آخر الأخبار

​كيف يواجه طرفا حرب السودان معركة "دارفور"؟

شارك

إسماعيل محمد علي صحافي سوداني

ملخص

بعد تمكن الجيش السوداني من السيطرة على الخرطوم ودحر قوات “الدعم السريع” منها، يتساءل المراقبون حول الوجهة التي ستتخذها الحرب الآن لا سيما بعد اتجاه قوات “الدعم السريع” إلى مناطق قد تتمتع فيها بحواضن شعبية وبالتالي وضعية أفضل للقتال.

فتحت معركة الخرطوم التي بسط فيها الجيش السوداني سيطرته التامة على مدن العاصمة الثلاثة، الخرطوم وأم درمان وبحري، وإعلان قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أن الخرطوم حرة وخالية من “الدعم السريع” بعد سيطرة دامت قرابة العامين، نقاشاً واسعاً بين السودانيين في مختلف الأوساط، حول مسار هذه الحرب خلال الفترة المقبلة وإمكان مواصلة الجيش زحفه من أجل استعادة بقية المناطق التي ما زالت في قبضة “الدعم السريع” بخاصة في ولايات دارفور وكردفان في ظل تراجع تلك القوات قتالياً، الذي وصفه البعض بأنه شبه انهيار.

صعوبات وثغرات

يقول المتخصص في الشؤون السياسية والعسكرية عادل عبد العزيز الفكي، إن “معركة الخرطوم التي استولى خلالها الجيش وحلفاؤه على القصر الجمهوري والوزارات السيادية ومطار الخرطوم تمثل النهاية الحتمية لتمرد ميليشيات آل دقلو الإرهابية، وما تحقق من نصر كان بسبب تضافر ثلاثة عوامل هي: الالتفاف الشعبي غير المسبوق حول الجيش وقيادته التي يمثلها الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إضافة إلى القدرات الخاصة التي يتميز بها الجيش السوداني الذي يعد من أعرق جيوش المنطقة، إذ يتلقى ضباطه وأفراده تدريبات على أعلى مستوى داخل البلاد وخارجها، مقابل ضعف قدرات ميليشيات الدعم السريع من ناحية التدريب والتأهيل، فضلاً عن أن قادتها لا تتمتع بأي قدرات تخطيطية لكونهم ليسوا من خريجي كليات عسكرية. وأضاف، “أما العامل الثالث فيتمثل في تمكن الحكومة السودانية من استيعاب متغيرات الحرب اقتصادياً على رغم الظروف الصعبة من خلال توفير الموارد المالية التي مكنت الجيش من شراء أسلحة وذخائر، وتجهيز مراكز التدريب لمئات الآلاف من المتطوعين الذين تم استنفارهم لقتال هذه الميليشيات المتمردة”. وأردف “في تقديري أن كل المؤشرات تؤكد تراجع الدعم السريع خلال الفترة المقبلة إلى بعض المواقع في ولايات دارفور اعتقاداً منها بأنها ستجد الدعم والملاذ هناك، لكن المواقف القوية من قيادات قبيلة الرزيقات بقيادة موسى هلال التي ينتمي إليها قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، ’حميدتي‘، ومواقف قيادات الهبانية والتعايشة وغيرها من القبائل ستجعل من بقاء الميليشيات في دارفور مستحيلاً، وبالتالي ستلجأ إلى دول الجوار المتاخمة للسودان كتشاد وأفريقيا الوسطى وليبيا”.

يرى مراقبون أن الانسحاب على مراحل للدعم السريع من ولايات سنار والجزيرة والخرطوم من دون معارك تقريباً ترك بالفعل الباب موارباً أمام مختلف التكهنات (أ ب)

وتوقع الفكي أن تتخلى كل الدول التي دعمت “الدعم السريع” سابقاً عن دعمه مجدداً، لأنه “سيصبح وصمة عار في جبينها بعد تكشف الفظائع والجرائم التي ارتكبتها هذه القوات ضد مواطني السودان في مدنهم وقراهم”. وبيّن أنه “بعد أن يبسط الجيش السوداني سيطرته التامة على ولايات الوسط و الخرطوم  سيتجه غرباً لتحرير ولايات كردفان ودارفور من قبضة قوات الدعم السريع المتمردة، لكن من الواضح أن عمليات الجيش في بعض الولايات الغربية ستكون سهلة وغير مكلفة بينما ستكون صعبة للغاية في ولايات أخرى، إلا أن ذلك يعتمد على الحواضن الاجتماعية والسند الشعبي للجيش أو للدعم السريع في كل ولاية على حدة”.
وزاد المتحدث ذاته، “تبدو ولاية شمال كردفان من الولايات التي لن يجد  الجيش السوداني صعوبة في إخراج قوات الدعم السريع من كل أنحائها، بينما سيواجه صعوبات في ولاية جنوب كردفان نظراً لوجود قوات الحركة الشعبية شمال المتحالفة مع ميليشيات الدعم السريع فيها، فضلاً عن الحدود الطويلة مع دولة جنوب السودان التي تيسّر دخول الإمدادات للدعم السريع، في حين من المؤكد أن يجد الجيش سنداً ودعماً شعبياً في ولايات شمال وجنوب وغرب دارفور مما يسهل عملياته نسبياً، مقابل مواجهته صعوبات وتعقيدات في ولايتي وسط وشرق دارفور”.
ولفت الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية إلى “أن الحدود الممتدة لولايات دارفور مع دول جوار السودان ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان تمثل ثغرات يمكن أن يتم من خلالها إمداد قوات الدعم السريع بالأسلحة والمرتزقة، ولهذا السبب يجب على الدبلوماسية السودانية أن تلعب دوراً أساسياً في تحييد هذه الدول وضمان عدم استغلال أراضيها بواسطة الميليشيات المتمردة”.

فصول جديدة

من ناحية ثانية، يرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن “وجهة المعارك المقبلة بين طرفي الحرب ستكون في مناطق كردفان ودارفور وأجزاء من غرب الخرطوم، لكن من المؤكد أن هناك متغيرات كثيرة تصاحب هذه المواجهات، أولها أن الدعم السريع ستخوض هذه المعارك وهي في وضع عسكري أفضل من معاركها السابقة التي خاضتها في وسط السودان والخرطوم لكونها ستقاتل في مناطقها إلى جانب إمكانية تأمين الإمداد الحربي والغذائي لقواتها”. وأضاف، “صحيح أن قوات الدعم السريع تعرضت لضغط عسكري كبير منذ سبتمبر (أيلول) الماضي قادها لانتهاج استراتيجية دفاعية، وبالتالي منيت بخسائر كبيرة وفقدت العديد من المواقع الاستراتيجية، لكن ما نلحظه أن هذه القوات اتبعت خلال الشهور الماضية استراتيجية جديدة تعتمد على استهداف مناطق خارج دائرة سيطرتها إما بالقصف المدفعي والصاروخي كما يحدث في أم درمان والأبيض أو عبر هجمات المسيرات، وهو ما يؤكد أن يد الحرب لا تزال قادرة على الوصول لأي منطقة في البلاد وتهديد الاستقرار فيها”.

وزاد أبو الجوخ “أعتقد أن الجيش على رغم النصر العسكري والسياسي والمعنوي الكبير الذي حققه أخيراً في الخرطوم وقبلها في ولايتي سنار والجزيرة، إلا أنه سيصطدم بمواجهة لن تكون في مصلحته تتمثل بتراجع حماسة مجموعات قتالية شعبية أهلية في خوض معارك بعيدة من مناطق حواضنها الاجتماعية مثل كردفان ودارفور، مما سيكون له تأثير غير إيجابي على سير العمليات لمصلحته، وبالتالي سيكون الخيار الدفع بقوات من الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة في هذه الجبهات، لكن مثل هذا الاتجاه سيترتب عليه إضعاف قدرات الجيش البشرية والعددية في جبهة قتالية متمددة ومنتشرة ومتسعة”.
واستطرد “واضح أن  قوات الدعم السريع تتبع استراتيجية عسكرية تتمثل في إعطاء الأولوية لمسألة الحفاظ على الأفراد أكثر من التمسك بالسلاح والأرض، وهو ما مكّنها فعلياً من إخراج جل قواتها المحاصرة في ولايتي الجزيرة والخرطوم من الكماشة والعبور بها غرب الخرطوم عبر خزان جبل أولياء، وبالتالي تكون هذه القوات احتفظت بعديد كبير لها في أتم الجاهزية لخوض أي معارك مقبلة”.
وختم المحلل السياسي بالقول، “قد يكون الفصل الأول لهذه الحرب انتهى في الخرطوم، لكنها في الطريق باتجاه فصول جديدة ستختلف فيها الأسلحة والتكتيكات، لكن من المؤكد أن هذه الحرب ستستمر بشكل مختلف وربما في جبهات مختلفة، وفي ظل هذه التطورات لا يستطيع أحد أن يتكهن بمساراتها في المستقبل ولأي مدى يمكن أن تعود المناطق والمواقع التي خرجت عن دائرة الحرب الحالية إلى ساحتها مرة أخرى”.

العودة إلى التفاوض

من جانبه، يشير السفير السابق في الخارجية السودانية الصادق المقلي إلى أن “الانسحاب على مراحل للدعم السريع من ولايات سنار والجزيرة والخرطوم من دون معارك ترقى إلى حجم المستجدات في مسار الحرب، ترك بالفعل الباب موارباً أمام مختلف التكهنات، فهناك من يقول إن ثمة وراء الأكمة ما وراءها من صفقة تحت الطاولة، وهناك من يرى أن الدعم السريع أُنهكت تماماً خلال عامين من الحرب، وبالتالي فضلت الانسحاب من وسط البلاد والاتجاه إلى حواضنها المعروفة ونقل الحرب إلى حزام الهامش في دارفور والمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان)، مما يشي بنوع من إعادة إنتاج لتاريخ التمرد العشريني في تلك المناطق”. وأضاف المقلي، “نعم هما احتمالان لا ثالث لهما، إما اتفاق يعّد له بتنسيق دولي وإقليمي وقد تكون رأس الحربة فيه السعودية التي أضحت أخيراً قبلة للسلام على الصعيدين الدولي والإقليمي في سبيل استئناف منبر جدة، كما يجب أن نأخذ في الاعتبار جولة تقوم بها وفود سعودية في كل من السودان وبعض دول الجوار، فضلاً عن أن تموضع الدعم السريع الحالي فيه إنفاذ لمخرجات منبر جدة إلى حد كبير، باعتبار أن هذا الانسحاب من منازل المواطنين والأعيان المدنية والمرافق الخدمية أوفى بالشرط المسبق للجيش للعودة إلى طاولة المفاوضات”. وزاد السفير السابق، “لكن أكثر المتشائمين يعتقدون بنقل الحرب إلى الهامش واندلاع حرب أهلية ربما تمتد لسنوات، ويرجع ذلك إلى تقلب الأحلاف في هذه الحرب عن سابقاتها.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا