تمكن الجيش السوداني وحلفاؤه أمس السبت من التصدي لهجوم عنيف شنته قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور والإقليم لليوم الثالث على التوالي، غير أنه هذه المرة كان هجوماً مشتركاً شاركت فيه قوات الجيش الشعبي التابع لحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان/ شمال، بقيادة عبدالعزيز الحلو، مما عده مراقبون تطوراً لافتاً في سعي تلك القوات إلى تكثيف الضغط العسكري بهدف إسقاط المدينة.
وكشف المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة في السودان، العقيد أحمد حسين مصطفى، أن القوات تمكنت من صد الهجوم رقم 225 على المحور الشرقي للمدينة والاتجاه الشرقي للسوق بمشاركة نخبة من قوات الميليشيات الخاصة وقوات حركة عبدالعزيز الحلو ومرتزقة أجانب تمت الاستعانة بهم في هذا الهجوم.
وأكد مصطفى أن الميليشيات ظلت تواصل هجماتها المكثفة بصورة يومية صباحاً ومساءً على المدينة من دون انقطاع منذ الخميس الماضي، بمشاركة مرتزقة كولومبيين ومن جنوب السودان وإثيوبيا بأعداد كبيرة، مؤكداً امتلاكهم كل الأدلة التي تثبت ذلك، إضافة إلى مشاركة قوات ما يسمى تحالف (تأسيس)، التابعة لكل من الطاهر حجر، والهادي إدريس والحلو عضوي مجلس السيادة الانتقالي السابقين، إلى جانب استخدامها المسيرات الاستراتيجية والانتحارية، إلا أن الجيش وحلفاؤه أحبطوا كل تلك الهجمات.
وفق المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة فإن العشرات قتلوا وجرى أسر مجموعة كبيرة من الميليشيات والمرتزقة المشاركين في الهجوم بينهم قائد ميداني يحمل الجنسية الكولومبية، إلى جانب تدمير عدد كبير من المركبات القتالية.
وأكدت مصادر عسكرية أن مضادات الفرقة السادسة مشاة للجيش أسقطت أمس طائرة مسيرة استراتيجية تتبع للميليشيات كانت تشارك في الهجوم على الفاشر.
في الأثناء نفى والي الولاية المكلف، الحافظ بخيت، ما أشيع عن تعرضه لمحاولة اغتيال أثناء خروجه من مدينة الفاشر، مبيناً أن ما يجري الترويج له في هذا الخصوص إشاعات لا أساس لها من الصحة.
وعد بخيت، في مقطع فيديو من داخل الفاشر أن مثل هذه الأنباء هي جزء من حملة تضليل تهدف إلى التغطية على فشل ميليشيات “الدعم السريع” في دخول المدينة، مضيفاً، “على رغم التحديات الأمنية والإنسانية التي تمر بها فإن الفاشر ستظل صامدة وآمنة”.
وكشف الوالي عن ترتيبات تجريها الحكومة الاتحادية لفك الحصار عن المدينة، مشيراً إلى أن أخباراً سارة ستعلن خلال الأيام المقبلة.
ومع إقرار الوالي المكلف بتدهور الأوضاع المعيشية في الفاشر، لكنه أشار إلى بعض الانفراج فيها مع بداية موسم الخريف، حيث عادت بعض المنتجات الغذائية للظهور في الأسواق، على رغم ارتفاع أسعارها فضلاً عن شروع السكان في استغلال الأراضي الزراعية داخل المدينة لتوفير الغذاء.
في هذا الوقت تغرق مدينة الفاشر في مأساتها وأوضاعها الإنسانية الكارثية المتفاقمة جراء الحصار المفروض عليها من قبل قوات “الدعم السريع” والهجمات وعمليات القصف المدفعي العشوائي المتكررة عليها منذ أكثر من عام.
وعبر منتدى العمل الطوعي للتنمية بالسودان عن قلقه وألمه الشديد إزاء الكارثة التي تشهدها المدينة في انتهاك لكل الأعراف الإنسانية والقوانين الدولية والقرارات الأممية.
وأوضح بيان للمنتدى، وهو منبر طوعي غير حكومي يضم 100 منظمة طوعية إلى جانب متخصصين فاعلين في قطاع العمل التطوعي والإنساني في السودان، أن مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء بالمدينة باتوا يواجهون خطر الموت جوعاً ومرضاً في ظل انقطاع الكهرباء والاتصالات وانهيار الخدمات الصحية ونقص فادح في الغذاء والمياه والأدوية وسط قصف مستمر واستهداف مباشر للمدنيين والمرافق الحيوية.
وحمل البيان المؤسسات الأممية والمنظمات الدولية والإقليمية المسؤولية الكاملة عما يتعرض له المدنيون في الفاشر، مطالباً بتحرك عاجل للضغط على “الدعم السريع” لرفع الحصار عنها وفتح ممرات آمنة لوصول الإغاثة وتوفير الحماية للمدنيين، لافتاً إلى تجاهلها قرار مجلس الأمن الدولي 2736 بإنهاء حصار المدينة وضمان وصول المساعدات الإنسانية، وكذلك الهدنة الموقتة التي طرحها الأمين العام للأمم المتحدة واستجابت لها الحكومة.
وأطلق المنتدى نداءً إنسانياً إلى الضمير العالمي جاء فيه “إن الفاشر تستغيث وما يحدث فيها وصمة عار في جبين الإنسانية ولن يغفر التاريخ لمن يرون الجريمة ويصمتون، إذ لم يعد الصمت ممكناً ولا التقاعس مقبولاً”.
كما أعلنت منسقية النازحين واللاجئين بدارفور عن استمرار التدهور الإنساني والجوع والتصاعد الخطر لوباء الكوليرا بمعسكرات النزوح بالإقليم بتسجيل 2719 إصابة و49 وفاة.
وحذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية محلية وعالمية من خطورة تفشي وباء الكوليرا في مناطق واسعة من إقليم دارفور، في ظل الأوضاع الصحية المتردية وانعدام الغذاء والدواء.
وكشف مرصد شمال دارفور لحقوق الإنسان عن احتجاز الميليشيات عشرات النساء في مقر الإمدادات الطبية جنوب شرقي الفاشر، ومعسكر جديد السيل أقصى شرق الشمال الشرقي لها.
وأشار بيان للمرصد إلى تعرض المحتجزات لعنف وانتهاكات جنسية وتزويج بعضهن بصورة قسرية داخل المعتقلات، مطالباً المؤسسات الدولية والحقوقية بالتحرك للكشف عن عدد ومصير المعتقلات وضمان سلامتهن الجسدية والنفسية.
وتتخذ قوات “الدعم السريع” من الأحياء السكنية التي تسيطر عليها في شرق وجنوب الفاشر قاعدة لشن هجماتها على المدينة ومراكز للاحتجاز.
إلى ذلك انعقد بالعاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان لقاءً جامعاً لأبناء دارفور، برعاية حاكم الإقليم مني أركو مناوي، لبحث كيفية دحر الميليشيات من مدينة الفاشر المحاصرة.
وأكد مناوي أمام الملتقى بحضور عدد من الوزراء والولاة وقادة حركات دارفور المسلحة وأعيان وتنسيقيات وكيانات ورموز دارفور ضرورة إنقاذ مدينة الفاشر المحاصر فيها ما يقارب 518 أسرة باتت معرضة للموت جوعاً بسبب حجز الميليشيات قوافل الإغاثة.
وفي محور شمال كردفان الذي يشهد تصعيداً للاشتباكات والمعارك، تواصل قوات “الدعم السريع” حشد قواتها لمهاجمة العاصمة الولائية الأبيض في مناطق بارا شمالها والحمادي والدبيبات وكازقيل جنوبها والنهود والخوي وأم صميمة وأم كريدم غرباً.
وقصفت مدفعية الفرقة الخامسة أمس مواقع “الدعم السريع” شمال المدينة، فيما تابع الطيران الحربي للجيش غاراته العنيفة على تلك التجمعات وكذلك في غرب وشمال الإقليم بخاصة بمناطق الخوي وأبو زبد والنهود والمزروب حيث تتمركز بها قوات كبيرة من مقاتلي “الدعم السريع” منذ أشهر عدة.
وكشفت مصادر ولائية أن الغارات أسفرت عن تدمير عدد من المركبات القتالية، ومقتل عشرات العناصر في تلك المتحركات التي تستهدف شن هجوم على مدينة الأبيض.
واتهم ناشطون بشمال كردفان قوات “الدعم السريع” بمواصلة هجماتها على القرى والأرياف بالولاية، وارتكاب انتهاكات كبيرة ضد المواطنين، مما أدى إلى مقتل ونزوح الآلاف منهم بحثاً عن مناطق آمنة في ظروف إنسانية وصحية سيئة.
ناشد المتطوعون المنظمات الإنسانية بالضغط على قوات “الدعم السريع” لوقف استهدافها للقرى والمدنيين وفتح ممرات آمنة لخروج الفارين من القتال.
في جنوب كردفان تكابد الأسر في مدينتي الدلنج وكادوقلي عاصمة الولاية انعدام السلع والمواد الغذائية في الأسواق نتيجة إغلاق الطريق القومي الرابط بينها وبين شمال كردفان، بواسطة “الدعم السريع” والحركة الشعبية/ شمال، مما يزيد من تفاقم من الوضع الإنساني والمعيشي يوماً بعد يوم.
ووصفت مصادر طبية بمدينة كادوقلي الوضع الصحي في المدينة بأنه أصبح أكثر تعقيداً، نتيجة عدم قدرة المرضى على الوصول إلى المستشفيات لتلقي العلاج في وقت تضعف فيه الاستجابة لتفشي مرض الكوليرا، لعدم توفر الأدوية ومطلوبات مكافحة المرض، مما حدا بالسكان إلى اللجوء للعلاج بالطرق التقليدية، مما يزيد من معدلات التفشي والوفيات.
سياسياً أطلق التحالف المدني لقوى الثورة (صمود)، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، حملة جماهيرية ودبلوماسية وقانونية لتصنيف المؤتمر الوطني (المنحل) والحركة الإسلامية منظومة إرهابية.
وأكد بيان للتحالف استعداده للحوار مع أي مجموعة إسلامية ترفض الحرب وتدعو إلى الحل السلمي والديمقراطية التعددية ودولة المواطنة المتساوية.
ووصف البيان مشروع الحركة الإسلامية بأنه يقوم على الأفكار الأحادية ويرفض التعددية، ويرى في معارضته كفراً، مشيراً إلى أن مجلس الأمن سبق أن حملها مسؤولية محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق حسني مبارك في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
اتهم تحالف (صمود) الحركة الإسلامية بالسعي إلى تصفية ثورة ديسمبر (كانون الأول) منذ اندلاع الحرب الراهنة في السودان منتصف أبريل (نيسان) 2023، إذ لا تمانع في الوصول إلى اتفاق بتقاسم السلطة مع “الدعم السريع”، مشيراً إلى أن السودانيين قاوموا مشروعها الأحادي مقاومة مدنية وعسكرية، لكنها تراجعت عنه وقبلت التعددية بصورة تكتيكية، ووظفت موارد البلاد من أجل تخريب الحياة السياسية بالرشى وصناعة الفتن واحتواء المنصات المستقلة.