آخر الأخبار

الذهب مستنقع الفساد في السودان.. «إنتاج كبير وواقع اقتصادي مزرٍ»

شارك

حققت عائدات الذهب السوداني للعام 2024 1.9 مليار دولار، بارتفاع الإنتاج إلى 64 طن عمّا كان عليه في السابق (42 طن)، وتجاوزت حصيلة صادرات الذهب 1.5 مليار دولار خلال عشرة أشهر من العام 2024م وفق تقارير رسمية لحكومة السودان أشارت أيضاً إلى تهريب 50% من الإنتاج.

الحكومة- بقيادة الجيش- تلقت ضربة موجعة بعد أن أوقفت دولة الإمارات شراء الذهب السوداني الذي كان يصدر حصرياً إلى دبي، وتسعى لاتفاقيات مع سلطة عمان لإيجاد سوق بديل بجانب إنشاء مصفاة محلية بولاية نهر النيل بديلة لمصفاة الخرطوم التي تدمرت ونهبت جراء الحرب، بجانب استثمار خارجي مع قطر لإنشاء مصفاة للذهب بالدوحة.

ويتساءل كثيرون عن استفادة المواطن البسيط من عائدات الذهب في معاشه اليومي في ظل الارتفاع المستمر للأسعار وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، فيما يتزايد الحديث عن الفساد في القطاع الذي بات المصدر الأول للمال لكل من الجيش وقوات الدعم السريع في حربهما التي دخلت العام الثالث!.

أرقام ضخمة

وبحسب تقارير لوكالات عالمية فإن إنّ قوات الدعم السريع استولت على 1273 كيلوغراماً من مصفاة الذهب في الخرطوم، كما أنّها تمكّنت من تنفيذ عملية نهب ضخمة، إذ استولت على نحو 820 مليون دولار من الذهب الخالص المخزن بمصفاة الذهب جنوب الخرطوم، كما أنها تسيطر على مناجم الذهب في منطقة سونغو بولاية جنوب دارفور.

ووفقاً للتقارير فإن الجيش السوداني استغل عوائد الذهب (130 مليون دولار شهرياً) في توقيع صفقات سلاح من روسيا، مصر، تركيا وباكستان.

الذهب في قلب الاقتصاد

وقال الباحث الاقتصادي أبوعبيدة أحمد سعيد لـ(التغيير)، إن الذهب السوداني واجهته العديد من التحديدات لكنه ظل الرافد للاقتصاد، فمنذ تراجع صادرات النفط والمنتجات الزراعية، أصبح هو المورد الأول للنقد الأجنبي في السودان.

وأشار إلى أنه في الربع الأول من العام 2025 بلغت قيمة الصادرات السودانية 704.1 مليون دولار أمريكي، استحوذ الذهب وحده على 449.5 مليون دولار، أي ما يعادل 63.8% من إجمالي الصادرات، بينما لم تتجاوز صادرات السلع الأخرى مثل الحيوانات الحية والسمسم والصمغ العربي 254.6 مليون دولار.

لكن في المقابل، بلغت قيمة الواردات 1.312 مليار دولار، مما أفرز فجوة تجارية تتجاوز 608 مليون دولار، والأسوأ أن 88% من صادرات الذهب كانت متجهة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، التي أوقفت مؤخراً وارداتها من السودان، الأمر الذي وضع الخرطوم أمام تحدٍ كبير في إيجاد أسواق بديلة.

لا أثر إيجابي

ورأى عضو تجمع تجار الذهب نجم الدين الرشيد في حديث لـ(التغيير)، أن الشعب لم يستفد مطلقا من صادرات الذهب أيام السلم والحرب.

وقال: بدأ الإنتاج الفعلي لشركات الامتياز أيام البشير وكانت الأرقام كبيرة للصادر ما بين 50- 60 طن في العام ولكن لا أثر إيجابي لهذا الإنتاج على حياة المواطنين مطلقاً.

وأضاف الرشيد: في أحسن الأحوال كانت الدولة تضع ثلاثة أو أربعة أطنان كاحتياطي في البنك المركزي ولكن سرعان ما تبيعه “شغالين رزق اليوم باليوم” وسياسة الكسل والكسب السريع.

وأشار إلى أن مصفاة الذهب بالخرطوم لم تكون معتمدة عالمياً وهي جزء من منظومة الفساد حيث كان يصدر الذهب المشغول للإمارات التي تعيد تصفيته وبيعة مرة أخرى بما يتناسب مع المواصفات العالمية.

مافيا سياسية

وقال نجم الدين: هذه السياسة وراءها مافيا سياسية مستفيدة وتجار ورجال أعمال ينهبون ثروات السودان لصالحهم بكافة الطرق، فهنالك شبكات التهريب المتنوعة بعضها متخصص في التهريب بالطرق الرسمية لنافذين وأخرى متخصصة في التعدين الأهلي وأخرى لشركات الكرتة، وهنالك القطط السمان بداخل الشركة السودانية للموارد المعدنية المسؤولة عن تحصيل العوائد من شركات الامتياز الكبيرة.

وأضاف: “بعد قيام الحرب لا أحد يعرف حجم الإنتاج والصادر وأين ذهبت العائدات التي يبدو أنها أصبحت مخصصة لشراء الاحتياجات العسكرية للحرب”.

تضخيم

من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي أحمد النعيم، أن الحديث عن عدم استفادة السودان من عوائد الذهب فيه تضخيم، وأشار إلى أن عوائد الذهب تمثل أكثر من 40% من الصادر حيث تقوم الحكومة والشركات بشراء الاحتياجات “دواء قمح مواد غذائية وغيرها” من هذه العوائد.

وأضاف لـ(التغيير): الحديث عن تمويل الذهب للحرب يجب ألا يأخذ طابعاً سياسياً، من أين تصرف الحكومة على الحرب، هذه موارد سودانية خالصة يحارب بها الجيش لحماية الدولة من الانهيار هذه أولوية قصوى- حسب قوله.

وتابع النعيم: ليس عيباً أن نقول الذهب يمول الجيش وليس الحرب، كل الدول تفعل ذلك، لماذا لا يتحدث هؤلاء عن الدعم السريع الذي سرق أكثر من اثنين طن من الذهب من مصفاة الخرطوم؟ ودمرها كما نهب الذهب في باطن الأرض عن طريق شركاته وصدر الذهب خام للإمارات وروسيا.

وزاد: نعم كان يمكن أن تكون الفائدة أكبر بانعكاس العوائد على الاقتصاد ولكن نحن في بلد مأزوم، حروب انفصال ثم حروب وكوارث وفساد، ومعلوم أن الفساد مرتبط بهذه البيئة، لا يمكن أن نحلم بوطن معافى في ظل الحروب.

ولفت النعيم إلى أن كل الحكومات المتعاقبة فشلت في توظيف موارد الذهب، الإنقاذ ومن ثم حكومة حمدوك وأخيراً حكومة الحرب، وألقى اللوم على الجميع وبدرجة أكبر على الإنقاذ التي رسخت لمبدأ الفساد والشركات الوهمية، ومن ثم جاءت حكومة الثورة وسارت على نفس النهج.

حلول

حكومة رئيس الوزراء كامل إدريس، اتخذت الشهر الماضي قرارات اقتصادية وصفتها بالجريئة، تضمنت حصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة، وإخضاع الذهب المنتج للمتابعة الدقيقة حتى تصديره، فضلاً عن تفعيل مكافحة التهريب بحيث تعد حيازة أو تخزين الذهب دون مستندات رسمية جريمة.

لكن الباحث الاقتصادي أبوعبيدة أحمد سعيد، اعتبر أن قرار مجلس الوزراء باحتكار شراء الذهب ينطوي على مخاطر كبيرة.

وقال: لتفادي المخاطر وتعظيم الاستفادة من الذهب، يحتاج السودان إلى مسار أكثر مرونة وشفافية يتمثل في تحرير التصدير تحت إشراف الدولة وفتح الباب لشركات مرخصة للتصدير مع إلزامها بتوريد حصائل الصادرات عبر البنوك.

وأشار إلى ضرورة تفعيل بورصة السودان للذهب والتي تم إنشاؤها مؤخراً لضمان شفافية التسعير، وزيادة تنافسية الصادرات، وربط السوق المحلية بالأسواق العالمية لتنويع الأسواق والتوجه نحو الهند وتركيا والصين وبعض الأسواق الأوروبية بدلاً عن الاعتماد على الإمارات فقط.

التغيير

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا