آخر الأخبار

الدراما السودانية... إنتاج غائب في حضور الحرب

شارك

ملخص

يرى منتجون ومتخصصون في المجال أن هناك محاولات بذلت لتناول وعكس واقع البلاد المأسوي، لكن اصطدمت بعائق التمويل وعوامل ومخاوف أخرى، مما فتح باب النقاش حول الدور المفترض أن تؤديه الدراما في ظل هذه الأحداث المؤلمة.

تشهد الدراما السودانية بعد مرور أكثر من عامين من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” تحديات إنتاجية ومجتمعية، تعوق تناولها المباشر لهذا الصراع الذي أحدث دماراً هائلاً في البنى التحتية للبلاد وآلاف القتلى والجرحى، فضلاً عن حركة نزوح تعد الأعلى عالمياً بسبب الانتهاكات الوحشية بحق المدنيين وسط اتهامات بالتهرب أو التجميل.

في المقابل، يرى منتجون ومتخصصون في المجال أن هناك محاولات بذلت لتناول وعكس واقع البلاد المأسوي، لكن اصطدمت بعائق التمويل وعوامل ومخاوف أخرى، مما فتح باب النقاش حول الدور المفترض أن تؤديه الدراما في ظل هذه الأحداث المؤلمة.

صراع داخلي

المخرجة والكاتبة فتحية محمد خير قالت إن “كثيراً من صناع الدراما يعيشون في صراع داخلي، بين الرغبة في قول الحقيقة والخوف من تبعاتها ونحن كصناع دراما نتحرك في حقل ألغام، وأحياناً يطلب منا تقديم عمل عن الوضع القائم لكن دون ذكر أسماء، أو دون تصوير مشاهد الحرب بصورة مباشرة، فهناك خوف من السلطة ومن المجتمع ومن فقدان التمويل، وهذا يخلق دراما مشوهة، نصف صادقة ونصف خائفة”.

وأضافت فتحية “الرقابة ليست فقط سياسية بل اجتماعية أيضاً، الناس لم يستعدوا بعد لرؤية مأساتها معروضة على الشاشة، إذ لا يزال الجرح مفتوحاً وما زلنا نحاول استيعاب ما حدث، كثر يفضلون الهرب نحو الكوميديا أو الحنين بدلاً من مواجهة الواقع بصورة مباشرة”.

وأردفت المخرجة والكاتبة السودانية “هذا الابتعاد من المواجهة يطرح إشكالية فنية وأخلاقية في آن واحد، لأن تكرار إنتاج دراما لا تحاكي واقع الحرب السودانية كما هو قائم، يعمق الفجوة بين ما يعيشه الناس وما يعرض عليهم، وحتى الآن تبدو الأعمال التي عرضت بعد اندلاع الحرب إما موجهة للتسلية الخفيفة أو إعادة تدوير لقصص قديمة بعيدة من المشهد الحالي”.

ضغوط وصعوبات

في السياق، أوضح الممثل السوداني عصام عمر أن “صناع الدراما في السودان يواجهون ضغوطاً متعددة، منها ما يتعلق بطبيعة الجمهور ومنها ما يتصل بالجهات المنتجة أو الممولة”.

وتابع عمر “الدراما لا تعمل في فراغ. هناك من يحدد ما يمكن الحديث عنه وما لا يجب تناوله، ونجد بعض المنتجين يفضلون الحكايات التي يمكن تسويقها خارجياً أو التي لا تثير الجدل داخلياً، لذلك نرى أعمالاً تكتفي بإيحاءات عامة دون أن تخوض في صلب ما يحدث في بلادنا”.

وواصل الممثل السوداني “هناك بعض المحاولات الفردية لطرح أعمال مرتبطة بالحرب، لكنها تواجه صعوبات في التمويل أو العرض، مما دفع أصحابها إلى تأجيل التنفيذ أو تعديل النصوص لتصبح أكثر أماناً من الناحية الإنتاجية، بالتالي فإنه في ظل هذه المعطيات تظل الدراما السودانية أمام اختبار مزدوج في أن تحافظ على حضورها وسط الظروف المتغيرة، وأن تكون قادرة على نقل صورة دقيقة لما يعيشه الناس، دون الانزلاق نحو التجميل أو التسطيح”.

حكم متسرع

في حين، يرى المخرج والمنتج صلاح عوض الله أن “تحميل الدراما مسؤولية غياب المعالجة المباشرة للحرب في الوقت الحالي قد يكون حكماً متسرعاً لا يأخذ في الاعتبار حجم التحديات التي يواجهها العاملون في هذا القطاع، سواء على مستوى البنية التحتية أو التمويل أو واقع ما بعد النزوح”.

ومضى في القول “من غير المنصف القول إن الدراما السودانية تتهرب من الحرب أو تتجاهلها، بالعكس هناك حراك داخلي واضح بين كتاب ومخرجين شباب بدأوا في تطوير مشاريع تتناول الحرب بصورة مباشرة، لكن هذه المشاريع لا تزال في طور الكتابة أو الإعداد، فهناك أفلام قصيرة وسيناريوهات لمسلسلات طويلة تعمل حالياً على توثيق شهادات حقيقية من مناطق النزاع، ومعالجة قضايا النزوح والانقسام المجتمعي، وتأثير الحرب في النساء والأطفال”.

وبيَّن عوض الله أن “طبيعة العمل الدرامي تتطلب وقتاً، وأن الفرق بين الإعلام اليومي والدراما يكمن في أن الأخيرة تحتاج إلى كتابة مدروسة ومعالجة فنية دقيقة واحترام لتفاصيل التجربة الإنسانية، وليس فقط سرد الوقائع”.

وأشار إلى أن “هناك موجة وعي جديدة بين صناع الدراما السودانية تدرك أن الحرب ليست فقط حدثاً سياسياً بل تجربة شخصية مر بها كل فرد بطريقة مختلفة، وهذه التجارب بدأت تتحول تدريجاً إلى أعمال درامية ناضجة ستظهر خلال الفترة المقبلة على المنصات، أو عبر إنتاج مشترك مع مؤسسات ثقافية خارج السودان”.

وأكد المخرج السوداني أن “المنصات الرقمية لعبت دوراً مهماً في فتح المجال أمام إنتاج أكثر حرية بعيداً من الرقابة، مما منح بعض الفرق المستقلة فرصة لتجريب أشكال سرد جديدة واقعية ومعاصرة، تمهد لمرحلة درامية أكثر اتصالاً بالواقع وأقرب إلى لغة الشارع السوداني بعد الحرب”.

معالجة الصدمة

لكن، إلى أي مدى أسهمت الدراما السودانية في دعم التعافي الجماعي الذي أحدثته الحروب كما شوهد في تجارب عالمية؟

الدراما ليست مجرد وسيلة للترفيه (اندبندنت عربية – حسن حامد)

أشارت المعالجة النفسية خالدة الوسيلة إلى أن “الدراما ليست مجرد وسيلة للترفيه أو السرد، بل أداة فعالة يمكن استخدامها في مسار التعافي النفسي الجماعي، وبخاصة في المجتمعات التي مرت بصدمات جماعية كالحروب والنزاعات المسلحة، فعندما يشاهد الفرد تجاربه أو مشاعر قريبة مما مر به تجسد على الشاشة، يشعر بأنه ليس معزولاً في معاناته وأن ما عاشه لا يعد انحرافاً عن المألوف بل جزء من واقع جماعي. هذا الإدراك وحده يخفف من وطأة الصدمة”.

واستطردت الوسيلة “في السياق السوداني، نحتاج إلى إنتاجات درامية تراعي هذا الجانب، لا تكتفي فقط بنقل المأساة بل تقديمها بلغة حساسة ومدروسة تساعد على تفكيك الصدمة لا تعميقها، مثل الشخصيات التي تعاني فقداً ونزوحاً وفقدان الإحساس بالانتماء أو الأمان، فمثل هذه الأعمال إن عرضت بصورة واقعية وإنسانية، يمكن أن تحدث أثراً نفسياً حقيقياً في المتلقي”.

وزادت المعالجة النفسية “حتى اللحظة، لا توجد جهود منظمة لربط الفن بالبرامج النفسية المجتمعية، كما أن صناع الدراما لا يتلقون تدريباً على كيفية معالجة الصدمة أو الاضطرابات النفسية بطريقة مسؤولة، هذا الفراغ يمكن أن يتحول إلى فرصة، لو تم التعامل معه بصورة منهجية تشاركية بين القطاع الصحي والنفسي من جهة، والقطاع الفني والإعلامي من جهة أخرى”.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا