تزداد المخاوف في القارة الأفريقية من موجات نزوح غير مسبوقة قد تفرضها التغيرات المناخية بحلول عام 2050، إذ تشير تقديرات دولية إلى أن عشرات الملايين من الأفارقة قد يُجبرون على مغادرة مناطقهم بسبب الجفاف والتصحر وندرة المياه وتراجع الإنتاج الزراعي، ما يجعل الهجرة المناخية أحد أكبر التحديات الإنسانية والاقتصادية المقبلة أمام القارة.
ورغم أن القارة الأفريقية لا تسهم إلا بنسبة 4 في المئة من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة في العالم، فإنها ستكون من بين أكثر المناطق تضرراً من آثار التغير المناخي، إذ يُتوقع أن تؤدي هذه الظاهرة إلى ارتفاع أعداد النازحين بسبب المناخ، وتراجع إنتاجية المحاصيل الزراعية، وزيادة انتشار الأمراض المنقولة عبر الحشرات والمياه.
وحسب تقرير صادر للتو عن مركز العلوم والبيئة «Centre for Science and Environment (CSE)»، وهو مركز دراسات هندي متخصص في قضايا التنمية، فإن ما يصل إلى 5 في المئة من سكان أفريقيا قد يُضطرون إلى النزوح بحلول عام 2050 بسبب التغير المناخي، مقارنة بنسبة 1.5 في المئة حالياً.
ويحمل التقرير عنوان «حالة البيئة في أفريقيا 2025: أفريقيا والتغير المناخي»، ويُعرّف الحركية المناخية بأنها التحرك المؤقت أو الدائم للأشخاص الذين أصبحت حياتهم مهددة نتيجة تداعيات التغير المناخي أو الكوارث الطبيعية، مثل الفيضانات والأعاصير والعواصف وحرائق الغابات وموجات الجفاف والانهيارات الأرضية.
وتزداد وتيرة هذه الكوارث وشدتها مع تسارع الحر على المستوى العالمي، مسببةً دماراً واسعاً في المساكن، وخسائر في المحاصيل، ونقصاً في مياه الشرب في المناطق الجافة، وإصابات ووفيات بشرية.
وقد تحدث هذه التحركات داخل حدود الدولة نفسها أو نحو مناطق حدودية أو حتى خارج البلاد.
ففي الحالة الأولى يُصنف الأشخاص كنازحين داخليين، وفي الحالة الثانية يُعدّون مهاجرين أو لاجئين مناخيين.
ويشير التقرير إلى «أن الغالبية الساحقة من النزوح المناخي في أفريقيا بحلول منتصف القرن الحالي ستبقى داخل الدول الأفريقية، بدون أن تتجاوز الحدود».
غير أن بعض البلدان ستكون أكثر عرضة من غيرها، خصوصاً تلك المنتمية إلى الهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» في شرق أفريقيا وهي جيبوتي، إثيوبيا، كينيا، الصومال، السودان، جنوب السودان، أوغندا وإريتريا، حيث من المتوقع أن تصل نسبة السكان المتأثرين بالنزوح المناخي إلى 10.5 في المئة بحلول عام 2050.
ويؤكد التقرير أن عدد النازحين بسبب الكوارث الطبيعية ارتفع من 1.1 مليون عام 2009 إلى 6.3 ملايين عام 2023.
وخلال الخمس عشرة سنة الماضية، كانت الفيضانات مسؤولة عن وقوع أكثر من 75 في المئة من حالات النزوح في القارة، فيما أسهمت موجات الجفاف بنحو 11 في المئة من هذه التحركات القسرية.
وفي شرق أفريقيا، تسببت الفيضانات في 69 في المئة من حركات النزوح المرتبطة بالكوارث الطبيعية خلال هذه الفترة، خصوصاً أثناء مواسم الأمطار من اذار/مارس إلى ايار/مايو ومن تشرين الأول/أكتوبر إلى كانون الأول/ديسمبر.
أما في غرب أفريقيا، فقد شكلت الفيضانات 99 في المئة من النزوح المرتبط بالكوارث، وغالباً ما وقعت بين شهري حزيران/يونيو وايلول/سبتمبر.
ويحذر التقرير من أن التغير المناخي سيُخلّف عواقب وخيمة على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في القارة؛ فارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار درجتين مئويتين قد يعرض أكثر من نصف سكان أفريقيا لخطر سوء التغذية.
وبما أن 70 في المئة من الزراعة الأفريقية تعتمد على الأمطار، فمن المتوقع أن تنخفض إنتاجية الذرة بنسبة 22 في المئة في أفريقيا جنوب الصحراء، وأن تتراجع زراعة القمح بنسبة 35 في المئة في شمال أفريقيا؛ كما قد تتحرك مناطق إنتاج الكاكاو تدريجياً من غانا وساحل العاج – اللتين تمثلان معاً أكثر من 60 في المئة من الإنتاج العالمي – نحو الشرق، باتجاه نيجيريا والكاميرون.
ولن تقف التأثيرات عند حدود الاقتصاد والغذاء، إذ تواجه القارة أيضاً ارتفاعاً مقلقاً في انتشار الأمراض المرتبطة بالمناخ، وعلى رأسها الملاريا والكوليرا.
فالتغير المناخي يزيد من انتقال الملاريا، خصوصاً في المناطق الجبلية الأفريقية، حيث ارتفع عدد الأشهر المناسبة لانتشارها بنسبة 14 في المئة.
ويتوقع أنه بحلول عام 2030 قد يتعرض ما بين 147 و171 مليون أفريقي إضافي لخطر الإصابة بالملاريا، وأن تؤدي التغيرات المناخية إلى 775 ألف وفاة إضافية بحلول عام 2050.
ويُضاف إلى ذلك تهديد انتشار بعوض «الأنوفيله» وهو نوع تكيف مع البيئة الحضرية وأصبح قادرا على نقل الملاريا في المدن المكتظة، وقد تم رصده بالفعل في ثماني دول أفريقية من أعضاء الاتحاد الأفريقي، من بينها كينيا.
ويشكل هذا النوع من البعوض خطراً على المدن والمراكز الاقتصادية التي كانت سابقاً مناطق منخفضة الخطورة.
كما رصدت في ثماني عشرة دولة أفريقية حالات انتشار لوباء الكوليرا مرتبطة بالكوارث الطبيعية، ما أدى إلى تسجيل نحو 836.600 حالة بين كانون الثاني/يناير 2023 واذار/مارس 2024.
وبينما تتسارع وتيرة التغير المناخي، يبدو أن أفريقيا تقف أمام مفترق طرق مصيري؛ فإما أن تنجح في بناء سياسات استباقية للتكيف وحماية سكانها من النزوح، أو تواجه أزمة هجرة داخلية وإقليمية عميقة قد تعيد رسم خريطة الاستقرار في القارة خلال العقود القادمة.
المصدر:
الراكوبة