منذ اندلاع الحرب في السودان فرضت الإدارة الأمريكية عقوبات متلاحقة على قادة الحرب الرئيسين في الجيش السوداني وقوات الدعم السريع للحد من توسع الحرب في البلاد وإنهائها، إلا أن هذه العقوبات وبحسب خبراء وباحثين تحدثت إليهم (عاين) لم يكن لها الأثر الفعال في توقف الحرب التي تدخل عامها الثالث.
في 22 مايو الجاري، فوجئت الحكومة السودانية بالعقوبات التي أصدرتها وزارة الخارجية الأميركية بشكل تمهيدي إلى الكونغرس للمصادقة الروتينية عليها في غضون أسبوعين.
تزامنت العقوبات الأميركية التي يصفها محللون بـ”غير المؤثرة” على الاقتصاد والمصارف مع إعلان الجيش السوداني استعادة العاصمة الخرطوم بالكامل لأول مرة منذ اندلاع الحرب. ووصف متحدث الحكومة السودانية وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر العقوبات الأميركية بـ”المسيسة” وقال إن الولايات المتحدة باتت كلما تقدم الجيش ميدانيا تصدر مثل هذه الإجراءات.
لا تعرقل تدفق السلاح
تنص العقوبات الأميركية الصادرة عن وزير الخارجية ماركو روبيو بعد ساعات قليلة من مثوله أمام مجلس الشيوخ الأميركي وتعرضه إلى انتقادات عنيفة بشأن التخلي عن ملايين المدنيين خلال حرب السودان وعدم “ردع الإمارات” بصورة واضحة بسبب المصالح التجارية تنص هذه العقوبات على أن الجيش السوداني استخدم الأسلحة الكيمائية خلال العام 2024 في مواقع داخل السودان.
تدخل العقوبات الأميركية حيز التنفيذ اعتبارا من السادس من يونيو 2025 بعد المرور على الكونغرس والذي عادة لا يعرقل مثل هذه الإجراءات وفق مستويات التعاون بين المؤسستين الأميركيتين.
يقول الباحث في العقوبات الاقتصادية أحمد بن عمر لـ(عاين): إن “العقوبات الأميركية تعرقل احتياجات الجيش السوداني فيما يتعلق بإمدادات السلاح من تركيا والصين، والعقوبات الأميركية صدرت بالفعل كنوع من التحذير للدول التي تبرم صفقات أسلحة أو تقدم مساعدات عسكرية للقوات السودانية.
ويرى بن عمر، أن هذه العقوبات ستجعل الدول تحجم عن تزويد الجيش السوداني بالأسلحة وهذه الاستراتيجية تساعد الإدارة الأميركية على ضمان بقاء ميزان القوة بين الطرفين المتنازعين في السودان بالتالي ارتفاع الأصوات الداعية إلى وقف إطلاق النار.
وتابع: “لم تشمل العقوبات الأميركية القطاع المصرفي والتجارة الخارجية، فقط تنحصر على التجارة المباشرة بين الولايات المتحدة والسودان وهذا المسار غير مؤثر باعتبار أن الواردات والصادرات بين البلدين غير كبيرة”.
ويرى بن عمر، أن العقوبات الأميركية الصادرة عن وزارة الخارجية بمثابة تحذير للحكومة السودانية قبل فوات الأوان بدلا من الإصرار على الحرب لأن الإجراءات الأخيرة مقدمة لعزل السودان تماما عن المحيط الخارجي والتأثير المباشر على صفقات الجيش السوداني ومحطات الكهرباء وقطاع الطيران والملاحة البحرية.
ملاحقة مزودي السلاح
ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم لـ(عاين): إن “العقوبات الأميركية ذات تأثير سياسي ودبلوماسي أكثر من كونه يمس الاقتصاد أو التجارة السودانية مع الدول وهي بمثابة تحذير أميركي للتيار المتطرف الذي يعرقل رغبة بعض جنرالات الجيش بالذهاب إلى المفاوضات لوقف الحرب وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار”.
ويرى إبراهيم، أن واشنطن على يقين ببرودة العلاقة بين السودان والصين ويمكنها إيقاف تركيا من تزويد القوات المسلحة بالمساعدات بالتالي تعتبر هذه العقوبات ورقة ضغط لوقف النزاع المسلح في السودان.
وأردف: “لا يمكن الحديث عن وجود أسلحة كيميائية قبل التحقق ميدانيا من هذا الأمر لذلك سارعت الخارجية الأميركية إلى وضع هذه الورقة أمام عبد الفتاح البرهان حتى يكف عن الحرب”.
وأضاف: “إبراهيم حجم التبادل التجاري بين السودان والولايات المتحدة الأميركية لا يتجاوز 7 مليون دولار سنويا وهذه نسبة متواضعة”.
التحايل على العقوبات
يضيف المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم: “السودان كان في أقسى فترات العزلة الدولية يتزود بالأسلحة من روسيا وإيران ولا أعتقد أن العقوبات تؤثر على وصول السلاح إلى الجيش والقطاع العسكري السوداني لديه خبرة طويلة في التحايل على العقوبات الدولية”.
ويكشف إبراهيم عن معلومات حول حركة رؤوس المال المستخدمة في المشتريات الحكومية بالنسبة للسودان خارج البلاد في سوق موازي يدير أموالا بقيمة لا تقل عن 7 مليار دولار.
ويقول إبراهيم: “رجال أعمال سودانيون موردون للوقود والسلع الرئيسية يديرون العمل من دول الخليج ويربحون أموالا طائلة ويزودون الحكومة السودانية بالعملات الصعبة لشراء السلع والسلاح.. هذا حدث خلال الحرب وسيحدث لاحقا”.
وتابع: “السوق الموازي للعملة الصعبة والثانية بالنسبة للسودان يتركز خلال الحرب خارج البلاد في دول الخليج وبعض الدول الأفريقية لأن تحويلات السودانيين خلال الحرب تصب لدى تجار خارج البلاد”.
يطلق إبراهيم على هذه الأموال “المال السياسي” المتداخل بين تجار نافذين على صلة بالحكومة السودانية بما في ذلك الجيش الذي ركز خلال السنوات على تنويع مصادر التسليح من دول شرق أوروبا.
وتابع: “هناك عقوبات على مدير منظومة الصناعات الدفاعية التابعة للجيش السوداني ميرغني إدريس من قبل وزارة الخزانة الأميركية (أوفاك) بسبب سعي الجيش للحصول على الأسلحة من السوق العالمي المتعدد ومع ذلك هذا القرار الذي صدر في أكتوبر 2024 لم يمنع الجيش من الحصول على الأسلحة بل أن وتيرة وصول الأسلحة إلى القوات المسلحة زادت نهاية العام الماضي ومطلع 2025 بنسبة تفوق 120 مليون دولار أميركي”.
مسارات غير مشروعة للتسليح
وكان رئيس الحركة الشعبية – التيار الديمقراطي- إحدى فصائل تنسيقية القوى المدنية “صمود” ياسر عرمان، علق على العقوبات الصادرة من وزارة الخارجية الأميركية في 24 مايو 2025 مشيرا إلى أن العقوبات الدولية يجب أن تنحصر على الأفراد والكيانات لأن العقوبات على الحكومة يتضرر منها السودانيون كما تضرروا طيلة السنوات الماضية قبل أن تتمكن الحكومة الانتقالية خلال الثورة الشعبية من الغاء اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويقلل الباحث في الشؤون الأفريقية والنزاعات المسلحة عادل إبراهيم، من تأثير العقوبات الأميركية على تسليح الجيش أو الانعكاس على الحرب لأن كلا الطرفين يعتمدان على مسارات غير مشروعة للتسليح.