آخر الأخبار

صراع البرهان وحميدتي بين القوة والشرعية وشبح عودة الإخوان

شارك

أشعل الصراع الدامي بين عبدالفتاح البرهان، قائد الجيش السوداني، ومحمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع، فتيل أزمة إنسانية وسياسية غير مسبوقة في السودان. هذا الصراع، الذي اندلع حول من يمتلك القوة العسكرية والشرعية للحكم، تحول سريعًا إلى فضاء تستغله عناصر النظام السابق المنتمية إلى الحركة الإسلامية. وبالتالي، لم يعد النزاع ثنائيًا فحسب، بل تحول إلى صراع متعدد الأطراف يتحدد فيه مستقبل الدولة: هل ستسيطر عليها قوة الجيش التقليدية، أم قوة موازية ترى في نفسها بديلا لبناء الدولة المدنية أو الميليشيات الموازية، أم ستكون مسرحا لعودة الأجندة الأيديولوجية عبر بوابة الفوضى؟

ميزان القوة على الأرض

وقد اندلعت الاشتباكات المباشرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023 لتكشف عن التناقض الجذري في بناء الدولة السودانية، فمن جهة، يقف الجيش، المؤسسة التقليدية التي تستمد شرعيتها التاريخية من حماية الدولة وسيادتها، ويملك القدرات العسكرية التقليدية كالقوات الجوية والمدرعات. ومن جهة أخرى، تقف قوات الدعم السريع، وهي قوة شبه عسكرية، نشأت وتضخمت خارج الإطار التقليدي، مستمدة قوتها من السيطرة الميدانية والنفوذ القبلي والاقتصادي ومن رؤية تبدو مقبولة نسبيا لدى شريحة واسعة من السودانيين وهي إعادة بناء الدولة على أسس مدنية بعيدا عن التجاذبات الأيديولوجية والأجندة الاخوانية.

ولطالما كان حميدتي يمثل ثقل القوة غير الرسمية، وهو ما جعله شريكًا لا غنى عنه للبرهان، ولكنه حوله في نهاية المطاف إلى خصم لدود. والصراع الحالي هو محاولة أخيرة لتحديد أي من هاتين المؤسستين سيحتكر القوة في السودان. ونجاح أي طرف في حسم المعركة لن يعني بالضرورة نهاية الأزمة، بل إعادة تشكيل لميزان القوة العسكرية الذي سيعتمد عليه مستقبل الحكم في البلاد.

الشرعية الانتقالية المتهاوية

وفي المقابل، يتصارع الطرفان على شرعية مفقودة، فكلاهما جزء أصيل من النظام الذي أطاح بالرئيس عمر البشير عام 2019، وكلاهما شارك في انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021 الذي عطل مسار الانتقال الديمقراطي المدني. وهذا المسار المتقطع جعل شرعية الطرفين أمام الشعب السوداني والأسرة الدولية مهزوزة وأمام اختبار حاسم.

ويحاول البرهان الذي تتهمه الولايات المتحدة ومنظمات حقوقية بارتكاب انتهاكات واسعة من بينها استخدام أسلحة كيماوية في قصف مناطق مأهولة بالمدنيين، استعادة شرعية الدولة من خلال منصبه كرئيس لمجلس السيادة وقائد للجيش، داعيًا في البداية إلى دمج قوات الدعم السريع لتوحيد المؤسسة العسكرية قبل أن ينقلب على شريكه السابق في الحكم أي حميدتي، مستندا إلى شرعية ضعيفة في التمثيل الرسمي للدولة. أما حميدتي، فيلجأ إلى شرعية ثورية أو شعبية مقدمًا نفسه كمدافع عن التغيير ضد “الإسلاميين” والفلول داخل الجيش، مؤكدا أن المعركة التي يخوضها هي من أجل الديمقراطية.

تغلغل الحركة الإسلامية

ويزداد المشهد تعقيدًا مع تغلغل عناصر النظام السابق المنتمية إلى الحركة الإسلامية (حزب المؤتمر الوطني)، التي ترى في الصراع الحالي فرصة ذهبية لاستعادة موقعها. هذه العناصر حافظت على نفوذها ضمن هياكل الجيش والأمن، وتسعى الآن لاستغلال الفراغ السياسي والفوضى العسكرية التي أحدثتها الحرب.

وتُعدّ الحرب الحالية بوابة الفوضى التي تسعى عبرها هذه الحركة للعودة، حيث تعمد إلى تأجيج الصراع من الداخل، لا سيما ضمن صفوف الجيش. وهذا التغلغل يهدف إلى دفع البرهان لتبني خطاب يميل إلى الحماية الأيديولوجية للدولة، مما يمنحه غطاءً لـ “شرعية” مزعومة تخدم أجندتهم.

وهذا الأمر يربك ميزان القوة والشرعية، إذ يضيف طرفًا ثالثًا يسعى إلى تفريغ أي شرعية مدنية مستقبلية من محتواها، ويُحوّل الصراع الثنائي إلى حرب متعددة الأطراف تُهدد بانهيار الدولة لصالح أجندة إعادة إنتاج الاستبداد الأيديولوجي.

وفي خضم هذا المشهد، تظل القوى المدنية السودانية هي الرهان الأصعب، ففي ظل غياب مؤسسات مدنية قادرة على فرض إرادتها، أصبح البرهان وحميدتي يمثلان طرفي معادلة عسكرية ترفض التنازل عن السلطة. ولقد انتقل الصراع حول السلطة من طاولة المفاوضات إلى ساحة الحرب، كاشفا هشاشة البنية السياسية الانتقالية.

وأي حل مستدام للأزمة يتطلب العودة الفورية إلى شرعية الاتفاق المدني الشامل، ووضع حد لاحتكار العسكر للسلطة، وهو الأمر الذي يراهن عليه الشعب السوداني رغم الدمار.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا