آخر الأخبار

الاغتصاب وجرائم العنف الجنسي في حرب السودان … وغياب العدالة

شارك

مداميك: ندى رمضان

سلطت تقارير أممية الضوء على زيادة مقلقة في جرائم العنف الجنسي في السودان، ونبّهت إلى أنها عكست تحوّلاً كبيراً في أساليب الحرب المستعرة الآن، وأكدت أن العنف الجنسي لم يعد مجرد حادث عرضي أو تصرفات فردية، بل أصبح جزءاً من استراتيجية متعمدة لتدمير المجتمعات وتهديد استقرارها. هذا الواقع يعكس بشكل قاسٍ كيف أن النساء في مناطق النزاع هن الأكثر تضرراً، في ظل عواقب اجتماعية وإنسانية طويلة المدى.

أوضاع مأساوية

وتتفاقم المعاناة الإنسانية بالسودان بسبب تصاعد المواجهات بعدة جبهات ضمن حرب دامية مستمرة بين الجيش و”قوات الدعم السريع” منذ أبريل 2023، ما أدى إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد حوالي 13 مليون شخص.
وتسيطر “قوات الدعم السريع” حالياً على جميع ولايات إقليم دارفور الخمس غرباً، عدا بعض الأجزاء الشمالية من ولاية شمال دارفور التي لا تزال في قبضة الجيش، الذي يسيطر على معظم مناطق الولايات الـ13 المتبقية في الجنوب والشمال والشرق والوسط، بينها العاصمة الخرطوم.

جرائم موثقة

ووثقت شبكة أطباء السودان—استناداً إلى معلومات طبية وميدانية—32 حالة اغتصاب خلال أسبوع لفتيات من مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور وصلن إلى منطقة طويلة.
وأوضحت الشبكة في بيان أن بعض الاعتداءات وقعت داخل الفاشر عقب اجتياح قوات الدعم السريع للمدينة، بينما تعرضت فتيات أخريات للاغتصاب أثناء فرارهن باتجاه طويلة.

وأدانت الشبكة عمليات الاغتصاب التي قالت إن عناصر من قوات الدعم السريع ارتكبوها بحق نساء في مدينة الفاشر والفارّات من الحرب. وأضافت أن “هذه الانتهاكات تمثل خرقاً جسيماً للقانون الدولي الإنساني وترتقي إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية”.
وأفادت الشبكة بأن الانتهاكات تعكس “مستوى الانفلات والانتهاكات الممنهجة” التي تواجهها النساء والفتيات في مناطق سيطرة الدعم السريع، الذي يتحمل المسؤولية الكاملة عن هذه الجرائم. ودعت إلى فتح تحقيق دولي عاجل ومستقل وتأمين الحماية للناجيات والشهود، وتقديم العلاج والدعم النفسي والقانوني للضحايا دون أي قيود أو تهديد.

تقييد دعاوى

وفي غضون ذلك أكدت النائب العام بسلطة الأمر الواقع انتصار عبد العال أن نازحي الفاشر بالولاية الشمالية قيدوا (1365) دعوى ضد مليشيا الدعم السريع.
وقالت في تصريحات صحفية خلال زيارتها مخيم العفاض لنازحي دارفور بمدينة الدبة بالولاية الشمالية:
“إن البلاغات المدونة تتعلق بالقتل والجراح والاغتصاب ونهب الأموال، فضلاً عن دعوى جديدة تتعلق بتدمير البنية التحتية”.
وأضافت: “إن فريقاً من النيابة العامة بدأ التحقيقات وتلقي البلاغات من نازحي الفاشر بالمخيم”.

وباشرت فرق من النيابة العامة أمس الأول التحقيقات وتلقي البلاغات من نازحي الفاشر بمخيم العفاض شرقي مدينة الدبة، وذلك بشأن الانتهاكات والجرائم المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.
وقالت النائب العام: “إن الفريق سيظل مقيماً بالمخيم للتحري بشأن الانتهاكات والجرائم المرتكبة من قبل قوات الدعم السريع”.
وشددت على عدم الحاجة لأي جهة أخرى تساندهم في التحقيق بشأن الانتهاكات الأخيرة، وتابعت قائلة: “مؤسساتنا قادرة على النظر والتحقيق في أي قضايا ومعاقبة كل متفلت حتى لا يفلت أحد من العقاب”.

جدير بالذكر أن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرر في 14 نوفمبر الجاري تشكيل بعثة تقصي حقائق دولية حول الانتهاكات والجرائم التي طالت المدنيين بمدينة الفاشر، وذلك عقب إدانته تصاعد أعمال العنف في المدينة ومحيطها بعد سيطرة قوات الدعم السريع على المدينة.
لكن حكومة الأمر الواقع تحفظت على القرار مباشرة، وقال وزير العدل عبد الله درف إن حكومته ترفض بشكل قاطع إحالة التحقيق في الجرائم المنسوبة إلى قوات الدعم السريع في الفاشر إلى لجنة تقصّي الحقائق، وشدد على تمسكها بإدارة الملف عبر الأجهزة العدلية السودانية، معتبراً أي محاولة لنقل التحقيق خارج المؤسسات الوطنية تدخلاً في الشؤون الداخلية. وقال إن حكومته تمتلك القدرة والجاهزية لإجراء تحقيقات مستقلة وشفافة بشأن الانتهاكات.

جرائم ممنهجة

نددت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بـ”الجرائم الممنهجة” لقوات الدعم السريع، مؤكدة أن الاغتصاب “يجري عمداً وبشكل منهجي”.
كذلك أعرب مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، في سياق تحقيقاته، عن قلقه البالغ من الجرائم التي تم ارتكابها في مدينة الفاشر، والتي تُعد ضمن الجرائم المنصوص عليها في نظام روما الأساسي.
وحث مكتب المدعي العام جميع الجهات والأفراد على تقديم المعلومات والأدلة المتعلقة بهذه الأحداث، في خطوة تهدف إلى تعزيز التحقيقات وضمان محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، مؤكداً أن التعاون الدولي أساسي لتحقيق العدالة ومنع إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب.

تسييس القضاء

وحول فرص تحقيق العدالة، قال الحقوقي والمحامي الصادق علي حسن في تصريح لـ(مداميك):
لا تتوفر فرص حقيقة لتحقيق العدالة بصورة عامة بالنسبة لجرائم الحرب المرتكبة منذ 15 أبريل 2023 وحتى الآن.
وأوضح أن الأجهزة العدلية في مناطق سيطرة الجيش—خاصة النيابة العامة—تم تسييسها، وليست هناك تحقيقات جادة بشأن الجرائم التي ترتكبها العناصر المقاتلة ضمن تحالف بورتسودان، وكذلك بالنسبة للجرائم في مناطق سيطرة الدعم السريع وحلفائه.

وأضاف أن الأجهزة العدلية في مناطق سيطرة الجيش قد لا تكون قادرة أو راغبة في منع إفلات مرتكبي الجرائم المرتبطة بالعناصر المقاتلة، بينما لا يوجد أصلاً نظام عدلي أو قضائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الدعم السريع. وفي الحالتين النتيجة هي الإفلات من العقاب.

وأشار إلى أن السبيل لمنع الإفلات من العقاب قد يكون قيام الضحايا بحفظ البينات المتوفرة، واللجوء إلى الدول التي تعمل بنظام الولاية القضائية العالمية مثل بلجيكا ولوكسمبورغ.
لكنه نبّه إلى تحديات تواجه وصول الناجيات للعدالة، أبرزها الحفاظ على “البينة” لتكون منتجة قانوناً، إضافة إلى صعوبة التبليغ الفوري وظروف التحري الجنائي وإجراءات المحاكمة.

وتخوّف الصادق من طمس الجرائم، قائلاً: في حرب دارفور 2003 تعمّد نظام البشير طمس الجرائم مما أثّر كثيراً في البلاغات، والآن هناك تحديات مشابهة لطمس البينات من طرفي الحرب وشركائهم.

معايير صارمة

من جهته، أكد المحامي معز حضرة أن المحكمة الجنائية الدولية محكومة بإطار قرار مجلس الأمن 1593، مما يحد اختصاصها في السودان على جرائم دارفور فقط.
وأوضح أن انهيار مؤسسات العدالة مستمر منذ 30 يونيو 1989، وأن اختصاص المحكمة تكميلي، ويأتي فقط عندما تفشل مؤسسات العدالة الوطنية أو لا تكون راغبة أو قادرة على الملاحقة.

وأكد أن الإفلات من العقاب يظهر أساساً عندما تكون أجهزة العدالة الوطنية غير راغبة أو غير قادرة على متابعة الجرائم الممنهجة، وأن المحكمة تقتصر على محاكمة الأشخاص لا الدولة.
وأشار إلى إمكانية محاكمة مرتكبي الجرائم في بعض الدول عند دخولهم أراضيها، وفق مبدأ الولاية القضائية العالمية.

كما أكد أن الوضع في الفاشر يعكس تكرار الانتهاكات وتحولها إلى منهج مستمر يشمل جميع أطراف الحرب، ما يجعلها قابلة للتصنيف كجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وشدد على أن معايير الإثبات يجب أن تكون صارمة، وأن البيانات يجب أن تتجاوز مرحلة الشك المعقول، لأن مرحلة ما قبل المحاكمة تعتمد بالكامل على دقة المعلومات المجمعة. وعندما تظهر الانتهاكات متكررة وبشكل منهجي تصبح جرائم واضحة تستوجب المحاكمة.

مداميك

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا