وتقنيات محددة تساعد حفاظ الصحافيين على نزاهتهم أثناء تغطية حرب الروايات، مثل أدوات التحقق من المعلومات، والبحث العكسي، واستخبارات المصادر المفتوحة، واستخدام الذكاء الاصطناعي مع التدخل البشري للتحقق من النتائج، لكن العامل الأهم يبقى المنهجية المهنية الصارمة التي تضع الصحافي على عتبة عالية من الصدقية والنزاهة”.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا