آخر الأخبار

ليمياء شمَّت تُلَملِمُ شملَ المبدعينَ وتُرسِلُ ضوءاً ساطعاً في سماءِ الشَّارقة

شارك

محمَّد خلف

ظلَّت شعلةً متَّقدةً طيلة أيَّام التَّحضير لندوة النَّادي العربيِّ بالشَّارقة وخلالها، وما انبثق بعدها من ندواتٍ بالنَّادي السُّوداني، وأثناء التَّحضير لبرنامج “أماسي” التِّلفزيوني، وعند تقديم ندوة تدشين أعمال الطَّيِّب صالح الَّتي عقدتها مجموعة “كلمات” في اليوم الأوَّل لمعرض الكتاب، وإدارة ندوة تدشين الأعمال الكاملة للأستاذ الكبير جمال محمَّد أحمد، تحت إشراف “معهد إفريقيا” بالشَّارقة، الَّذي أصبح الآنَ جامعةً للدِّراساتِ العالميَّة؛ وقد فاجأتنا الدُّكتورة ليمياء شمَّت بحيويَّتِها وانتمائها الأصيل للحركةِ الثَّقافيَّة، ومعرفتِها الضَّاربةِ الجذور بالكتاباتِ السَّودانيَّة، وقدرتِها المدهِشة على تشبيكِ كلِّ ذلك بالأوساطِ الثَّقافيِّة بإمارةِ الشَّارقة والمنطقةِ العربيَّة على وجهِ العموم.

وفوق كلِّ ذلك، كانت ليمياءُ صوتاً نسائيَّاً هادئاً، وقادراً في ذاتِ الآن على توصيل أفكارِها بسلاسةٍ وحُسنِ استقبال. وقد شهِدَ لها عددٌ من الكُتَّاب الحاضرين لفعاليَّات المعرض بحُسنِ الأداء، كما أشاد أيضاً منظِّمو المعرض والجالسون خلف الكواليس بقُدرتِها الفذَّة وحضورِها المُضيء في المنابر الثَّقافيَّة المتعدِّدة. والأملُ معقودٌ في أن تُصبِحَ ليمياءُ محوراً مركزيَّاً للمِّ الشَّتاتِ في مدنِ المهاجرِ قاطبةً، لتأهيلِها الأكاديميِّ الرَّفيع، ولدماثةِ خُلقِها، ولِما تُحيطُ الآخرين به من محبَّةٍ واحترامٍ وتفهُّمٍ لتعدُّدِ الآراء واختلافاتِ وجهاتِ النَّظر في مختلفِ القضايا (وربَّما من أجلِ هذه الصِّفاتِ النَّادرة، قد نحتاجُ لمزيدٍ من الأصواتِ النِّسائيَّة المتميِّزة في حقلِنا الثَّقافيِّ الموسوم بذكوريَّتِه الطَّاغية).

لا يقفُ نشاط ليمياء شمَّت عند حدود المنابر الثَّقافيَّة، بل يتعدَّاها إلى غيرِها؛ فبالإضافة إلى مهنة التَّدريس بالجامعة وتربية الأطفال ورعاية كبار السِّنِّ بالمنزل، تحتفظُ الدُّكتورة بعلاقاتٍ مُنتِجة مع عددٍ من الشُّعراء والفنَّانين بالإمارات؛ وقد فاجأتنا، بالتَّنسيق مع آخرين، بتنظيمِ جلسةٍ مسائيَّة محضورة للاحتفاء بتجربة الشَّاعر والمترجم سيدأحمد علي بلال، حيثُ تُليَ فيها جانبٌ من سيرته، بحضور عمِّه وصديقِه الحميم الأستاذ كمال عبد الله بلال الَّذي قَدِمَ خصِّيصاً من الرِّياض لتغطية سيرته في قرية “حزيمة”، بعد أن قدَّم لنا الشَّاعرُ بنفسِه طائفةً من سيرته في مدينة بورتسودان في كتابٍ صدر مؤخَّراً تحت عنوان: “ص.ب. 30: عنابر ديم التِّجاني”، الَّذي تمَّ عرضُه في معرض الشَّارقة من قِبَل “دار المصوَّرات”، كما قامت “دارُ المدى” بعرضِ الطَّبعةِ الخامسة من كتابِه المُترجَم من اللُّغةِ اليونانيَّة بعنوان “تصوُّف”، لمؤلِّفه نيكوس كزانتزاكس، الشَّهير بتأليفِه لرواية “زوربا اليوناني”.

بدأت ليمياءُ رحلتَها من المدرسةِ الثَّانوية، وظهرت ملامحُها بشكلٍ أوضحَ خلال الجامعة، وما بعدها. وتَواصَلَ خلال ذلك نشاطُها بالكتابةِ والتَّحريرِ والتَّرجمة، والمشاركة في النَّدوات والورش والمؤتمرات. إضافةً إلى كلِّ ذلك، تشتغلُ ليمياءُ في مجال النَّقد الأدبيِّ وتهتمُّ خاصَّةً بترجمةِ موضوعاتٍ منتقاةٍ بعناية من إنتاج مختلف الكتَّاب السُّودانيِّين؛ وقدِ اهتمَّت أوَّلاً بكتابات الرِّوائيِّ والقاص بشرى الفاضل، حيثُ تناولت أهمَّ خصائصها الأسلوبيَّة، من تجريبٍ لغويٍّ وخلخلةٍ سرديَّة ومفارقاتٍ ساخرة، هذا علاوةً على الفنتازيا والتًّفلسُّف والتَّهكُّم. وقد أسعدنا ترجمتها من اللُّغة الإنكليزيَّة وإليها لعددٍ من مقالاتنا الَّتي كُتِبت باللُّغتَيْنٍ العربيَّة والإنكليزيَّة، وقد ضُمِّن اثنتان منها في كتابنا الموسوم: “المتن الرِّوائيُّ المفتوح: فنُّ القصِّ السِّرديِّ عند الطَّيِّب صالح”، من منشورات “معهد إفريقيا” بالشَّارقة، وتوزيع “دار المصوَّرات” بالخرطوم والقاهرة؛ فزاد الكتابُ بترجماتِها الرَّصينة بهاءً ورونقاً. ومن حُسنِ المصادفاتِ أنَّ الكاتبَيْنِ الَّلذَيْنِ تناولت أعمالَهما بالمقاربةِ النَّقديَّة والتَّرجمة (بشرى الفاضل ومحمَّد خلف، على التَّوالي) قد دخلا الجامعة في يومٍ واحد من عام ١٩٧٦، وسكنا في داخليَّةٍ واحدة (أربعات)، وفي غرفةٍ واحدة (رقم ٣)، وفي سريرٍ واحد (ذي طابقين)!

تميَّزت ليمياء بصفاتٍ نادرةِ الحدوث في حقلِنا الثَّقافي (على الرَّغم من أنَّها صفاتٌ ملازمةٌ للحداثة أو مصاحِبةٌ لها)، وهي التَّنظيم وضبطُ الوقت والقدرةُ على التَّنفيذ؛ فما من أمرٍ تعهَّدت به، إلَّا وأعدَّت له أحسن إعداد، ثمَّ مَرحَلَتْهُ على فتراتٍ ملائمة، تُمهِّدُ بسلاسةٍ إلى الخطواتِ الأخيرة للتَّنفيذ. فهذه وَصفَةٌ سهلة يُمكِنُ للجميع اتِّباعُها بقدرٍ قليلٍ من الصَّرامة، من غيرِ تشدُّدٍ، وبدرجةٍ عالية من المرونة، مع المثابرة اللَّازمة لتحقيق الأهداف. إلَّا أنَّه عِوَضاً عنِ اتِّباع هذه الوصفة المُيسَّرة، يُواجهُ العاملون في الفضاءِ الثَّقافي، وفي طليعتهم رجالٌ ونِسوةٌ من طينةِ ليمياءَ، عَقَباتٍ لا حدَّ لها، من ضمنها سلطاتٌ قامعة، وبيروقراطيَّةٌ حكوميَّة، وبنيةٌ ذكوريَّةٌ مهيمِنة، وتلكُّؤٌ لا مبرِّرَ له في الوسطِ الثَّقافيِّ ذاتِه؛ وإزاء هذه الخلفيَّةِ القاتمة، تبرُزُ ليمياء شمَّت كضَوءِ شمسٍ صباحيٍّ ساطع، ليس في سماءِ الشَّارقةِ وحدها، وإنَّما لِيُعِمَّ مجملَ الحركةِ الثَّقافيَّة في مدنِ الشَّتات.

فلْتهنأِ الشَّارقةُ بدفءِ هذا الإشراقِ المُبكِّر؛ ولتسعَدِ المنابرُ الثَّقافيَّةُ برحابةِ صدرِها؛ ولتستعِدَّ التُّربةُ الوطنيَّةُ لاستقبالِ هذا الغَرسِ الطَّيِّب؛ ولتفخرِ البلادُ الواسعةُ بِسَعةِ عقلِها ومعرفتِها؛ فما في كلِّ مَوسِمِ هجرةٍ تُنجِبُ الأرضُ براعمَ وثماراً يانعةً أو تُستَخرَجُ من البحارِ العميقةِ لآليءُ لامعةٌ على شاكلةِ ليمياء شمَّت.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا