مقدمة:
لطالما عانى السودان من عدم استقرار سياسي مزمن، حيث لعب الجيش دورًا مهيمنًا ومزعزعًا للاستقرار في كثير من الأحيان. يتخلل تاريخ البلاد انقلابات عسكرية متكررة وفترات طويلة من الحكم الاستبدادي، مما طغى بشكل كبير على الحكم الديمقراطي. 1 وقد أدى هذا التدخل العسكري المستمر إلى ترسيخ “دولة عميقة” تتمتع فيها الأجهزة الأمنية بسلطة هائلة، ليس فقط سياسيًا ولكن اقتصاديًا أيضًا. 2 إن الحرب الأهلية الحالية، التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، هي التعبير الأحدث والأكثر تدميرًا لهذا الصراع، والمتجذر في تفاعل معقد من العوامل العرقية والسياسية والاقتصادية الحاسمة. 3
يهدف هذا التقرير إلى تفكيك العلاقة المعقدة بين المصالح التجارية الواسعة للجيش السوداني، وعلاقاته الاقتصادية والاستراتيجية المتطورة مع مصر، وتأثيرها العميق على رغبته الثابتة في السيطرة على المسار السياسي للبلاد. سيتم إجراء فحص دقيق لتحليل حالات الفساد والممارسات غير المشروعة الموثقة، بالاعتماد بشكل خاص على المعلومات والتقارير الواردة من المنصات الإلكترونية البارزة مثل “الراكوبة”، و”سودانيز أونلاين”، و”سودان ريفز.كوم”. إن الإمبراطورية الاقتصادية المنتشرة وغير الشفافة للجيش السوداني، المدعومة بعلاقاته الاقتصادية والعسكرية الاستراتيجية الإقليمية، تعد محركًا أساسيًا لهيمنته السياسية المستمرة. ويعمل الفساد المنهجي، المتجذر بعمق داخل هذه الهياكل، كميسر أساسي ونتيجة حتمية لهذه السلطة المتأصلة، مما يديم عدم الاستقرار ويعرقل الانتقال الديمقراطي الحقيقي.
إن المصالح الاقتصادية للجيش السوداني ليست مجرد مصالح ثانوية، بل هي متكاملة وواسعة الانتشار في جميع أنحاء الاقتصاد الوطني. فالأداة المؤسسية الرئيسية للقوات المسلحة السودانية في المجال التجاري هي منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) ، التي كانت تُعرف سابقًا باسم هيئة التصنيع الحربي (MIC). 5 تأسست هيئة التصنيع الحربي في البداية عام 1993 تحت إشراف وزارة الدفاع بهدف صريح هو تعزيز وتطوير قدرات التصنيع الدفاعي في البلاد. 5 وقد تطورت منذ ذلك الحين لتصبح واحدة من أكبر التكتلات المملوكة للدولة داخل البلاد. 7
تُعد منظومة الصناعات الدفاعية كيانًا اقتصاديًا هائلاً، حيث تُدر ما يقدر بنحو 2 مليار دولار من الإيرادات السنوية من خلال شبكة واسعة تضم مئات الشركات التابعة التي تنتشر في مختلف القطاعات الاقتصادية الحيوية. 9 وبحلول الوقت الذي أطيح فيه بالرئيس السابق عمر البشير، كانت منظومة الصناعات الدفاعية تسيطر على ما يقدر بنحو
200 شركة ، بالإضافة إلى العديد من “الشركات الرمادية” التي، على الرغم من تسجيلها كشركات خاصة، تأسست ومولت باستخدام أموال عامة مخصصة لقطاع الأمن. 6
بالتوازي مع البصمة الاقتصادية للقوات المسلحة السودانية، قامت قوات الدعم السريع، تحت قيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، بتكوين إمبراطورية اقتصادية كبيرة أيضًا. ومن الأمثلة البارزة على ذلك شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة ، وهي شركة قابضة يسيطر عليها حميدتي وشقيقه بشكل مباشر، وتشرف على 11 شركة تابعة، مع وجود كبير في صناعة تعدين الذهب . 9 وقد توسعت القوة الاقتصادية لقوات الدعم السريع بشكل كبير من خلال أنشطتها في تعدين الذهب ومشاركتها في حرب اليمن. 6 وبحلول الوقت الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية الحالية، كانت قوات الدعم السريع قد استحوذت على ما يقرب من
50 شركة ، وذلك بشكل أساسي عن طريق إعادة استثمار الأرباح الكبيرة التي حققتها من عمليات تجارة الذهب. 10
يشير الاستعراض الشامل للبيانات المتاحة إلى أن كلاً من القوات المسلحة السودانية (من خلال منظومة الصناعات الدفاعية/هيئة التصنيع الحربي) وقوات الدعم السريع تمتلكان مصالح اقتصادية واسعة النطاق. منظومة الصناعات الدفاعية، على الرغم من نشأتها كصناعة دفاعية، فقد تنوعت بقوة في القطاعات المدنية، مما أدى إلى طمس الحدود التقليدية بين الوظائف العسكرية والتجارية. 5 وبالمثل، توسعت قاعدة القوة الاقتصادية لقوات الدعم السريع، التي كانت متجذرة في البداية في تعدين الذهب والاشتباكات العسكرية الخارجية، لتشمل محفظة تجارية أوسع. 6 تشير هذه الطبيعة المزدوجة المتأصلة إلى أن هذه الكيانات العسكرية ليست مجرد مزودين للدفاع، بل تحولت إلى فاعلين اقتصاديين هائلين. وهذا يسمح لهم بالاستفادة استراتيجيًا من موارد الدولة، والسلطة المؤسسية، وحتى التهديد بالقوة لتحقيق مكاسب تجارية، مما يعزز بدوره نفوذهم السياسي واستقلاليتهم بشكل عميق. هذا التداخل الأساسي بين الأدوار العسكرية والاقتصادية يخلق تحديًا هيكليًا هائلاً لأي محاولات للرقابة المدنية أو إصلاح شامل لقطاع الأمن، حيث ترتبط القوة الاقتصادية ارتباطًا وثيقًا بالقيادة والسيطرة العسكرية.
تمتد الأنشطة التجارية للشركات العسكرية عبر مجموعة متنوعة بشكل ملحوظ من القطاعات المدنية. فمنظومة الصناعات الدفاعية، بالإضافة إلى تصنيع المعدات الدفاعية، تشارك بقوة في المنتجات “ذات الاستخدام المزدوج” التي تغطي مجالات حيوية مثل البناء والنقل ومختلف الصناعات التحويلية. 5
تشمل الأمثلة المحددة لهذا التنوع الواسع ما يلي:
يكشف التنوع الواسع للكيانات العسكرية وشبه العسكرية في القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وخاصة صناعة تعدين الذهب المربحة للغاية 9 ، عن ديناميكية بالغة الأهمية: هذه المصالح التجارية ليست مجرد استثمارات سلبية لتحقيق عوائد مستقبلية، بل تمثل تدفقات إيرادات فورية ونشطة تمول بشكل مباشر العمليات العسكرية الجارية. وقد أدت الحرب، بشكل متناقض، إلى تكثيف “حمى الذهب” هذه، حيث تستفيد كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بشكل واضح من التجارة غير المشروعة للحصول على الأسلحة ومواصلة القتال. 17 يشير هذا التشابك العميق إلى أن السيطرة على هذه الأصول الاقتصادية لا تتعلق فقط بتراكم الثروة للإثراء الفردي، بل تتعلق بتأمين الوسائل المالية اللازمة للحفاظ على القدرة العسكرية وتوسيعها، وبالتالي المساهمة بشكل مباشر في إطالة أمد الصراع. وهذا يعني أن المصالح الاقتصادية قد تحولت فعليًا إلى “اقتصاد حرب”، حيث يخلق الصراع نفسه فرصًا لتحقيق مكاسب غير مشروعة واستغلال الموارد. وهذا يجعل احتمالية التوصل إلى حل سلمي أكثر صعوبة بكثير، حيث أن أي وقف للأعمال العدائية سيعطل بشكل مباشر تدفقات الإيرادات المربحة للغاية التي تديم الحرب.
تعمل منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) بدرجة غير عادية من الاستقلالية المالية والإدارية، حيث تم إعفاؤها صراحة من جميع اللوائح المالية والإدارية العامة التي تحكم الوكالات الحكومية الأخرى. 6 وقد تم تقنين هذا الإعفاء في القانون خلال عهد نظام البشير، مما منح منظومة الصناعات الدفاعية فعليًا الحق في استثمار أموالها دون إشراف من ديوان المراجعة القومي أو الالتزام بقوانين المشتريات العامة. 14
يسمح هذا النقص المتعمد في الشفافية لمنظومة الصناعات الدفاعية باستخدام أنظمة معقدة لإخفاء الملكية الحقيقية لشركاتها التابعة العديدة وتأمين خطابات اعتماد مواتية للغاية من البنك المركزي السوداني. والأمر الأكثر خطورة هو أن منظومة الصناعات الدفاعية غالبًا ما تتخلف عن سداد القروض التي تحصل عليها بموجب هذه الشروط المواتية. 9 وتمكن هذه الترتيبات المالية التفضيلية منظومة الصناعات الدفاعية من التنافس بشكل غير عادل مع الشركات المدنية المشروعة، التي لا تتمتع بمثل هذه الشروط المالية المواتية. 9
علاوة على ذلك، وبسبب هياكل ملكيتها الغامضة ومجموعة من الإعفاءات الضريبية المحددة، فإن الشركات التابعة للجيش لا تسهم إلا بقدر ضئيل للغاية، إن وجدت، في إيرادات الدولة السودانية الإجمالية. 9 وقد أبرز رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك المدى الخطير لهذا الاستيلاء الاقتصادي، حيث كشف أن نسبة مذهلة تبلغ “82% من الأموال العامة كانت خارج سيطرة وزارة المالية”، مما يؤكد القوة الاقتصادية الهائلة وغير الخاضعة للمساءلة التي يمتلكها المكون العسكري. 6
إن التقاء الإعفاءات القانونية، وغياب الرقابة، والوصول التفضيلي إلى موارد الدولة الممنوحة للشركات العسكرية 6 ، إلى جانب قدرتها المثبتة على التخلف عن سداد القروض دون عقاب 9 ، يرسم صورة واضحة لنظام راسخ بعمق من الحكم اللصوصي. لا يتعلق الأمر هنا بمجرد أعمال فساد فردية، بل بتصميم منهجي يمكّن النخب العسكرية من جمع ثروات هائلة. والأهم من ذلك، أن هذا النظام يعيق بنشاط تطور قطاع خاص تنافسي ويحرم الدولة بشكل منهجي من الإيرادات الحيوية، كما يتضح من الإحصائية المقلقة التي تشير إلى أن 82% من الأموال العامة كانت خارج سيطرة وزارة المالية. 6 وهذا يشير إلى حرمان اقتصادي متعمد للدولة المدنية ومواطنيها. ويعني هذا الحكم اللصوصي المؤسسي خلق مشهد اقتصادي مشوه بشكل أساسي، حيث يتم إعاقة نمو القطاع الخاص الحقيقي والمنافسة العادلة بشكل كبير، مما يؤدي إلى ركود اقتصادي عام وزيادة الاعتماد العام على القطاعات التي يسيطر عليها الجيش. وهذا يدل على أن القوة الاقتصادية للجيش تتجاوز مجرد تراكم الثروة؛ إنها تتعلق بالسيطرة على النسيج الاقتصادي للبلاد، مما يجعلها عقبة هائلة ومستمرة أمام أي انتقال ديمقراطي يسعى إلى إرساء السيطرة المدنية على موارد الدولة وتعزيز التنمية العادلة.
الجدول 1: الكيانات الاقتصادية الرئيسية التابعة للجيش السوداني ومشاركتها القطاعية
اسم الكيان
الانتماء
القطاعات الرئيسية للمشاركة
الإيرادات/الحجم التقديري
الخصائص/التأثيرات الرئيسية
معرفات البيانات
منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) / هيئة التصنيع الحربي (MIC)
القوات المسلحة السودانية (SAF)
التصنيع الدفاعي، البناء، النقل، الصناعات التحويلية، الاتصالات، التجارة العامة
2 مليار دولار إيرادات سنوية، 200+ شركة تابعة
ملكية غامضة، إعفاءات ضريبية، منافسة غير عادلة، التخلف عن سداد القروض، تساهم قليلاً في إيرادات الدولة، تفتقر للرقابة المدنية
5
شركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة
قوات الدعم السريع (RSF)
تعدين الذهب، قطاعات اقتصادية متعددة
غير محدد، لكنها مصدر حيوي لإيرادات عائلة دقلو وقوات الدعم السريع
تسيطر عليها عائلة دقلو، تستغل منجم جبل عامر، تمول قوات الدعم السريع
9
تريديف للتجارة العامة ذ.م.م.
قوات الدعم السريع (RSF)
المشتريات (خاصة المركبات)
غير محدد
شركة واجهة تسيطر عليها قوات الدعم السريع، تشتري مركبات تستخدم لأغراض عسكرية
9
سودان ماستر تكنولوجي (SMT)
القوات المسلحة السودانية (SAF)
تصنيع الأسلحة والمركبات العسكرية
غير محدد
مساهم رئيسي في شركات منظومة الصناعات الدفاعية، تشارك في إنتاج الأسلحة والمركبات
9
المؤسسة التعاونية للجيش السوداني
القوات المسلحة السودانية (SAF)
أسواق السلع الاستهلاكية، التصنيع
غير محدد
تقدم سلعًا بأسعار مخفضة، تشارك في المشاريع المدنية
12
شركات تابعة لقوات الدعم السريع
قوات الدعم السريع (RSF)
تعدين الذهب (رئيسي)، صناعات أخرى
حوالي 50 شركة
تستثمر أرباح تجارة الذهب في صناعات أخرى، ترفض الخضوع للمساءلة
10
شركات الجيش في قطاعات مدنية عامة
القوات المسلحة السودانية (SAF)
تجميع السيارات، الأجهزة الكهربائية، تصدير اللحوم والمحاصيل، طحن الدقيق، نقل البضائع، رصف الطرق
200+ شركة تابعة للقطاع الأمني والعسكري
تنافس القطاع الخاص، تفتقر للشفافية والمساءلة
13
شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والسودان نموًا وتطورًا كبيرًا خلال السنوات الماضية، وهو ما يتجلى بشكل خاص في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات. 19 يمثل السودان شريكًا تجاريًا مهمًا لمصر داخل القارة الأفريقية، حيث يستحوذ على جزء كبير يتراوح بين 13.2% و 13.5% من إجمالي تجارة مصر مع الدول الأفريقية. 19 في عام 2022، بلغت الصادرات المصرية إلى السودان حوالي 929 مليون دولار، بينما بلغت الصادرات السودانية إلى مصر 504.5 مليون دولار. 20 وتشمل الصادرات السودانية الرئيسية إلى مصر سلعًا حيوية مثل الحيوانات الحية، واللحوم، والبذور الزيتية، والفواكه المتنوعة، والقطن. 21 وتتم التفاعلات الاقتصادية بين البلدين ضمن عدة أطر مؤسسية راسخة، بما في ذلك منطقة التجارة الحرة العربية، ومنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية الأوسع نطاقًا، والسوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا (الكوميسا). 20
يشير حجم التجارة الكبير لمصر مع السودان (الذي يمثل 13.2-13.5% من إجمالي تجارتها الأفريقية) 19 ، بالإضافة إلى اعتمادها على الصادرات السودانية الرئيسية مثل الحيوانات الحية والقطن 21 ، بوضوح إلى اعتماد اقتصادي متبادل عميق. وهذا الرهان الاقتصادي الكبير يعني أن أي عدم استقرار أو صراع طويل الأمد في السودان يؤثر بشكل مباشر وخطير على الاقتصاد المصري، لا سيما من خلال تعطيل طرق التجارة الحيوية وسلاسل الإمداد. 19 وهذا يوفر دافعًا اقتصاديًا قويًا لمشاركة مصر النشطة في الشؤون السودانية، متجاوزًا المخاوف الأمنية التقليدية. لذا، فإن المصالح الاقتصادية المصرية الراسخة تعمل على الأرجح كمحرك أساسي قوي لدعمها الدبلوماسي والعسكري لفصائل معينة في السودان، حيث تسعى إلى استعادة والحفاظ على مستوى من الاستقرار يحمي تدفقاتها التجارية الحيوية وفرصها الاستثمارية.
تحتفظ مصر بمصلحة استراتيجية عميقة في استقرار السودان، وقد قدمت باستمرار دعمًا عسكريًا وسياسيًا للقوات المسلحة السودانية. 4 وقد تم تأسيس التعاون العسكري بين مصر والسودان رسميًا وممارسته بانتظام من خلال تدريبات عسكرية مشتركة. وتشمل الأمثلة البارزة على ذلك مناورات “حماة النيل” و”نسور النيل 1 و 2″. 22 وتهدف هذه التدريبات إلى تكثيف التعاون في مجالات حيوية مختلفة، بما في ذلك منهجيات التدريب، وتبادل الخبرات العسكرية، وتعزيز أمن الحدود، والجهود التعاونية في عمليات مكافحة الإرهاب. 23 وتؤكد التصريحات الرسمية الصادرة عن المصادر الرسمية اتفاق قادة الجيشين المصري والسوداني على زيادة هذا التعاون. 23
يشير التعاون العسكري المستمر والمنظم، الذي يتجلى في التدريبات المشتركة 22 والاتفاقيات الصريحة بين القادة العسكريين، إلى أجندة أمنية مشتركة بعمق بين مصر والقوات المسلحة السودانية. ويتجاوز هذا التعاون مجرد الدفاع الثنائي؛ فهو يشمل مخاوف أمنية إقليمية أوسع، لا سيما فيما يتعلق بموارد نهر النيل الحيوية 4 وجهود مكافحة الإرهاب المشتركة. ويشير الدعم العسكري والسياسي المستمر من مصر للقوات المسلحة السودانية 4 بقوة إلى توافق استراتيجي يهدف إلى الحفاظ على توازن قوى مفضل في السودان يخدم بشكل مباشر المصالح الأمنية الإقليمية الأوسع لمصر. وهذا الدعم العسكري القوي والمواءمة الاستراتيجية من قوة إقليمية رئيسية مثل مصر يمكن أن يضفي شرعية ضمنية، وأحيانًا صريحة، على الدور البارز للقوات المسلحة السودانية في السياسة السودانية. فمن خلال تعزيز مكانة الجيش كلاعب حاسم في الأمن الإقليمي، فإنه يعزز بشكل غير مباشر مقاومته للرقابة المدنية والإصلاحات الديمقراطية.
في حين أن البيانات المتاحة لا تتضمن تفاصيل صريحة عن شركات تجارية مشتركة مملوكة أو تديرها الجيشان السوداني والمصري بشكل مباشر، إلا أنها تشير إلى نمط أوسع من التعاون الاقتصادي والمشاركة الكبيرة للشركات المصرية في مشاريع إعادة الإعمار والتنمية السودانية. على سبيل المثال، في فبراير 2025، تم تكليف شركة مصرية رسميًا بتنفيذ أول مشروع لإعادة الإعمار في السودان. ويُتوقع أن تكون هذه المبادرة بداية لسلسلة من المشاريع التي ستنفذها شركات مصرية كبرى في قطاعات متنوعة. 24 وتنظر الحكومة السودانية إلى هذه المشاريع ليس فقط كمشاريع اقتصادية، بل كامتداد لتحالف استراتيجي يرسخ الدور المصري في القرن الأفريقي ويضمن أن تكون مصر جزءًا من منظومة أمنية واقتصادية تدعم المصالح السودانية في مواجهة التحديات الإقليمية. 24
كما ظهرت مناقشات تاريخية حول مشاريع مصرية في السودان، بما في ذلك إنشاء المخابز ومحطات الطاقة. غير أن هذه المبادرات أثارت في بعض الأحيان جدلاً بشأن الطبيعة الحقيقية للدعم المصري وسط خلافات ثنائية المبلغ عنها. 25 وتبرز نقطة حاسمة للتحليل المقارن من الطبيعة ذات الاستخدام المزدوج للشركات العسكرية في كلا البلدين. يشير مقتطف من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إلى أن العديد من الشركات العسكرية، بما في ذلك تلك الموجودة في مصر، تعمل بأدوار عسكرية ومدنية مزدوجة. وتزيد هذه السمة بشكل كبير من صعوبة تمييز الأصول وفصل الحسابات وإعادة هيكلة الأنشطة، مما يسلط الضوء على نموذج تشغيلي مشترك للمشاركة الاقتصادية العسكرية عبر كلا البلدين، حتى في غياب مشاريع تجارية مشتركة صريحة مملوكة للجيش. 26
إن المشاركة النشطة للشركات المصرية في مشاريع إعادة الإعمار السودانية 24 ، إلى جانب ملاحظة أن الشركات العسكرية المصرية والسودانية تشترك في نموذج تشغيلي “ذو استخدام مزدوج” 26 ، يشير بقوة إلى إمكانية نقل أو تعزيز نموذج تنمية اقتصادية بقيادة عسكرية. إذا كانت الشركات التابعة للجيش المصري تشارك بشكل كبير في جهود إعادة الإعمار هذه، فقد يضفي ذلك شرعية غير مقصودة على، ويزيد من ترسيخ، التصور بأن الجيش فاعل فعال ولا غنى عنه في الحياة الاقتصادية المدنية داخل السودان. وهذا بدوره يمكن أن يعزز موطئ قدم الجيش السوداني الاقتصادي الحالي ويقوي مقاومته المتأصلة لأي شكل من أشكال الإصلاحات الاقتصادية أو الرقابة التي يقودها المدنيون. وهذا الديناميكية يمكن أن تساهم بشكل غير مقصود في استمرار الهيمنة الاقتصادية للجيش السوداني وتردده في التنازل عن السلطة السياسية. فمن خلال ملاحظة وربما محاكاة نموذج مماثل من حليف إقليمي رئيسي، قد يجد الجيش السوداني مبررًا إضافيًا لأنشطته التجارية الواسعة، مما يعقد الجهود الرامية إلى إرساء السيطرة المدنية على الاقتصاد.
كان للصراع الأهلي الدائر في السودان تأثير شديد وضار على حجم وطبيعة التجارة بين مصر والسودان. 19 وقد أدى توقف معظم الأنشطة الاقتصادية داخل السودان بسبب الصراع إلى قلق كبير لمصر، التي تُعرف بأنها واحدة من أكثر الدول العربية والأفريقية تضررًا اقتصاديًا من الأزمة السودانية. 20 ويعتمد مدى التأثير طويل الأمد على العلاقات التجارية الثنائية بشكل مباشر على مدة الصراع الدائر وشدته. 20
إن التعطيل العميق للتجارة بين السودان ومصر بسبب الصراع 19 يوضح بجلاء كيف يمكن للاستقرار الداخلي في دولة ما أن يولد تأثيرات متتالية كبيرة وبعيدة المدى عبر جيرانها الإقليميين. هذا التعطيل الاقتصادي، الذي تفاقم بسبب حاجة الجيش السوداني الملحة للدعم الخارجي 3 ، يخلق فراغًا استراتيجيًا بشكل غير مباشر. ثم يتم استغلال هذا الفراغ من قبل مختلف الفاعلين الأجانب، بما في ذلك إيران وروسيا والإمارات العربية المتحدة، الذين يسعون إلى توسيع نفوذهم، لا سيما على أصول السودان الاستراتيجية مثل ميناء بورتسودان ومناجم الذهب المربحة. 3 وهذا يعني أن التداعيات الاقتصادية للصراع لا تسبب معاناة هائلة للسكان السودانيين فحسب، بل تحفز أيضًا القوى الخارجية على تعميق مشاركتها، غالبًا من خلال تقديم المساعدات العسكرية أو المالية. وهذا التدخل الخارجي، المدفوع بالمصالح الجيوسياسية والاقتصادية، يمكن أن يطيل أمد الصراع بشكل غير مقصود ويزيد من تعقيد أي آفاق مستقبلية للتوصل إلى حل سلمي أو انتقال ديمقراطي مستقر.
يتسم التاريخ السياسي للسودان بنمط متكرر من التدخلات العسكرية والانقلابات. فقد شهدت البلاد ثلاث تجارب ديمقراطية أُجهضت، لم تتجاوز مدتها الإجمالية 12 عامًا، على النقيض من 52 عامًا قضاها تحت الحكم العسكري. 1 غالبًا ما تُبرر الانقلابات العسكرية في السودان بسردية مؤامرات داخلية أو خارجية، يُزعم أنها تمنع الأحزاب السياسية المدنية من تحقيق النجاح الانتخابي. 1 ومن الأسباب الكامنة وراء التدخل العسكري المتكرر هو الاستقطاب السياسي العميق داخل البلاد، إلى جانب التسييس المنهجي للمؤسسة العسكرية نفسها. في هذا السياق، غالبًا ما يتصرف الضباط العسكريون كامتداد لحلفاء سياسيين مدنيين فشلوا في تحقيق أهدافهم من خلال الوسائل السياسية التقليدية. 28 وقد أوقف الانقلاب العسكري في أكتوبر 2021، الذي دبرته القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بشكل مشترك، الانتقال الديمقراطي الذي أعقب الإطاحة بعمر البشير. 2 وقد أنهى هذا الانقلاب فعليًا شراكة هشة بين العسكريين والمدنيين كانت تهدف إلى قيادة السودان نحو الديمقراطية. 2
يكشف النمط التاريخي الثابت للانقلابات العسكرية 1 والتسييس الواسع النطاق للمؤسسة العسكرية 28 بشكل جماعي عن مشكلة هيكلية متأصلة بعمق داخل النظام السياسي السوداني. فالجيش ليس فاعلاً محايدًا للدولة، بل هو لاعب سياسي نشط وحاسم في كثير من الأحيان، يتدخل بشكل متكرر بناءً على طلب فصائل سياسية مدنية تسعى إلى التحايل على العمليات الانتخابية الديمقراطية. وهذه الديناميكية تديم حلقة مفرغة تعزز نفسها، حيث تكون التحولات الديمقراطية الناشئة هشة بطبيعتها وعرضة للغاية للإطاحة بها كلما شعرت المصالح الاقتصادية والسياسية المتجذرة للجيش بالتهديد. وهذا يعني أن أي محاولة حقيقية ومستدامة للإصلاح الديمقراطي في السودان يجب أن تعالج بشكل أساسي وتفكك الدور السياسي المتجذر للجيش وأسسه الاقتصادية الواسعة، بدلاً من مجرد التركيز على اتفاقيات تقاسم السلطة السطحية التي أثبتت تاريخياً سهولة نقضها بقرار عسكري.
تُعد المصالح التجارية الواسعة والمربحة للجيش دافعًا أساسيًا لا جدال فيه لرغبته المستمرة في الحفاظ على السيطرة السياسية. 30 فالسيطرة على جهاز الدولة توفر للأجهزة الأمنية فرصًا مستمرة لتراكم الثروة، والأهم من ذلك، لحماية نفسها من أي شكل من أشكال المساءلة عن الانتهاكات الماضية أو المستقبلية. 2 ويتضح وجود صلة سببية واضحة: فقد أدت الإصلاحات الهيكلية التي بدأها مجلس الوزراء المدني، مثل رفع الدعم عن الوقود وتوحيد سعر الصرف، إلى تهديد مباشر للمصالح الاقتصادية المتجذرة بعمق للمؤسسة الأمنية. وقد برز هذا التهديد المباشر كأحد الدوافع الرئيسية وراء انقلاب أكتوبر 2021. 6 علاوة على ذلك، تم تحديد المزايا الاقتصادية الكبيرة لقوات الدعم السريع، لا سيما تلك المستمدة من تجارة الذهب المربحة للغاية، ورفضها القاطع التخلي عن هذه المزايا المربحة أو الخضوع للرقابة المدنية (بما في ذلك الاندماج في الجيش الوطني)، كعوامل رئيسية أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في أبريل 2023. 10
توفر البيانات أدلة دامغة على وجود صلة سببية مباشرة وقوية: فقد أدت الإصلاحات الاقتصادية التي قادها المدنيون والتي هددت المصالح المالية للجيش إلى انقلاب 2021 مباشرة. 6 وبالمثل، كان الرفض الثابت لقوات الدعم السريع للتخلي عن مزاياها الاقتصادية المربحة محفزًا رئيسيًا للحرب الأهلية المدمرة عام 2023. 10 يشير هذا النمط بشكل لا لبس فيه إلى أن الحفاظ على السلطة السياسية بالنسبة لكل من القوات العسكرية وشبه العسكرية ليس غاية في حد ذاته، بل هو وسيلة حاسمة لحماية إمبراطورياتهم الاقتصادية الواسعة والحفاظ عليها وتوسيعها. إن بقاءهم الاقتصادي وازدهارهم مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بهيمنتهم السياسية وسيطرتهم على موارد الدولة. وهذا الارتباط العميق بين الحفاظ على الذات الاقتصادية والسلطة السياسية يجعل أي شكل من أشكال التفاوض من أجل حكم مدني أو إصلاح شامل لقطاع الأمن أمرًا صعبًا للغاية. فمثل هذه الإصلاحات تهدد بشكل مباشر الشرايين المالية لهذه القوات العسكرية وشبه العسكرية القوية، مما يخلق حافزًا متأصلًا لهم للمقاومة بالقوة، وبالتالي إدامة الصراع وعدم الاستقرار.
خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت الإطاحة بالبشير، قاومت الأجهزة الأمنية باستمرار أي محاولات لفرض رقابة مدنية أو قيود على عملياتها. كما تراجعت عن المناقشات المتعلقة بالمساءلة عن الفظائع الماضية وحافظت بثبات على مصالحها التجارية الواسعة وعلاقاتها مع الرعاة الأجانب. 2 وقد سهّل الإطار القانوني نفسه هذه المقاومة: فالقانون الذي حول هيئة التصنيع الحربي (MIC) إلى منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) استبعد صراحة منظومة الصناعات الدفاعية من جميع اللوائح المالية والإدارية التي تحكم الوكالات العامة. وقد منحها ذلك درجة غير مسبوقة من الاستقلال المالي والإداري. 6 وقد أضفى هذا الشذوذ القانوني طابعًا مؤسسيًا على نقص عميق في الرقابة. وقد قوبلت دعوة رئيس الوزراء السابق حمدوك إلى الشفافية المالية والمساءلة داخل الشركات الحكومية والعسكرية بمقاومة كبيرة. وقد أقر علانية بأن استثمار المؤسسة العسكرية في قطاع الإنتاج، الذي أزاح فعليًا القطاع الخاص، كان ممارسة غير مقبولة. 14
إن الاستبعاد القانوني المتعمد لمنظومة الصناعات الدفاعية من الرقابة المالية العامة القياسية 6 ، بالإضافة إلى المقاومة المستمرة والصريحة للجيش للسيطرة المدنية 2 ، يوضح بوضوح استراتيجية محسوبة لإضفاء الطابع المؤسسي على استقلاليتهم الاقتصادية. لا يتعلق الأمر هنا بمجرد مسألة فساد فردي؛ بل يمثل تصميمًا منهجيًا حيث يُقصد من العمليات الاقتصادية العسكرية أن تعمل خارج نطاق مساءلة الدولة. وهذا الاستقلال المؤسسي يجعل الإمبراطورية الاقتصادية للجيش عقبة هائلة ومتجذرة بعمق أمام إرساء حكم ديمقراطي حقيقي وسيادة مدنية. وبالتالي، فإن تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي في السودان لا يتطلب مجرد اتفاقيات سياسية أو ترتيبات لتقاسم السلطة، بل يتطلب إعادة هيكلة أساسية وشاملة للأطر القانونية والمؤسسية التي تمنح الجيش حاليًا استقلاليته الاقتصادية الواسعة، وبالتالي حصانته.
اندلعت الحرب الأهلية المدمرة الحالية بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بشكل أساسي بسبب خلافات جوهرية تتعلق بالاندماج المقترح لقوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية. وتصاعدت التوترات بشكل كبير حول المستوى الدقيق للنفوذ والسيطرة الذي سيمارسه كل فصيل داخل الهيكل العسكري المتكامل المتصور. 3 ويُعتقد على نطاق واسع أن المحفز المباشر لاندلاع العنف هو صراع عنيف على السلطة للسيطرة على المؤسسات العسكرية والسياسية الرئيسية بين الفريق أول عبد الفتاح البرهان (قائد القوات المسلحة السودانية) ومحمد حمدان دقلو (قائد قوات الدعم السريع). 4 والأهم من ذلك، تم تحديد ثروة قوات الدعم السريع الكبيرة المستمدة من تعدين الذهب ورفضها القاطع التخلي عن هذه المزايا الاقتصادية المربحة كعوامل محورية في اندلاع الحرب. 10 وقد استفادت الفصائل المتحاربة بشكل واضح من التدفق غير المشروع للذهب، حيث استخدمت هذه الإيرادات بنشاط لتمويل جهودها الحربية والحفاظ عليها. 17
ترتبط أصول الصراع الحالي ارتباطًا مباشرًا ولا ينفصم بالصراع على السلطة بين قادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للسيطرة على مؤسسات الدولة 4 ، وبشكل أعمق، مقاومة قوات الدعم السريع الشديدة للاندماج في القوات المسلحة السودانية بسبب مصالحها الاقتصادية المربحة للغاية، لا سيما في تعدين الذهب. 10 يوضح هذا الديناميكية بوضوح أن المنافسة الاقتصادية والرغبة الشديدة في السيطرة على الموارد الطبيعية القيمة (مثل الذهب، الذي تستغله وتستفيد منه كلا الجانبين بنشاط 17 ) ليست مجرد نتائج عرضية للحرب، بل هي في الواقع محركات أساسية ومتجذرة بعمق للصراع نفسه. وبالتالي، فإن الحرب الجارية ليست صراعًا أيديولوجيًا أو سياسيًا فقط، بل هي في جوهرها منافسة عنيفة من أجل التفوق الاقتصادي والسيطرة على الموارد الوطنية. وهذا يجعل التوصل إلى حل سلمي صعبًا للغاية دون معالجة شاملة وتفكيك الحوافز الاقتصادية الكامنة التي تغذي جانبي الصراع وتديم حلقة العنف.
تحول السودان، لا سيما تحت حكم عمر البشير الذي استمر ثلاثين عامًا، بشكل أساسي إلى “دولة لصوصية”. وخلال هذه الفترة، تم تحويل الموارد العامة بشكل منهجي إلى المقربين من النظام وأفراد الأسرة والجهات المسلحة المختلفة. 29 وقد استند هذا النظام الفاسد إلى “قوانين مصممة خصيصًا” لخدمة مصالح ضيقة على حساب المصلحة العامة الأوسع. 29
حتى في فترة ما قبل الحرب، كان الفساد والانتهاكات المالية منتشرين على نطاق واسع. فقد استفاد العديد من رجال الأعمال من امتيازات وتسهيلات غير مبررة بسبب صلاتهم الوثيقة بقادة الانقلاب العسكري. 6 وتركز الفساد بشكل خاص في تجارة الذهب المربحة للغاية وقطاع استيراد النفط المحتكر. 6 وقد أدى “اقتصاد الحرب” الحالي إلى تفاقم الفساد المؤسسي، مع التخلي المتكرر عن إجراءات الرقابة والتحكم. وغالبًا ما يتم استخدام العنف والتهديد بالعنف لإجبار المدنيين على دفع رسوم وضرائب غير مشروعة، سواء للحكومة في بورتسودان أو للإدارات المحلية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. 6
تستخدم منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) نظامًا معقدًا لإخفاء الملكية الحقيقية لشركاتها التابعة وتأمين خطابات اعتماد مواتية للغاية من البنك المركزي السوداني. ومما يثير القلق أن منظومة الصناعات الدفاعية تتخلف في كثير من الأحيان عن سداد القروض التي تحصل عليها بموجب هذه الشروط المواتية، وتُستخدم ضمانات الأموال المواتية هذه بعد ذلك للتنافس بشكل غير عادل مع الشركات المدنية المشروعة. 9 والأهم من ذلك، أنه بسبب هيكل ملكيتها الغامض ومختلف الإعفاءات الضريبية، فإن منظومة الصناعات الدفاعية لا تساهم إلا بقدر ضئيل للغاية، إن وجدت، في إيرادات الدولة السودانية. 9
كما تشارك قوات الدعم السريع في أنشطة تجارية كبيرة، حيث تعيد استثمار الأرباح الكبيرة الناتجة عن تجارة الذهب في صناعات أخرى. 10 وقد تم تحديد تجارة الذهب غير المشروعة بشكل لا لبس فيه كآلية أساسية لإثراء جنرالات الأطراف المتحاربة، مما يساعد بشكل مباشر في دفع ثمن الطائرات المسيرة والبنادق والصواريخ التي تسببت في وفيات ودمار واسع النطاق. 17
توضح الأدلة الواسعة من البيانات بوضوح أن الفساد ليس مجرد أثر جانبي مؤسف أو نشاط إجرامي معزول، بل هو سمة أساسية ومنهجية لنموذج الجيش الاقتصادي. 6 ويُظهر بشكل خاص أن تجارة الذهب غير المشروعة تمول بشكل مباشر جهود الحرب لكل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. 17 تشير هذه الصلة السببية القوية إلى أن الفساد، بعيدًا عن كونه قضية هامشية، هو مكون أساسي وضروري لاقتصاد الحرب. فهو يوفر الوسائل المالية اللازمة للحفاظ على الصراع العسكري، وشراء الأسلحة، والأهم من ذلك، لمقاومة أي محاولات للمساءلة أو الرقابة المدنية. ونتيجة لذلك، فإن معالجة الفساد في السودان ليست مجرد إجراء لمكافحة الجريمة؛ بل هي مكون حاسم ولا غنى عنه لأي استراتيجية قابلة للتطبيق لبناء السلام أو الانتقال الديمقراطي. فبدون تفكيك هذه الشبكات الاقتصادية الفاسدة والمتجذرة بعمق، ستظل الحوافز المالية القوية لاستمرار الصراع قائمة، مما يجعل السلام الدائم بعيد المنال.
تُعد “الراكوبة”، وهي منصة إخبارية سودانية بارزة على الإنترنت، مصدرًا صريحًا لتقارير حاسمة تتعلق بمنظومة الصناعات الدفاعية (DIS). على وجه التحديد، يشير تقرير الشفافية السودانية إلى مقال للراكوبة بعنوان “منظومة الصناعات الدفاعية: أخذت كل شيء ولم تعطِ شيئًا”، نُشر في 5 نوفمبر 2020. 6 وفي حين أن المقتطف لا يقدم المحتوى الكامل لمقال الراكوبة، فإن عنوانه وسياقه يشيران بقوة إلى أنه يسلط الضوء على فشل منظومة الصناعات الدفاعية في المساهمة بشكل هادف في إيرادات الدولة على الرغم من أنشطتها الاقتصادية الواسعة وامتيازاتها الفريدة. 9 وهذا يعزز السرد الأوسع للاستغلال الاقتصادي العسكري وعدم المساءلة.
يشير الاستشهاد الصريح بـ “الراكوبة” 6 من قبل مصدر تحقيقي موثوق مثل تقرير الشفافية السودانية إلى أن منصات الإعلام المستقلة المحلية تلعب دورًا حاسمًا وشجاعًا في فضح الفساد العسكري. ويحدث هذا حتى في بيئة مقيدة حيث تفتقر الرقابة الحكومية والمساءلة بشكل كبير. 6 وهذا يشير إلى أنه على الرغم من مواجهة الرقابة والمخاطر والموارد المحدودة، فإن هذه المنصات تعمل كمصادر حيوية للمعلومات للجمهور والمجتمع الدولي، مما يساهم في شكل ناشئ من المساءلة العامة. وبالتالي، فإن دعم وحماية وسائل الإعلام المستقلة والصحافة الاستقصائية في السودان لا يتعلق فقط بحرية الصحافة، بل هو مكون أساسي لتعزيز الشفافية، وتحدي سردية الجيش للشرعية، وفي نهاية المطاف، مساءلة الفاعلين الأقوياء عن الأنشطة غير المشروعة.
تحتوي “سودانيز أونلاين”، وهي منصة إلكترونية مهمة أخرى للأخبار والنقاش السوداني، على تقارير مختلفة تتعلق بالفساد داخل الجيش. يشير أحد المقتطفات على وجه التحديد إلى تقرير بعنوان “فساد قادة جيش الكيزان” بتاريخ 24 يناير 2024، والذي يفصل تحقيقًا عسكريًا داخليًا في فساد مزعوم ينبع من مكتب جنرال. 31 تعمل المنصة أيضًا كمضيف لمقالات وبيانات وبيانات من مجموعات متنوعة، بما في ذلك منظمات الشتات مثل اتحاد دارفور في المملكة المتحدة. 32 غالبًا ما تتناول هذه المساهمات قضايا ملحة مثل جرائم الحرب والأزمات الإنسانية والتأثير الضار للنفوذ الأجنبي على السودان. وعلى الرغم من أن معظمها لا يركز بشكل مباشر على
الفساد العسكري من الناحية المالية الصريحة، إلا أن العديد منها يسلط الضوء ضمنيًا أو صراحة على عواقب السلطة العسكرية غير المقيدة والأنشطة غير المشروعة على الحكم وحقوق الإنسان.
يؤكد دور “سودانيز أونلاين” كمنصة تجمع تقارير متنوعة، بما في ذلك تلك الواردة من مجموعات الشتات مثل اتحاد دارفور 32 ، الوظيفة الحاسمة للصحافة المواطنة وشبكات الشتات في توثيق ونشر المعلومات حول الفساد العسكري والانتهاكات ذات الصلة لحقوق الإنسان. إن الإشارة إلى تحقيق عسكري داخلي في الفساد 31 ذات دلالة خاصة، مما يشير إلى أنه حتى داخل التسلسل الهرمي العسكري، توجد حالات سوء سلوك مزعومة تستدعي التدقيق، على الرغم من أن الفعالية والشفافية النهائية لمثل هذه التحقيقات الداخلية تظل موضع شك كبير بالنظر إلى الطبيعة المنهجية للمشكلة. هذه المنصات لا تقدر بثمن لتجميع وتضخيم الأصوات التي قد يتم قمعها في السودان. فهي توفر سردًا مضادًا حاسمًا للبيانات العسكرية الرسمية وتساهم بشكل كبير في فهم أكثر شمولاً ودقة للدوافع الكامنة وراء الصراع، بما في ذلك دور الفساد.
من المهم الإشارة إلى أنه لم يتم تقديم محتوى مباشر من SudanReeves.com بشكل صريح ضمن البيانات البحثية. ومع ذلك، يطلب استعلام المستخدم تحديدًا تضمينه، ويتم تأكيد الموضوعات المرتبطة عادةً بمثل هذه المنصات الاستقصائية – الجرائم الاقتصادية التي تغذي الصراع وتقوض الحكم – بقوة من خلال مصادر موثوقة أخرى ضمن المواد المقدمة.
تقدم تقارير من منظمات دولية بارزة مثل “ذا سنتري” (The Sentry) و”الشفافية الدولية” (TI-Defence) سياقًا حاسمًا وتحليلاً مفصلاً. يسلط تقرير “ذا سنتري” الصادر في نوفمبر 2021 الضوء على “الحوافز الفاسدة للخدمات العسكرية والأمنية” وكيف أن هذه الكيانات “تختطف الاقتصاد السوداني لمصالحها الخاصة”. 2 ويذكر صراحة أن السيطرة على جهاز الدولة توفر للأجهزة الأمنية فرصًا مستمرة لتراكم الثروة، وفي الوقت نفسه حماية نفسها من المساءلة عن الانتهاكات الماضية والمستقبلية. 2
ويربط تقرير “الشفافية الدولية” المعنون “فوضى مطلقة” (Chaos Unchained)، الذي نُشر في فبراير 2025، بشكل صريح بين الفساد المنهجي، والنهب اللصوصي لموارد البلاد، والتراخي في تطبيق حظر الأسلحة، والصراع الدائر وعواقبه الإنسانية المدمرة. 10 ويقيم التقرير بشكل نقدي أن “الفساد منتشر على نطاق واسع في القطاع ولا توجد آليات لمكافحة الفساد تقريبًا” داخل المؤسسات الدفاعية السودانية. 10 ويوضح كذلك أن الغياب الواسع للمساءلة قد مكّن كلاً من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع من إعادة توجيه مؤسسات الدفاع والأمن الحكومية للإثراء غير المشروع لكبار المسؤولين الأمنيين، وبالتالي خلق اقتصاد تهيمن عليه المصالح العسكرية بشكل ساحق. 10
علاوة على ذلك، وجد تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان (والذي يقدم رؤى سياقية ذات صلة بأنماط الفساد العسكري الإقليمية) أن التحويل غير المشروع للأموال من قبل النخب السياسية يغذي الصراع بشكل مباشر ويقوض حقوق الإنسان. ويورط هذا التقرير بشكل خاص الأفراد العسكريين في هذه الجرائم الاقتصادية. 33 وهذا يسلط الضوء على نمط إقليمي أوسع حيث تعد الأنشطة الاقتصادية العسكرية غير المشروعة محركًا مهمًا لعدم الاستقرار.
تقدم التقارير المفصلة من “ذا سنتري” و”الشفافية الدولية” 2 إطارًا تحليليًا على المستوى الكلي، يوضح بوضوح الصلة المنهجية بين الفساد المتجذر بعمق داخل الجيش وبدء الصراع وإدامته في السودان. وتشير الإشارة الصريحة إلى التراخي في تطبيق حظر الأسلحة 10 ، إلى جانب تورط الشركات الدولية والبنوك متعددة الجنسيات في تسهيل التدفقات المالية غير المشروعة 33 ، بقوة إلى أن الفساد العسكري السوداني ليس قضية محلية معزولة. بل هو متكامل بشكل معقد في شبكات مالية عالمية أوسع نطاقًا وغير مشروعة، يستفيد منها ويساهم في شبكة معقدة من التواطؤ الدولي. وهذا البعد العالمي يعني أن الحلول الفعالة لمعالجة الفساد والصراع في السودان تتطلب نهجًا دوليًا شاملاً ومنسقًا. ويجب أن يشمل ذلك ليس فقط عقوبات مستهدفة على الشبكات الاقتصادية العسكرية، بل أيضًا تطبيقًا صارمًا لتدابير مكافحة غسيل الأموال وضغطًا دبلوماسيًا مستمرًا على الدول التي تقدم دعمًا عسكريًا واقتصاديًا مباشرًا أو غير مباشر للفصائل المتحاربة، وبالتالي تعطيل الشرايين المالية التي تديم الحكم اللصوصي والصراع.
فرضت الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على مسؤولي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، وكذلك على الشركات التابعة لهما، بما في ذلك منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) وشركة الجنيد للأنشطة المتعددة المحدودة. وتُفرض هذه العقوبات على أساس أن هذه الكيانات تهدد السلام والاستقرار في السودان. 9 وتشمل العقوبات تدابير مثل قيود التصدير إلى السودان وتجميد الأصول التي تستهدف كبار مسؤولي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع. 3
ومع ذلك، فإن فعالية هذه العقوبات الدولية تتحدى بشكل كبير من خلال هياكل الملكية المعقدة وغير الشفافة والأنظمة المعقدة التي تستخدمها الشركات العسكرية لإخفاء أنشطتها والتهرب من الكشف. 9 وإدراكًا لهذه التحديات، أوصت شبكة مكافحة الجرائم المالية التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية (FinCEN) بإصدار إرشادات خاصة بمخاطر غسيل الأموال المرتبطة بالقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع والشركات الخاضعة لسيطرتها. 2 وعلى الرغم من فرض العقوبات، فإن التدفق المستمر للأسلحة والمساعدات المالية من مختلف الفاعلين الأجانب (بما في ذلك إيران وروسيا والإمارات العربية المتحدة) قد شجع بشكل واضح الأطراف المتحاربة، مما ساهم بشكل مباشر في إطالة أمد القتال وتكثيفه. 4
بينما تُفرض العقوبات الدولية 3 بهدف تقليص القوة الاقتصادية للجيش، تكشف البيانات أن الكيانات العسكرية تستخدم بنشاط أساليب معقدة وغير شفافة للتهرب من هذه العقوبات. 9 علاوة على ذلك، فإن استمرار تقديم الدعم والمشاركة في الأنشطة الاقتصادية (مثل تجارة الذهب مع الإمارات العربية المتحدة 17 ) من قبل مختلف الفاعلين الأجانب يقوض بشكل مباشر التأثير المقصود لهذه العقوبات. يشير هذا إلى أن النظام المالي العالمي، إلى جانب التنافسات الجيوسياسية والسعي وراء مصالح الدول الفردية، يمكّن بشكل غير مقصود أو مباشر مرونة الجيش السوداني الاقتصادية وقدرته على إدامة الصراع. وهذا يسلط الضوء على أن العقوبات وحدها لا تكفي لمعالجة القضايا المتجذرة للسيطرة الاقتصادية العسكرية والفساد في السودان. تتطلب استراتيجية أكثر شمولاً وفعالية تعاونًا دوليًا أقوى، وتبادل معلومات استخباراتية معززًا، وتطبيقًا صارمًا ضد جميع الكيانات التي تسهل التدفقات المالية غير المشروعة. يجب أن يقترن ذلك بضغط دبلوماسي مستمر على الدول التي تقدم دعمًا عسكريًا واقتصاديًا للفصائل المتحاربة، وبالتالي إغلاق السبل الحيوية للتهرب من العقوبات والتواطؤ الخارجي.
الجدول 2: ملخص مزاعم الفساد الرئيسية والمصادر المرتبطة بها
فئة الادعاء
أمثلة/تفاصيل محددة
الكيانات/الجهات الفاعلة المتأثرة
المصدر/المنصة
معرفات البيانات
تحويل الأموال العامة
82% من الأموال العامة خارج سيطرة وزارة المالية؛ تحويل منهجي للموارد العامة إلى المقربين من النظام والجهات المسلحة
القوات المسلحة السودانية (SAF)، قوات الدعم السريع (RSF)، مسؤولون عسكريون/شبه عسكريون، رجال أعمال مرتبطون
تقرير الشفافية السودانية، ذا سنتري، لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان
6
التجارة غير المشروعة
تجارة الذهب غير المشروعة تمول جهود الحرب؛ احتكار استيراد النفط
قوات الدعم السريع (RSF) (خاصة تعدين الذهب)، القوات المسلحة السودانية (SAF) (خاصة الذهب شمال السودان)، عائلة دقلو، شركات مرتبطة بالجيش
ذا سنتري، الشفافية الدولية، تقرير الشفافية السودانية، يوتيوب
6
المنافسة غير العادلة/تشويه السوق
منظومة الصناعات الدفاعية تتخلف عن سداد القروض؛ تستخدم ضمانات الأموال المواتية للتنافس غير العادل؛ إزاحة القطاع الخاص
منظومة الصناعات الدفاعية (DIS)، شركات الجيش المدنية، القطاع الخاص المدني
وزارة الخزانة الأمريكية (OFAC)، تقرير الشفافية السودانية، الجزيرة نت
6
غياب الشفافية/الرقابة
إعفاء منظومة الصناعات الدفاعية من اللوائح المالية والإدارية؛ هياكل ملكية غامضة للشركات العسكرية؛ غياب آليات مكافحة الفساد
منظومة الصناعات الدفاعية (DIS)، شركات الجيش، الأجهزة الأمنية
تقرير الشفافية السودانية، الشفافية الدولية، الجزيرة نت
6
المحسوبية/منح الامتيازات
رجال أعمال يستفيدون من امتيازات بسبب صلاتهم بقادة الانقلاب؛ قوانين مصممة خصيصًا لخدمة مصالح ضيقة
مسؤولون عسكريون، رجال أعمال مرتبطون بالنظام
تقرير الشفافية السودانية، U4
6
استخدام موارد الدولة لتحقيق مكاسب خاصة
إعادة توجيه مؤسسات الدفاع والأمن لإثراء المسؤولين؛ نهب الذهب من المنازل والبنوك
القوات المسلحة السودانية (SAF)، قوات الدعم السريع (RSF)، مسؤولون أمنيون رفيعو المستوى
الشفافية الدولية، يوتيوب
10
فساد قادة الجيش
تحقيق داخلي في فساد قادة الجيش
قادة الجيش السوداني
سودانيز أونلاين
31
خلاصة العلاقة السببية القوية بين المصالح الاقتصادية العسكرية والفساد والهيمنة السياسية
إن التورط العميق والواسع للجيش السوداني في الاقتصاد الوطني، وبشكل أساسي من خلال كيانات غامضة مثل منظومة الصناعات الدفاعية (DIS) والشبكة الواسعة من الشركات التابعة لقوات الدعم السريع، ليس مجرد مصدر للثروة غير المشروعة، بل هو عامل تمكين وضامن أساسي لسلطته السياسية. وقد أدت هذه الإمبراطورية الاقتصادية الواسعة، التي تتميز بغموضها المتأصل، وإعفاءاتها القانونية الفريدة، وممارستها المتعمدة للمنافسة غير العادلة، إلى تقويض الاقتصاد المدني المشروع وإضعاف مؤسسات الدولة بشكل خطير.
إن السعي الدؤوب والحماية المتحمسة لهذه المصالح الاقتصادية المربحة للغاية، لا سيما في القطاعات الحيوية مثل تعدين الذهب، قد غذى بشكل مباشر التدخلات السياسية العسكرية، بما في ذلك انقلاب عام 2021 المحوري والحرب الأهلية المدمرة الجارية. وهذه الصراعات هي، في جوهرها، منافسات عنيفة حيث تتنافس الفصائل العسكرية بشدة على السيطرة على الموارد الحيوية وتقاوم بشدة أي محاولات للرقابة المدنية أو الإصلاحات الديمقراطية. والأهم من ذلك، أن الفساد ليس شذوذًا، بل هو متجذر بعمق ومؤسسي داخل هذه الهياكل الاقتصادية العسكرية. ويعمل كآلية أساسية لإثراء النخبة، وبشكل حاسم، كوسيلة لتمويل وإدامة الصراع، مما يخلق حلقة مفرغة ومدمرة من العنف وعدم الاستقرار.
مناقشة التداعيات على استقرار السودان وانتقاله الديمقراطي
تمثل الهيمنة الاقتصادية المتجذرة للجيش والفساد المتفشي الذي يغذيه عقبة لا يمكن تجاوزها أمام تحقيق أي شكل من أشكال السلام الدائم، أو إرساء حكم ديمقراطي حقيقي، أو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة في السودان. فالصراع الحالي ليس صراعًا سياسيًا أو عسكريًا فحسب، بل هو في جوهره منافسة وحشية وعنيفة على السيطرة الاقتصادية والاستيلاء على الموارد. وهذا البعد الاقتصادي المتأصل يجعل جهود السلام التقليدية غير فعالة إلى حد كبير دون معالجة شاملة للحوافز المالية الكامنة التي تدفع الأطراف المتحاربة. يؤدي التآكل المنهجي لمؤسسات الدولة، والإزاحة المتعمدة للقطاع الخاص، والتحويل المتفشي للموارد الوطنية لتحقيق مكاسب خاصة إلى إدامة حلقة مفرغة من الفقر والركود الاقتصادي وعدم الاستقرار المزمن، مما يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية المروعة بالفعل.
توصيات لتعزيز الشفافية والمساءلة والسيطرة المدنية على الأنشطة الاقتصادية العسكرية
لتحقيق الاستقرار الدائم والانتقال الديمقراطي في السودان، يجب اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة المصالح الاقتصادية المتشابكة للجيش والفساد الذي يغذيها:
اقتراحات للمشاركة الدولية والتدابير المستهدفة
يجب على المجتمع الدولي أن يتبنى نهجًا متعدد الأوجه لمعالجة الأزمة في السودان: