رصد: الراكوبة
القصة التي رُوّجت حول “ضربة الجيش لطائرة تقل مرتزقة كولومبيين في مطار نيالا” لم تصمد طويلًا أمام الحقائق. فقد تم تفنيد الرواية من عدة جهات؛ بينها تقارير صحفية محلية ودولية، إضافة إلى تحقيق الراكوبة الذي كشف سلسلة التضليل بدءًا من تلفزيون السودان، مرورًا بوكالة EFE الإسبانية، وصولًا إلى إعادة تغريدة الرئيس الكولومبي.
اللافت أن المصادر الإعلامية المقرّبة من الجيش، والتي بادرت ببث القصة في البداية، لم ترد حتى الآن على أي من الاتهامات أو التساؤلات التي أثارتها التحقيقات الاستقصائية. بل إن الغرف الخاصة الموالية لهم على وسائل التواصل توقفت تمامًا عن تداول الموضوع، وكأنما هناك تعمد لدفنه بعد أن تبيّن هشاشته. هذا الصمت يعكس إدراكًا داخليًا بأن القصة لم تعد قابلة للدفاع عنها.
بعد أن أصبح الملف عبئًا على الجميع، أُرسل بشكل مفاجئ إلى رئيس الوزراء كامل إدريس. المثير أن إدريس لا علاقة مباشرة له ببداية القصة، لكن إدخاله في هذا التوقيت يوحي بأن الهدف كان توريط الرجل في ملف إعلامي وسياسي فاشل. وكأنما المطلوب جعله كبش فداء لمن اخترعوا الأكذوبة في الأصل، وتحميله عبء الدفاع عن قضية خاسرة.
القضية تكشف بوضوح كيف يُمارس التضليل على المواطنين، وكيف تُبنى روايات كبيرة على مجرد أخبار غير متحققة. الاعتماد على التلفزيون الرسمي كمصدر وحيد، ثم تصدير القصة إلى العالم عبر وكالات أجنبية، ومن بعدها إدخال السياسيين في المشهد، يعكس آلية كاملة لإدارة الوعي العام. لكنها آلية مكشوفة، خاصة بعدما تم رصد الخيوط جميعها وتفنيدها واحدة تلو الأخرى.
ملف “الطائرة الكولومبية” تحوّل من محاولة لإظهار الجيش بمظهر المنتصر، إلى فضيحة إعلامية أحرجت الجميع. واليوم، بعدما فقدت القصة أي مصداقية، وجرى تمريرها إلى كامل إدريس، بات واضحًا أن ما بدأ كتضليل أصبح ورطة سياسية وإعلامية، وأن المواطن السوداني هو المستهدف الأول بمثل هذه الحملات.