إعداد: مونت كارلو الدولية
أدى ارتفاع منسوب مياه النيل إلى غمر منازل وحقول في شمال مصر مطلع هذا الأسبوع، مما أرغم سكانا على التنقل بالقوارب وزاد من حدة الحرب الكلامية بين القاهرة وأديس أبابا حول ما إذا كان سد النهضة العملاق في إثيوبيا قد فاقم الفيضانات الموسمية.
في قرية دلهمو بمحافظة المنوفية في دلتا النيل على بعد نحو 50 كيلومترا إلى الشمال الغربي من القاهرة، استخدم رجال المجاديف للإبحار بقوارب خشبية عبر ممرات ضيقة تلاطمت فيها المياه بجدران منازلهم.
وقال الصياد سعيد جميل بينما يقف في منزله المغمور بالمياه حتى ركبتيه “خسرنا كل حاجة… المياه ياما (زائدة) السنة دي.. كانت الأول بتيجي يومين وتروح متدلى (تنحسر)”.
الفيضانات في السودان تشرد الآلاف
يتأثر نهر النيل منذ فترة طويلة بالفيضانات الموسمية بسبب هطول الأمطار الموسمية على هضاب إثيوبيا والتي عادة ما تبلغ ذروتها في شهري يوليو تموز وأغسطس آب. ولكن هذا العام اندفعت الفيضانات في أواخر الموسم من إثيوبيا عبر السودان إلى مصر.
وفي السودان، قالت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة إن الفيضانات في بحري بولاية الخرطوم شردت نحو 1200 أسرة الأسبوع الماضي ودمرت منازل، مما أدى إلى تفاقم التداعيات من الحرب المستمرة منذ 18 شهرا.
واتهمت وزارة الموارد المائية والري المصرية إثيوبيا بارتكاب “تصرفات أحادية متهورة” في إدارة السد، قائلة “عمد المشغل الإثيوبي عقب انتهاء ما سُمي بالاحتفال يوم 10 سبتمبر إلى تصريف كميات ضخمة من المياه… وتسبب في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي… وإحداث فيضان صناعي مفتعل”.
وأضافت الوزارة في بيان صدر في الثالث من أكتوبر تشرين الأول الجاري أن التصريفات “بلغت 485 مليون متر مكعب في يوم واحد، تلتها زيادات مفاجئة وغير مبررة في التصريفات وصلت إلى 780 مليون متر مكعب يوم 27 سبتمبر، ثم انخفضت إلى 380 مليون متر مكعب يوم 30 سبتمبر”.
وأوضحت أنه “في مواجهة هذه الظروف الطارئة، لم يكن أمام مشغلي سد الروصيرص السوداني خيار سوى تخزين جزء بسيط من هذه المياه وتمرير الجزء الأكبر عبر بواباته حفاظا على أمان السد نظرا لمحدودية سعته التخزينية”.
وتعتبر إثيوبيا السد الذي بلغت تكلفته خمسة مليارات دولار حجر الزاوية في خططها التنموية. ونفت أديس أبابا صحة ما أعلنته مصر ووصفت البيان المصري بأنه “مغرض ومليء بالعديد من الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة”.
وقالت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية في بيان يوم السبت إن تنظيم تصريف المياه من السد ساهم في تقليل آثار الفيضانات، مضيفة أنه لولا السد لكانت الأمطار الغزيرة “ستتسبب في دمار تاريخي في السودان ومصر”.
ودشنت إثيوبيا السد في التاسع من سبتمبر أيلول. وقال رئيس الوزراء أبي أحمد آنذاك إن بناءه جاء “من أجل الازدهار ولإمداد المنطقة كلها بالكهرباء وتغيير تاريخ الشعوب السمراء”، مؤكدا أنه “لم يُبن لإيذاء الأشقاء”.
ويهدف السد إلى توليد 5150 ميجاوات من الكهرباء، وتصل سعته التخزينية إلى 74 مليار متر مكعب من المياه.
وعارضت القاهرة المشروع بشدة منذ بدايته، قائلة إنه ينتهك اتفاقات مائية تعود إلى أوائل القرن الماضي ويشكل تهديدا وجوديا لها.
“ما فيش حد ليه مكان”
قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي خلال مؤتمر صحفي في الثاني من أكتوبر تشرين الأول إن السلطات كانت تتوقع تدفقات مائية أعلى من المعتاد هذا الشهر، وحذر من أن الأراضي المنخفضة في محافظتي المنوفية والبحيرة، التي تشهد منذ فترة طويلة تعديات عمرانية وزراعية على طرح النهر، معرضة للخطر.
وأضاف أن فرقا طبية نُشرت في المناطق التي غمرتها المياه مطلع هذا الأسبوع.
وفي قرية دلهمو، قال جميل إن السكان ما زالوا ينتظرون المساعدة.
وأضاف “الناس حذرت قبل البحر ما يطلع بس ما فيش حد ليه مكان.. ساعة ما البحر يزيد الكل بيقعد فوق البيوت”.