آخر الأخبار

المصباح وبقال بين الرصاصة والموبايل: حين تتحول الحرب إلى سوق شعارات

شارك
تقرير – مصعب محمد علي

الحرب السودانية، في مفارقاتها المضحكة المبكية، صارت ساحة لا للمدافع وحدها، بل لشاشات الموبايل فمنشور قائد مليشيا البراء عن “الأستاذ بقال” الذي لم يطلق رصاصة واحدة واكتفى بالظهور على المقاطع، فتح نافذة على حقيقة مرة: أن هذه الحرب تدار بالصورة أكثر مما تدار بالرصاصة.

لكن خلف الضحك والسخرية، يلوح سؤال ملح: من كان على صواب؟ هل من رفع السلاح وأغرق البلاد في الدماء، أم من قال بملء صوته “لا للحرب“؟

ضحك كالبكاء

ردود الفيس بوك جسدت المأساة بروح ساخرة. كتب أحدهم: “في النهاية حميدتي ذاتو حيكون ماشال سلاح وحيستقبلوه في بورتسودان.. مشكلتكم ما مع الجنجويد، مشكلتكم مع الثورة والثوار.”

آخر سخر من “عودة بقال” قائلا: “بمقياس بقال دا أي زول كان صوته عالي ضد الكيزان بقى بطل قومي.. أخلاقيا مابتتبرر، لكن بالميكيافيلية بتبلعوها.”

هكذا تتحول الدماء إلى مادة تندر، والخراب إلى مساحة مزاح، وكأن الناس لا تملك سوى السخرية لتخفيف وطأة الكارثة.

العبث

غير أن ما وراء هذا العبث هو الفلسفة العارية للحرب السودانية: أن كل من طالب بوقفها وصرخ “لا للحرب” كان صاحب الموقف الصحيح، حتى لو وصم بالعمالة أو الارتزاق أو الانبطاح. فهذه التهم لم تكن سوى سلعة رخيصة، تباع وتشترى في أسواق دعاة الحرب، أولئك الذين يربحون من استمرارها ويخسر فيها المواطن كل شيء.

الحقيقة أن الحرب لم تمنح للسودانيين كرامة ولا سيادة، بل حولتهم إلى لاجئين ونازحين وضحايا. بينما استمرت ماكينة التخوين والتشهير تعمل بانتظام، لتغطي على حقيقة واحدة: أن لا نصر في حرب أهلية، وأن الكاسب الوحيد هو تجار الدماء.

ضحايا بلا بطولات

في المشهد دائما، يظهر المواطن العادي، بوجهه الشاحب وبطنه الخاوية، كأنه الممثل الوحيد الصادق في مسرحية سياسية عبثية. أما الآخرون فيتصارعون على البطولة الرمزية: من حمل بندقية ومن صرخ في فيديو ومن عاد إلى “حضن الوطن”.

لكن في ميزان الأخلاق، يظل الموقف الأشجع هو النداء البسيط: كفى حربا.
كتب محمد احمد تغريدة في x
في هذا الوطن الممزق صارت الحرب سوقاً للرموز الوهمية.

وتساءلت هبة في تغريدة x
لماذا كتب “المصباح” هذا المنشور؟ اجابت : المسألة أبعد من تصفية حساب شخصي. هي محاولة لإعادة ضبط السوق الداخلي للمليشيا، حيث يخشى المسلحون أن يسحب “أبطال الفيديوهات” البساط من تحت أقدامهم. هو أيضا اعتراف غير مباشر بأن الحرب نفسها بلا معنى، وأن البطولة فيها لم تعد تصنع في الخنادق بل في اللايفات والتعليقات.
واضافت:
أما مصير “بغال الحرب” من طراز بقال، فليس سوى ثلاثة احتمالات: نسيان سريع حين تنطفئ الكاميرا، فضيحة مدوية حين يتقاتل رفاقهم على المكاسب، أو إعادة تدويرهم في مسرح السياسة بعد الحرب كأبطال ورقيين.

السخرية الكبرى أن دعاة الحرب الذين يوزعون التخوين ويتاجرون بالوطنية هم أنفسهم من يفضحون عبثيتهم. منشور المصباح شهادة دامغة: ان الحرب ليست إلا سيركا يتصارع فيه الكومبارس على دور البطولة.

أما الحقيقة فهي أوضح من كل هذا الغبار: الصوت الوحيد الذي امتلك شجاعة أخلاقية حقيقية هو من قال “لا للحرب”. كل ما عدا ذلك مجرد ارتزاق سياسي أو استثمار دموي في بؤس الشعب. والمواطن البسيط، الجائع والمطرود من بيته، هو الوقود والضحية، بينما يتلهى السادة بالتصوير والشتائم.
وكما قال برتراند راسل: (الحرب تكشف أسوأ ما في الإنسان
وكان يرى أن الحروب تستنهض غرائز القتل والطاعة العمياء، وتسكت العقل، وتحول الجماهير إلى قطعان مندفعة خلف دعاة الوطنية الزائفة).

اين بقال الان

دائما ما كان يطل علينا اسم بقال لا كقائد ميداني ولا كمقاتل شرس بل كظل عابر في فيديو والان بعد منشور المصباح يثور السؤال اين بقال؟

بقال ليس في الخندق ولا في ذاكرة البطولات بل في مكان اخر في سوق الرموز الرخيصة حيث تشترى البطولة بالثرثرة وتباع الوطنية باللايفات لقد صار بقال دليلا دامغا على ان الحرب عندنا لا تحتاج الى رصاص يكفيك ان ترفع صوتك وتلعن الكيزان او تمدح القائد لتصبح بطلا

لكن المصباح من داخل المليشيا ذاتها فضح اللعبة بقال لم يطلق رصاصة وهذه ليست ادانة لشخصه فقط بل ادانة كاملة لطبيعة حرب عبثية ابطالها من ورق ودعاة الحرب فيها لا يختلفون عن تجار العملة في السوق السوداء كلهم يعيشون على تقلب الاسعار ودماء الناس

اما اين بقال الان فهو في الذاكرة الساخرة للشعب رمز على ان الحرب لا تدار بالبنادق وحدها بل بالثرثرة واللايفات والتخوين رمز على ان دعاة الحرب يتقاتلون فيما بينهم على الفتات بينما يظل المواطن وحده وقود المأساة وضحيتها

ان كان ثمة بطولة في هذه المأساة فهي ليست لبقال ولا للمصباح بل لأولئك الذين قالوا منذ اول يوم لا للحرب هؤلاء لم يرفعوا بندقية ولم يجروا خلف الكاميرا لكنهم حملوا الموقف الاخلاقي الادر ان الدم رخيص حين يسفك وان الوطن لا يبنى على ركام الجثث

فبقال ان اردنا الحق ليس في الميدان ولا في الخنادق بقال الان عالق في ذاكرة الناس كأحد كومبارسات السيرك الكبير حيث تحول الوطن الى خشبة مسرح والدماء الى زينة ديكور بينما يضحك دعاة الحرب على الجمهور.

نقلاً عن استقصائي

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا