آخر الأخبار

الملف الأسود لفساد السلطة القضائية في مرحلتي الانقلاب والحرب

شارك

تقرير رقم (5)

بعد أن أصبح الفساد والظلم السمة الملازمة للسلطة القضائية السودانية في فترتي الانقلاب والحرب وما قبلهما، كان لا بد من البحث والتنقيب في هذا الملف، ومعرفة كل مضابط الشر التي عشعشت داخل مباني السلطة القضائية ودور محاكمها. لذلك، وفي هذا التقرير الخامس، أواصل فضح مشروع الفساد الجاثم والظلم القائم اللذين جثما على صدور الشعب السوداني، وفاحت رائحتهما النتنة فأزكمت أنفاس كل مدن السودان.

وفي هذا التقرير، أواصل الحديث عن فساد قضاة مدينة بورتسودان الذين يُعتبرون الذراع الداعمة لرئيس قضاء المؤسسة الممكونة بأمراضه، كما أسلفت في التقارير السابقة.

أولاً: القاضي المأمون الخواض (وشكوى قضية الفساد في بلاغ الذهب المحفوظة)

في هذا العام 2025، تقدمت نيابة الجرائم الاقتصادية، ممثلة في وكيل النيابة مولانا أبوبكر عثمان، بشكوى ضد القاضي المأمون الخواض، تتهمه فيها بالفساد والتواطؤ والتفريط في 28 كيلو ذهب مُهَرَّب في بلاغ كان ينظره في المحكمة.

وتعود تفاصيل البلاغ إلى أن النيابة الاقتصادية الشاكية كانت قد قدمت عدداً من مهربي الذهب كمشكو ضدهم في بلاغ جنائي، اتهمتهم فيه بتهريب ذهب وزنه 28 كيلو تم ضبطه في حوزتهم. وُضع ملف هذه الدعوى الجنائية أمام القاضي المأمون الخواض للنظر فيها. وأثناء سير إجراءات الدعوى، تقدم وكيل النيابة الشاكي بطلب إحالة ملف الدعوى من أمام القاضي الخواض إلى رئيس الجهاز القضائي بولاية بورتسودان آنذاك، القاضي عزالدين علي أبو القاسم، لعدم اطمئنانه لسير الإجراءات أمام القاضي الخواض.

إلا أن رئيس الجهاز القضائي ببورتسودان رفض طلب الإحالة المقدم من النيابة الاقتصادية، وواصل القاضي الخواض النظر في الدعوى، بالرغم من أن طلب الإحالة تضمَّن تشكيكاً في نزاهته وحياديته أثناء نظر القضية.

لاحقاً، وبالرغم من الأدلة الدامغة التي تقدمت بها النيابة الاقتصادية ضد المهربين، وفق شهادة موظف في الشركة السودانية للموارد المعدنية تؤكد أن الذهب مُهَرَّب وغير مقيد في سجلاتها، قام القاضي الخواض بشطب البلاغ استناداً إلى نص المادة 141 من قانون الإجراءات الجنائية، بحجة عدم وجود البينة الكافية. ولم يكتفِ بذلك، بل قام بالإفراج عن المتهمين في البلاغ، وسلّمهم الذهب البالغ وزنه 28 كيلو، محل الدعوى، قبل انتهاء فترة الـ15 يوماً المخصصة للاستئناف.

وفي الحال، أخذ المهربون ذهبهم وهربوا به إلى خارج السودان. ولهذا السبب، تقدمت نيابة الجرائم الاقتصادية بالشكوى متهمة القاضي المأمون الخواض بالتواطؤ في تهريب 28 كيلو ذهب من أموال الدولة السودانية.

تمت إحالة الشكوى إلى إدارة التفتيش والرقابة القضائية، وكُلِّف قاضٍ بدرجة استئناف للنظر فيها والتحقيق مع القاضي المأمون الخواض في التهم المنسوبة إليه. وقدمت النيابة أدلة وبينات قوية تؤكد تورط الخواض مع مهربي الذهب الهاربين خارج أسوار المحكمة.

وعادةً، في شكاوى القضاة، وعند توفر البينة المبدئية لإمكانية إدانتهم، تقوم اللجنة المكلفة بنظر الشكوى بإعداد تقرير لرئيس القضاء تفصّل فيه توفر البينة المبدئية، وهذا ما حدث بالفعل في هذه الشكوى ضد القاضي الخواض.

ولكن؟؟!! وبعد توفر البينة المبدئية الكافية لدي المحقق قاضي الاستئناف بصحة الشكوي وليس له من الأمر شئ غير ان يصدر قراره في الشكوي بتشكيل مجلس محاسبة الا انه أصدر قراره فيها بحفظ الشكوي بناء علي توجيهات من القاضي عبد العزيز
وواصل القاضي الخواض عمله دون أي محاسبة حتى تاريخ هذه اللحظة.

ثانياً: القاضي عثمان جبرة (قاضي المحكمة العليا)

هذا القاضي حالياً هو المكلف بنظر الطعون الإدارية في قرارات مجلس السيادة والوزراء والولايات، وتم تكليفه بهذا المنصب الحساس بواسطة رئيس القضاء عبدالعزيز فتح الرحمن، بالرغم من سجله الحافل بالفساد سابقاً.

كان القاضي عثمان جبرة هو القاضي المشرف على مجمع محاكم الباقير، وفي ذلك الوقت أفرغ كامل خزينة تسجيلات أراضي الباقير في جيبه، بعد أن استولى على جميع أموال الخزنة وأكمل بها بناء منزله الخاص في إحدى قرى الجزيرة القريبة من المجمع.

هذا بجانب التلاعب الكبير في ملفات دعاوى التزوير في بلاغات الأراضي التي اشتهرت بها منطقة الباقير، حيث قُدمت في مواجهته عشرات الشكاوى من أصحاب المصلحة والمتضررين، إلى أن تم نقله من مجمع محاكم الباقير.

إلا أنه ظل في المجمع ولم ينفذ قرار النقل قرابة الشهرين، إلى أن امتلأت خزينة التسجيلات بالنقود، لأنه كان يخشى أن يغادر ويتركها فارغة فيُكتشف فساده. وبعد ذلك نُفذ قرار نقله، لكنه مكث في مكان النقل الجديد شهرين فقط، ثم عاد مرة أخرى إلى مجمع محاكم الباقير كقاضٍ مشرف.

حالياً، وبالمخالفة للقانون كما شرحت في التقرير السابق، يشغل منصب ممثل السلطة القضائية داخل لجنة قبول المحامين، وذلك بعد أن أبرم رئيس القضاء تسوية مع نقابة المحامين الكيزانية، تمثلت في إسكات الصحفي عمر كابو مقابل أن يعمل عثمان جبرة معهم، ليمنحهم صلاحيات تدشين المحامين الجدد في الولايات، مخالفاً بذلك قرارات دائرة المراجعة الصادرة من المحكمة العليا نفسها في وقت سابق.

ثالثاً: القاضي عوض الدائم ميرغني (قاضي الدرجة الأولى المعيّن حديثاً)

قام رئيس القضاء، القاضي عبدالعزيز فتح الرحمن، بتعيين قريبه عوض الدائم ميرغني كقاضٍ بالدرجة الأولى في محكمة عطبرة الابتدائية، مخالفاً للمواد (29) و(30) من قانون السلطة القضائية، التي تشترط الكفاءة القانونية والخبرة في تعيين القضاة.

خصوصاً أن القاضي عوض الدائم، المعيّن حديثاً بالدرجة الأولى، كان قد اجتاز مهنة تنظيم القانون (المعادلة) في العام 2006، ومنذ ذلك التاريخ وحتى تعيينه لم يعمل في أي وظيفة قانونية، بل كان موظفاً بشؤون العاملين في السكة الحديد.

وقد التقى رئيسَ القضاء مؤخراً أثناء تفويج الحجاج إلى بيت الله الحرام قبل أشهر قليلة، وطلب منه رئيس القضاء إرسال أوراقه، وبالفعل عيّنه كقاضٍ من الدرجة الأولى، مخالفاً بذلك جميع الاشتراطات واللوائح المطلوبة في القاضي قبل التعيين.

سأواصل في هذا الملف دون توقف، لكشف كل فساد مخفي عن الأعين في هذه المؤسسة العريقة، وبيان كل الفساد الذي بات معشعشاً فيها أمام الشعب السوداني.

رحاب مبارك سيد أحمد
عضوة المكتب التنفيذي – محامو الطوارئ
15 أغسطس 2025

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا