سجلت أسعار غاز الطهو في السودان ارتفاعاً كبيراً، إذ قفز سعر الأسطوانة إلى نحو 70 ألف جنيه في السوق الرسمية (نحو 20 دولاراً)، وسط ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، في وقت أرجع فيه مختصون الزيادات إلى انخفاض قيمة الجنيه السوداني والنقص الحاد في المعروض وزيادة الطلب بعد توقف حقول النفط في غرب البلاد وتدمير مصفاة الجيلي بسبب المعارك بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، ما أدى إلى ظهور سوق سوداء لأسطوانات الغاز استغلالاً لأزمات السودانيين وتراجع الرقابة الحكومية.
وعدّلت اللجنة الاقتصادية باللجنة العليا لإدارة الأزمات في الخرطوم، تسعيرة أسطوانة الغاز زنة 12.5 كيلوغراماً بواقع 65 ألف جنيه، بينما يصل سعرها لدى بعض الموزعين إلى 70 ألف جنيه، كذلك عدّلت إدارات البترول في الولايات الأخرى أسعارها، إلا أن النقص الحاد في المعروض أدى إلى صعوبة تطبيق التسعيرة الجديدة على أرض الواقع مع تنامي ظهور السوق السوداء، حيث راوحت الأسعار فيه ما بين 80-90 ألف جنيه للأسطوانة الواحدة، في وقت يشهد فيه المواطن ضغوطاً اقتصادية متزايدة وضعف الرقابة على الأسواق.
وتتهم منظمات مجتمع مدني الحكومة بعدم اتخاذ إجراءات رادعة للحد من جشع التجار واستغلال الأزمات، وقالت إن الزيادات تعكس تدهور الأوضاع الاقتصادية في السودان الذي يعاني من تضخم، وانخفاض قيمة العملة المحلية، وتراجع في القدرة الشرائية. ويطالب مواطنون وخبراء اقتصاد الحكومة بضرورة تفعيل أجهزة الرقابة على توزيع الغاز، وتقديم دعم مباشر للأسر المتضررة. وتتهم هذه المنظمات بعض الجهات بتسريب السلعة من أيدي الحكومة للتجار، ما ساهم في اشتعال الأسعار وارتفاعها، في وقت تنعدم فيه أسطوانات الغاز في عدة ولايات بسبب النزاع المستمر منذ إبريل/نيسان من عام 2023، الأمر الذي دفع مواطنين إلى استخدام الفحم وقوداً للطبخ، رغم ارتفاع تكلفته وأضراره البيئية.
وتعرضت مصفاة الجيلي في الخرطوم لأضرار بالغة نتيجة العمليات العسكرية بين الجيش السوداني والدعم السريع، وكانت المصفاة تنتج 100 ألف برميل نفط يومياً، وتنتج نحو 10 آلاف طن من الغازولين و800 طن من غاز الطهو يومياً، وهو ما دفع الحكومة السودانية إلى استيراد احتياجاتها من المحروقات من بعض دول الخليج وروسيا. وقال مصدر مطلع بالمصفاة لـ”العربي الجديد” إن الكمية التي تنتجها المصفاة من غاز الطهو كانت كافية لاستهلاك المواطنين والمخابز بالخرطوم والولايات، وما يُستورَد لا يعدو كونه مكملاً.
وأضاف: لا ننكر أن هناك من يستغل الأزمة الحالية بالمتاجرة في سلعة الغاز، مشيراً إلى أن التسعيرة الجديدة شاملة كل الرسوم، بما فيها النقل، لكن البعض يبيعها بأكثر من سعرها بنحو 100 جنيه في بعض الحالات. وأعلنت الحكومة في يوليو/تموز الماضي خطة لإعادة تأهيل المصفاة مرة أخرى، ما يعني تقليل الاستيراد من الخارج وضبط الأسعار. ويشهد عدد من الولايات أزمة حادة في توفر غاز الطهو، لنقص شبه كامل في مراكز التوزيع الرسمية، فيما يعاني أصحاب محال التوزيع من نقص حاد في الإمدادات، بينما أرجعت بعض اللجان التي شُكِّلَت في بعض الولايات كالخرطوم والجزيرة وكسلا، الزيادة في الأسعار إلى عدم ثبات سعر الجنيه السودانى مقابل الدولار، إلّا أنّ آخرين داخل اللجنة يرون أنّ الزيادة نتيجة ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع بجانب التحديات المتعلقة بإمدادات الطاقة.
وتوقع مختصون أن تواصل الأسعار الارتفاع نتيجة لتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، بخاصة في ظل الاعتماد على الخارج لتوفير السلع الأساسية. وقال محمد آدم، وكيل توزيع غاز في أم درمان لـ”العربي الجديد”: “إننا نواجه تحديات كبيرة نتيجة لعدم استقرار أسعار الغاز”. وأضاف: “لم تصلنا شحنات امدادات الغاز منذ نحو أسبوعين، رغم الزيادات المعلنة”، مشيراً إلى عدم وجود مؤشرات لحلول في ظل تراجع مؤشرات الثقة بين الموزعين والمواطنين.
وقبل الزيادة الأخيرة، كانت أسطوانة الغاز 12.5 كيلوغراماً تباع بنحو 50 ألف جنيه، ليرتفع سعرها إلى 70 ألف جنيه للأسطوانة الواحدة، ما يجعل السودان الدولة الأعلى سعراً لأسطوانات الغاز المنزلي.