آخر الأخبار

‏تركيا في قلب الحرب السودانية.. لماذا الصمت على التدخل؟

شارك
‏إعداد: وحدة التحقيقات – صحيفة الراكوبة
‏مقدمة:
حين يتحدث الصمت:
‏في ظل حرب مستعرة تمزّق السودان منذ أكثر من عام، برزت دولة فاعلة على أطراف المشهد، تتحرك دون ضجيج إعلامي، وتُوجّه أدوات عسكرية متطورة من خلف الستار. تركيا، التي لطالما قدّمت نفسها كوسيط نزيه أو شريك تنموي، أصبحت اليوم في قلب واحدة من أخطر ملفات التدخل الخارجي في السودان.
‏لكن الأخطر من التدخل نفسه، هو الصمت المُطبِق الذي يحيط به؛ داخليًا وخارجيًا، رسميًا وإعلاميًا.
‏الفصل الأول: عودة الخبراء الأتراك وتشغيل المسيّرات
‏في مايو 2025، أفادت مصادر محلية وإقليمية بعودة خبراء أتراك إلى مدينة بورتسودان لاستئناف تشغيل طائرات مسيّرة من طراز “بيرقدار TB2”، بعد أن كانوا قد انسحبوا إثر ضربة دقيقة استهدفت مراكز تشغيل المسيّرات في المنطقة.
‏تحقيق نشرته صحيفة واشنطن بوست لاحقًا، أكد أن دفعة من هذه الطائرات وصلت إلى السودان عبر مالي، في صفقة غير معلنة موّلتها أطراف خارج القنوات الرسمية للحكومة الانتقالية.
‏الطائرات، التي تديرها شركة “بايكار” التركية المرتبطة بدوائر القرار في أنقرة، جُهزت بأنظمة استهداف دقيقة، وبدأت في تنفيذ ضربات جوية على أهداف داخل السودان.
‏الفصل الثاني: من يتحكم في السماء؟ شهادة من الدفاع الجوي
‏لمعرفة ما إذا كانت هذه الطائرات تعمل تحت مظلة الجيش السوداني، أم جهة أخرى، تواصلت “الراكوبة” مع ضابط في الدفاع الجوي السوداني، فضّل حجب اسمه لدواعٍ أمنية.
‏وجاء في شهادته: ‏“نحن نتابع حركة المسيّرات بشكل يومي، ونعرف أماكن انطلاقها وتغطيتها. لكن حتى اليوم، لم تصدر لنا أي أوامر بالاشتباك معها، أو بتعطيلها. هي ليست ضمن السيطرة العسكرية المعتادة”.
‏وتابع: “القرار ليس سودانيًا بالكامل. هناك طرف خارجي يُدير العملية. هذا النوع من الطائرات لا يُدار من الخرطوم، بل من غرف عمليات مغلقة، وبتشفير لا نملكه”.
‏هذه الشهادة تؤكد ما ورد في تقارير فاينانشال تايمز وهيومن رايتس ووتش، حول استخدام تركيا لطائراتها لدعم طرف في الحرب السودانية، دون إعلان رسمي، ودون تنسيق مع الدولة السودانية.
‏الفصل الثالث: المسيّرات تُدمّر حياة المدنيين
‏رغم أن الطائرات المسيّرة وُظِّفت مبدئيًا في استهداف مواقع عسكرية، إلا أن أنماط القصف خلال الأشهر الماضية كشفت منحى مختلفًا وخطيرًا.
‏تقرير صادر عن “شبكة مراقبة النزاعات في إفريقيا” (ACN)، أشار إلى أن 40% من ضربات المسيّرات التركية في السودان استهدفت:
‏•محطات مياه (في مدني، الكلاكلة، أحياء شرق النيل).
‏•شبكات كهرباء، أدت إلى إغراق أحياء كاملة في الظلام لأيام.
‏•مخازن طبية وإغاثية، مما فاقم الأزمة الصحية والإنسانية.
‏مواطن من منطقة الحاج يوسف قال للراكوبة:
‏“الطائرات الصغيرة تحوم فوقنا، ثم نسمع انفجارًا. لا معارك هنا، ولا قوات، فقط خزانات مياه وانابيب.”
‏الضربات شلّت البنية التحتية في مناطق واسعة، وفاقمت معاناة السودانيين، في بلد يُعاني أصلًا من هشاشة خدمية.
‏الفصل الرابع: تركيا والإسلاميون – شراكة تعود للواجهة
‏لطالما احتفظت تركيا بعلاقة عضوية مع جماعة الإخوان المسلمين في السودان، منذ عهد البشير وحتى بعد سقوطه.
‏وتشير مصادر داخل المعارضة إلى أن شخصيات إسلامية بارزة زارت إسطنبول سرًا خلال عامي 2023 و2024 لتأمين دعم سياسي وعسكري من أنقرة.
‏القيادي المعارض محمد البوشي صرّح بأن:
‏“تركيا لم تكن بعيدة عن مشهد الحرب. هي اليوم تُعيد تمكين الإسلاميين عبر المسيّرات والسلاح، بعد أن خسروا سندهم السياسي والشعبي”.
‏أردوغان، الذي يروّج لنفسه كمدافع عن “العدالة الإسلامية”، يرى في السودان فرصة استراتيجية لإعادة تموضع تياره الإقليمي.
‏ الفصل الخامس: الآثار الكارثية على السودان
‏1. تفكيك السيادة الوطنية
‏المجال الجوي يُدار من خارج الدولة، والقرار العسكري يُوجّه بتقنيات لا تملكها الحكومة.
‏2. إطالة أمد الحرب
‏التفوّق العسكري المفاجئ لطرف على حساب آخر، بدعم أجنبي، يقوّي منطق السلاح، ويُضعف فرص التفاوض.
‏3. تدمير البنية التحتية
‏المياه، الكهرباء، والإمدادات الصحية، باتت أهدافًا في صراع محسوب. والضحية هو المواطن.
‏4. خلق نسخة “سورية” من السودان
‏أنقرة تُكرر تجربتها في إدلب وطرابلس، بدعم فصائل أيديولوجية بالسلاح والتقنية، وإضعاف سلطة الدولة المركزية.
‏الفصل السادس: لماذا الصمت؟
‏● داخليًا: الحكومة الانتقالية تخشى التصعيد مع أنقرة، خصوصًا في ظل مشاريع استثمارية وتنسيقات أمنية حساسة وكذلك بعض القوى المتحالفة مع الإسلاميين ترفض كشف هذا التدخل.
‏● دوليًا: تركيا عضو في حلف الناتو، ومهاجمتها قد يُربك الحسابات الغربيةو المجتمع الدولي منشغل بأزمات أخرى أكثر تغطية إعلامية.
‏الخاتمة: هل يتحمّل أحد المسؤولية؟
‏الدلائل واضحة، الشهادات موجودة، والتقارير نُشرت من مؤسسات دولية محترفة.
‏لكن الصوت الرسمي، والسياسي، والإعلامي لا يزال خافتًا.
‏إن استمرار الصمت عن التدخل التركي يُعد تواطؤًا ضمنيًا.
‏وحين تُستهدف البنى المدنية، ويُستخدم السلاح لتصفية حسابات أيديولوجية عبر المسيّرات، فإن الحديث عن “الحياد التركي” يصبح نكتة دموية.
‏من واجبنا كصحفيين وكمجتمع، أن نسأل: من يملك القرار؟ ومن يبيع السودان للخرائط الأجنبية؟
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا