آخر الأخبار

عامان من حرب السودان.. أمة ممزقة على حافة التقسيم

شارك

بعد مرور عامين، لا تبدو أيّ بوادر لوقف الحرب في السودان، ومع سعي الطرفين المتنافسين إلى إقامة حكومتين موازيتين، يدفع المدنيون الثمن الأكبر من العنف، وتهدد الانقسامات الوطنية وحدة البلاد.

الكاتب: حميد خلف الله

مرّ عامان على الحرب في السودان، حيث يقف البلد الواقع في شمال شرق أفريقيا عند مفترق طرق حرج، فما بدا وكأنه صراع على السلطة، تطور إلى حرب مضادة للثورة متعددة الأبعاد، تداخلت فيها مصالح داخلية وخارجية، وسط تداعيات إنسانية وجيوسياسية عميقة.

وعلى الرغم من التحولات الكبيرة الأخيرة التي تشهدها أرض المعركة، بما في ذلك العاصمة الخرطوم، لا تزال آفاق السلام بعيدة المنال، بينما يعاني ملايين السودانيين من ظروف قاسية وغير مسبوقة.

فيما يهدد استمرار الحرب بانهيار الدولة على المدى الطويل، فمستقبل الأمة كدولة موحدة في خطر، مع ظهور بوادر انقسام وتشرذم محتملين في جميع أنحاء البلاد.

الطريق إلى الحرب: ثورة أُجهضت

اقتصر الصراع الذي اندلع في 15 أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية، بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، بقيادة محمد حمدان دقلو (المعروف بحميدتي)، في البداية على العاصمة الخرطوم، غير أنه سرعان ما طال معظم أنحاء البلاد، مدمرًا بذلك التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني.

فقد أطاحت ثورة شعبية بالنظام الاستبدادي لعمر البشير عام 2019 ، وعلى إثرها وقّعت القوى المدنية والقوى العسكرية، بما في ذلك القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، اتفاقية لتقاسم السلطة، وسرعان ما قاد الجيش السوداني وقوات الدعم السريع انقلابًا عسكريًا في أكتوبر/تشرين الثاني 2021، للإطاحة بشركائهم المدنيين، مما أدى إلى عرقلة الانتقال الديمقراطي، ومهّد الطريق لاحقًا للمواجهة النهائية بين العسكريين أنفسهم في أبريل/نيسان 2023.

تعدّ الحرب الحالية امتدادّا لحملة إجهاد الديمقراطية في السودانية، وليست مجرد صراع داخلي بين العسكريين على السلطة، أو حرب بالوكالة بين قوى إقليمية، بل هي حرب مضادة للثورة متعددة الأوجه، تدعمها جهات فاعلة داخلية وخارجية ذات مصالح رأسمالية مشتركة، يدفع المدنيون ثمنها في نهاية المطاف.

أسوأ أزمة إنسانية في العالم

فاقمت الحرب التحديات الإنسانية التي يعاني منها السودان، فقد أودت الحرب بحياة ما لا يقل عن 150 ألف شخص، وشرّدت أكثر من 12 مليون آخرين، فيما يحتاج أكثر من 30 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية عاجلة. ويعاني نحو نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مع تأكيد وقوع مجاعة في 10 مناطق على الأقل.

علاوة على ذلك، اتسم القتال بالعنف الجنسي والعنف القائم على النوع المرتبط بالصراع، والهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية، بما في ذلك مخيمات النازحين والمستشفيات والمدارس والكنائس.

حكاية شبكة إغاثة ثورية

تحوّلت غرف الطوارئ، التي يقودها متطوعون سودانيون، إلى شريان رئيسي لتوفير المساعدات الإنسانية لملايين السودانيين العالقين في الحرب الدائرة بالبلاد منذ عامين. إذ شكّلت المبادرة الشعبية، التي ولدت من رحم الثورة السودانية، بديل إغاثة شعبي أثناء غياب تدفق المساعدات الدولية.

يشهد السودان اليوم أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم، في أسوأ كارثة إنسانية شهدها التاريخ الحديث، ومع ذلك، يتجاهل العالم ما يحدث. وحتى مارس/أذار المنصرم، لم يُموّل سوى 6% من خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في السودان لعام 2025، التي تطالب بتمويل قدره 4.16 مليار دولار أمريكي لتلبية احتياجات المدنيين.

ومع هذه الفجوة التمويلية الهائلة واستمرار القتال، من المرجح أن تتفاقم الأوضاع الإنسانية. علاوة على ذلك، تواصل الفصائل المتحاربة عرقلة إيصال المساعدات الإنسانية.

تقدم الجيش

شهدت الأشهر الأخيرة تحولات كبيرة في ساحة المعركة، فقد استعادت القوات المسلحة السودانية الخرطوم، في مارس/ آذار الماضي، بعد طرد قوات الدعم السريع منها، وكان ذلك بمثابة انتصار رمزي واستراتيجي، مكّن الجيش من تعزيز سيطرته على الأجزاء الوسطى والشرقية والشمالية من البلاد.

أما قوات الدعم السريع تراجعت غربًا نحو كردفان والنيل الأبيض ودارفور، ومنذ هزيمتها في الخرطوم؛ تسيطر قوات الدعم السريع على معظم دارفور وأجزاء من كردفان. وتتعرض الفاشر ، آخر مدينة في دارفور لا تزال تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية، لهجمات قوات الدعم السريع منذ العام الماضي، في سعيها للسيطرة الكاملة على المنطقة.

ورغم تقدم الجيش، إلا أنّ الحسم العسكري لأيّ من الطرفين لا يزال مستبعدًا. إذ ازدادت الحرب تشرذمًا واتساعًا، حيث يعتمد كلا الطرفين على الميليشيات والجماعات المتحالفة معها، مما يصعب تحقيق نصر كامل لأي منهما.

وفي خضم هذا القتال المتواصل، لا يزال المدنيون يدفعون الثمن الأكبر؛ إذ يتعرضون لهجمات انتقامية كلما تغيرت خطوط المواجهة. فقد وردت تقارير مروعة عن أعمال عنف انتقامية ضد المدنيين في الخرطوم مؤخرًا، عقب استعادة الجيش للمدينة، كما شنت قوات الدعم السريع هجمات مماثلة في أنحاء مختلفة من البلاد منذ خسارتها العاصمة.

حكومتان موازيتان

سعى الطرفان المتحاربان، إلى ترسيخ شرعيتهما من خلال هياكل حكومية موازية مع تغير الواقع الميداني، مما قد يُرسّخ تقسيم السودان بحكم الأمر الواقع.

وأعلنت القوات المسلحة بقيادة البرهان، في فبراير/ شباط الماضي، عن خطط لتشكيل حكومة تكنوقراط انتقالية جديدة، ثم عدّلت الدستور الانتقالي لتمهيد الطريق لهذه الحكومة الجديدة. يُذكر أن القوات المسلحة امتنعت باستمرار عن تقديم الخدمات العامة والمساعدات الإنسانية للمناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع، مما ساهم في تعزيز الانقسام بالبلاد.

من جهتهم، أعلنت قوات الدعم السريع وحلفاؤها، أمس الثلاثاء، تزامنًا مع دخول الحرب عامها الثالث، تشكيل حكومة موازية لإدارة المناطق الخاضعة لسيطرتهم. وكشف قائد الدعم السريع حميدتي، تشكيل ما أسماها “حكومة السلام والوحدة” ، مضيفًا أنّ حكومته ستوفر “الخدمات الأساسية” بما فيها التعليم والصحة والعدالة، بالإضافة إلى إصدار وثائق هوية جديدة وعملة مختلفة.

”القوى السياسية غارقة في الصراع”

تحسن محدود للوضع الإنساني في السودان عقب مفاوضات جنيف، في الوقت الذي تضغط واشنطن لوقف الحرب المستعرة منذ نحو العام ونصف، كما يقول رئيس تحرير صحيفة التيار السودانية عثمان ميرغني لقنطرة.

ويثير تشكيل حكومات موازية، بينما لا تزال الحرب مستعرة، قلقًا بالغًا من تكريس الانقسام بما يهدد وحدة السودان، وحذّر محللون من سيناريوهات يقبل عليها السودان، بما يشبّه ليبيا أو الصومال . وفي جميع الأحوال، سيؤدي سيناريو التقسيم في السودان إلى إطالة أمد الحرب، ما سيؤدي إلى مزيد من التداعيات الإقليمية.

دبلوماسية متعثرة

شهدت الأشهر الماضية مبادرات سلام عديدة لإنهاء الحرب، لكنها فشلت جميعًا بفعل تغير موازين القوى في ساحة المعركة وتراجع الاهتمام العالمي. ويُعزى هذا الفشل بشكل رئيسي إلى التشرذم والتنافس بين الدول المشاركة في الوساطة.

كانت الوساطة الأمريكية-السعودية في جدة هي الأكثر جدية لوقف الحرب إذ نجحت منصة جدة في جمع الطرفين المتحاربين على طاولة واحدة، حيث وقّعا إعلان جدة للالتزام بحماية المدنيين في السودان. ومع ذلك، لم يلتزم الطرفان ببنود الإعلان، لعدم وجود آليات مساءلة، ولعدم تعرضهما لضغوط من قبل داعميهما الإقليميي ن. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لعبت دورًا رئيسيًا في جهود الوساطة، إلا أنّ تغيّر الإدارة الأمريكية، وتركيزها على صراعات أخرى، قد يحدّ من قدرتها واهتمامها بالتدخل الفعلي لإنهاء حرب السودان. كما أن تطورات السياسة العالمية، بما في ذلك الحرب التجارية والأحداث في أوكرانيا، ستدفع القوى الكبرى، مثل الاتحاد الأوروبي، إلى توجيه اهتمامها إلى ملفات أخرى.

فيما تفتقر الجهات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي إلى القدرة الكافية على الانخراط في إنهاء الحرب نظرًا لتحيزات بعض أعضائه، ومحدودية موارده.

وكانت الحكومة البريطانية قد استضافت مؤتمرًا دوليًا في لندن، في 15 أبريل/نيسان الجاري مع مرور عامين على الحرب، غير أنه ركز بشكل رئيسي على معالجة الأزمة الإنسانية، ولم يؤد إلى وضع حد للصراع.

دور الجفاف والإمارات وألمانيا في تأجيج صراع السودان

بعد أن كان الجفاف لعقود محفز صراع عنيف بإقليم دارفور على الموارد تأجج الصراع أيضا في وسط السودان بالكامل فهل تصب الإمارات الزيت على النار هناك وما دور ألمانيا في العسكرة؟ تحليل رومان ديكرت لموقع قنطرة.

مسار السلام أم التقسيم؟

لا تزال آفاق السلام غامضة، مع دخول الحرب عامها الثالث، فيما يجد الشعب السوداني نفسه مرارًا وتكرارًا دون حلفاء مخلصين ملتزمين بإنهاء الحرب التي تعصف ببلاده. في هذا السياق، تظلّ حماية المدنيين أولوية قصوى ينبغي وضعها في الاعتبار في أي مفاوضات سلام مقبلة، فهم منّ يدفعون الثمن الأكبر.

يثبت الواقع أنه لا يوجد حلّ عسكري لهذه الحرب، ويتطلب إنهاؤها انخراطًا دوليًا جادًا لإطلاق عملية سلام مشتركة، يضغط فيها المجتمع الدولي على الجيش والدعم السريع وداعميهم الإقليميين لوقف الحرب.

يبدو أن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة في تحديد ما إذا كان السودان سيواصل انزلاقه نحو مزيد من التقسيم، أم سيتمكن المجتمع الدولي من فتح مسار نحو الاستقرار. فكلما طالت الحرب، زاد خطر تقسيم السودان مرة أخرى، بعد 14 عامًا فقط من استقلال جنوب السودان.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا