آخر الأخبار

تقييم الأثر الاستراتيجي لقرارات الإمارات تجاه حكومة بورتسودان

شارك

الملخص التنفيذي

في أعقاب الحرب السودانية وتحوّل بورتسودان إلى مقر مؤقت للسلطة العسكرية بقيادة الجيش السوداني (SAF)، وجدت البلاد نفسها أمام سلطة أمر واقع لا تحظى باعتراف دولي كامل. هذه العزلة الدبلوماسية أضعفت قدرة حكومة بورتسودان على النفاذ إلى المؤسسات المالية العالمية أو التفاوض على اتفاقيات دولية ملزمة، ما جعلها أكثر اعتمادًا على مسارات تجارية غير رسمية وشراكات إقليمية مرنة.

لكن، على النقيض من الشراكة، اتخذت الإمارات مسارًا عدائيًا تجاه حكومة بورتسودان، مفضّلة دعم قوات الدعم السريع (RSF) التي تمثل خصمًا عسكريًا وسياسيًا مباشرًا للجيش. هذا الدعم لم يقتصر على المواقف السياسية، بل شمل — وفقًا لمصادر وتقارير — تسهيلات في تصدير الذهب عبر مسارات غير رسمية إلى دبي، مرورًا بدول وسيطة مثل تشاد وجنوب السودان وأوغندا، بعيدًا عن سيطرة ميناء بورتسودان.

هذا التوجه الإماراتي له أبعاد استراتيجية واضحة:


*

إضعاف سلطة الجيش عبر حرمانه من الموارد المالية التي يوفرها الذهب.


*

تعزيز نفوذ الإمارات في البحر الأحمر من خلال علاقة خاصة مع فصيل مسلح قادر على التحكم في مناطق التعدين.


*

كسب أوراق ضغط إقليمية في مواجهة دول مثل مصر والسعودية التي تميل للتعامل مع حكومة بورتسودان كطرف شرعي.

اقتصاديًا، يعني ذلك استمرار نزيف العائدات الرسمية للسودان، وتفاقم السوق السوداء للذهب، وتآكل قدرة الدولة على تمويل عملياتها العسكرية والخدمية. أما جيوسياسيًا، فهو يرسّخ حالة الانقسام الداخلي ويحوّل الصراع السوداني إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية.

الفصل الأول: تصاعد التوتر وقطع العلاقات الدبلوماسية

1.1 مسار العلاقات الإماراتية–السودانية

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، تدهورت العلاقات بين حكومة بورتسودان والإمارات بوتيرة متسارعة. تعددت الاتهامات من جانب الجيش السوداني بدعم إماراتي لوجستي ومالي لقوات الدعم السريع، وهو ما نفته أبوظبي مرارًا ووصفتها بـ”المزاعم الكاذبة”.
في نوفمبر 2024، ألغت حكومة بورتسودان مذكرة تفاهم مع الإمارات لإنشاء ميناء “أبوعمامة” بقيمة مليارات الدولارات، وفي مايو 2025 أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات واصفًا إياها بـ”دولة معتدية”.

1.2 القرارات الإماراتية في أغسطس 2025

حظر الطيران: أبلغت هيئة الطيران المدني الإماراتية شركات الطيران السودانية (مثل “بدر” و”تاركو”) بوقف الرحلات إلى الإمارات ابتداءً من 6 أغسطس 2025، مما تسبب في إرباك آلاف المسافرين وخسائر تقدّر بـ 88 مليون دولار سنويًا.

حظر الشحن البحري: أصدرت السلطات الإماراتية قرارًا بمنع السفن الإماراتية من الإبحار نحو ميناء بورتسودان وحظر

مناولة أي بضائع متجهة إليه، ما شكل ضربة مباشرة لشريان التجارة الرئيسي للسودان.

1.3 الروايات المتعارضة

الجيش السوداني أعلن تدمير طائرة إماراتية تحمل مرتزقة وأسلحة لقوات الدعم السريع في نيالا، فيما نفت الإمارات الأمر بالكامل واعتبرته ادعاءات لا أساس لها. هذا التضارب الإعلامي يعكس حربًا موازية على مستوى السرديات والمعلومات.

الفصل الثاني: الذهب كديناميكية حاسمة في الصراع

2.1 الأهمية الاستراتيجية للذهب

يمثل الذهب مصدر الدخل الحيوي للطرفين المتحاربين. إنتاج السودان من الذهب يتم في غالبه عبر التعدين التقليدي غير الخاضع للرقابة، ما أوجد شبكات تهريب معقدة.

2.2 شبكات الذهب المتباينة

الجيش السوداني (SAF): يسيطر على مناطق تعدين في الشمال والشرق، ويعتمد على التصدير عبر بورتسودان أو التهريب إلى مصر لتجنب القنوات التي يُتهم الإمارات بالتحكم فيها.

قوات الدعم السريع (RSF): تسيطر على مناجم في دارفور، وتستخدم مسارات تهريب عبر تشاد وجنوب السودان وصولًا إلى أوغندا، ومن هناك إلى الإمارات، خارج القنوات الرسمية.

هذه الديناميكية تجعل القرارات الإماراتية أكثر إيلامًا لحكومة بورتسودان، وأقل تأثيرًا على الدعم السريع.

الفصل الثالث: الشبكات المالية والشركات المرتبطة بالأطراف

3.1 بنية تمويل الحرب

كلا الطرفين يمتلك شبكات شركات وأصول لتمويل عملياته. الدعم السريع يسيطر على شركات تعدين مثل “الجنيد” وأخرى واجهة في الإمارات مثل “تراديف” للتجارة العامة.

3.2 الروابط المالية في الإمارات

التقارير تشير إلى استخدام شركات وبنوك إماراتية كقنوات لتحويل عائدات الذهب وشراء معدات لصالح الدعم السريع، منها بنك النيلين وبنك أبوظبي الوطني.

3.3 شركات الطيران المستهدفة

شركتا “بدر” و”تاركو” تؤديان دورًا لوجستيًا مهمًا في نقل الأفراد والإمدادات، وهو ما يفسر استهدافهما في قرارات الحظر الإماراتية.

الفصل الرابع: الأثر الاقتصادي والاستراتيجي

4.1 قطاع الطيران والتجارة

أدى الحظر إلى خسائر مالية فورية وتعطيل سلاسل الإمداد، وإجبار السودان على البحث عن موانئ بديلة في السعودية ومصر، ما يزيد التكلفة ويؤخر وصول السلع.

4.2 تجارة الذهب

إغلاق القنوات الرسمية أمام تصدير الذهب عبر بورتسودان يقلل إيرادات الحكومة ويزيد الاعتماد على التهريب، بينما تظل شبكات الدعم السريع أقل تأثرًا.

الفصل الخامس: حرب المعلومات وتفنيد المضللات

تزامنت القرارات الإماراتية مع انتشار معلومات مضللة، مثل “المرسوم الوزاري” المزعوم الذي يحظر أنشطة تجارية على السودانيين في الإمارات، والذي ثبت أنه ملفق بالكامل ويهدف لإثارة القلق والانقسام بين الجاليات.

الاستنتاجات

القرارات الإماراتية أدوات ضغط استراتيجية تستهدف إضعاف حكومة بورتسودان والجيش السوداني عبر ضرب القنوات اللوجستية والتجارية.

التأثير على الدعم السريع محدود نظرًا لاعتماده على شبكات تهريب خارج القنوات الرسمية.

الإجراءات تسهم في إعادة تشكيل ميزان القوى الإقليمي، وتدفع السودان نحو الاعتماد على موانئ إقليمية بديلة.

حرب المعلومات جزء أساسي من المشهد، تُستخدم لتأليب الرأي العام وخلق انقسامات.

التوصيات

مراقبة تحولات التجارة: تتبع مسارات التحويل إلى الموانئ السعودية والمصرية، وتقييم أثرها على الأسواق السودانية.

تحليل أثر الضغط الاقتصادي: تقييم ما إذا كان الضغط المالي يؤثر على موازين القوى أو مواقف التفاوض.

تتبع مسارات تمويل الدعم السريع: خصوصًا شبكات التهريب عبر دول ثالثة التي لا تتأثر مباشرة بالعقوبات أو القرارات الرسمية.

تعزيز مواجهة المعلومات المضللة: عبر قنوات رسمية وإعلامية موثوقة لمواجهة الدعاية والحرب النفسية.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا