اقتربت الحرب في السودان من إكمال عامها الثاني، فيما لا تزال “خريطة النفوذ” مُتغيرة بين طرفيها.
الجيش والدعم السريع كلاهما يقاتلان بشراسة لبسط سيطرتهما على الأرض، مما أدى إلى اتساع رقعة القتال وارتفاع أعداد القتلى والجرحى ومعدلات النزوح والجوع.
وأعلن الجيش السوداني، أمس الجمعة، السيطرة على القصر الرئاسي ومنطقة وسط العاصمة الخرطوم، بعد معارك ضارية خاضها في مواجهة قوات “الدعم السريع” استمرت عدة أيام.
وظل القصر الرئاسي وما حوله من مواقع استراتيجية مسرحًا لعمليات عسكرية واسعة منذ أسابيع، وازدادت حدة المواجهات بدءا من 16 مارس/آذار الجاري، عندما التحم جنود سلاح المدرعات بقوات الجيش في مقر القيادة العامة، فتم قطع خطوط إمداد “الدعم السريع” في وسط الخرطوم وعزلها عن بقية مناطق انتشارها في الجزء الجنوبي والشرقي من أحياء العاصمة.
وقال المتحدث باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، في بيان إن القوات سيطرت على مناطق وسط العاصمة والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري.
لكن قوات الدعم السريع، نفت ذلك لاحقا، مشيرة إلى أنها لا تزال موجودة في محيط القصر الرئاسي، قائلة إن “المعركة مع الجيش لم تنته بعد، وقواتنا ما زالت موجودة في محيط المنطقة، تقاتل بكل شجاعة وإصرار”.
وذكرت مصادر عسكرية لـ”العين الإخبارية” أن قوات الدعم السريع، انسحبت تدريجيًا من القصر الرئاسي، إلى منطقة “المقرن” وسط الخرطوم، وجزيرة “توتي”، ومنطقة جبل أولياء جنوبي العاصمة الخرطوم.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد المختار: “لا شك أن استيلاء الجيش والكتائب الإسلامية المتحالفة معه على القصر الجمهوري يعتبر انتصارا معنويا للجيش والحركة الإسلامية التي أشعلت الحرب في 15 أبريل/نيسان 2023، لكن طبيعة هذه الحرب تحديدًا تجاوزت مرحلة من يسيطر على القصر الجمهوري من عدمه، مثلما حدث في عدد من الدول التي شهدت حروبا مشابهة”.
وأوضح أن التطورات خلال الشهور الأخيرة تشير إلى أن “الحرب دخلت بالفعل مرحلة جديدة مختلفة عن السابق من ناحية التكتيكات العسكرية وتطور أسلحتها لدى الطرفين، ودخول المسيرات في المعادلة”.
وأضاف المختار في حديث لـ”العين الإخبارية” أن “قوات الدعم السريع تعمل على إعادة التموضع من خلال الانسحابات من عدة مدن ومناطق مع التدمير المستمر لمقدرات الجيش الجوية، وحماية مناطق سيطرتها بدفاعات جوية متطورة”، لافتا إلى “التصريحات المستمرة عن تحييد طيران الجيش عقب تشكيل الحكومة المرتقبة وحماية المدنيين من قصف الطيران”.
وأكد أن “مجمل المشهد يشير إلى حرب طويلة في ظل انسداد الأفق وإفشال الحركة الإسلامية لكافة منابر التفاوض من جدة مرورًا بالمنامة وحتى جنيف”.
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي أنور سليمان “ما حدث من تقدم للجيش له مغزى رمزي ومعنوي كبير، لكن الحرب لا تزال في جولاتها العنيفة، ومن المبكر الحديث عن معركة فاصلة”.
وأوضح سليمان في حديث لـ”العين الإخبارية” أنه في الحروب الأهلية ما لم يتم تجريد إحدى القوتين المتصارعتين من قوتها الضاربة فإن الحرب تظل ككرة نار في كل مرة تتدحرج من المناطق التي أحرقتها إلى مناطق جديدة.
وأضاف “الأضرار والخسائر يمكن أن تمتد إلى مسافات بعيدة عن السيطرة الفعلية والانتشار على الأرض”.
ويسيطر الجيش السوداني، وفق مصادر عسكرية تحدثت لـ”العين الإخبارية”، على ثكنات عسكرية ومواقع استراتيجية أبرزها القصر الجمهوري، “سلاح الإشارة”، ومعسكرات “الكدرو” ، “الأسلحة”، “حطاب” “العيلفون” بمدينتي بحري وشرق النيل.
كما يسيطر على مقر “القيادة العامة” وسط الخرطوم، سلاح “المدرعات”، سلاح “الأسلحة” جنوبي العاصمة، سلاح “المهندسين”، “السلاح الطبي”، كلية “القادة والأركان”، “الاحتياطي المركزي”، قاعدة “وادي سيدنا” العسكرية بمختلف وحداتها وثكناتها العسكرية، بمدينة أم درمان غربي العاصمة الخرطوم.
وحسب المصادر، فإن قوات “الدعم السريع”، لا تزال تسيطر على مواقع استراتيجية في العاصمة الخرطوم، أبرزها مطار الخرطوم، وبنك السودان المركزي، وشركة “زين” للاتصالات”، وبرج الفاتح، ومبنى رئاسة الوزراء، ومنطقة السوق العربي، وأرض المعسكرات في سوبا، والمدينة الرياضية، ومعسكر الدفاع الجوي.
كما تسيطر على معسكر “طيبة”، مقر جهاز الأمن والمخابرات، مباني “فرع الرياضة العسكري”، ومعهد الاستخبارات العسكرية، وأكاديمية الأمن العليا، وإدارة العمليات الخاصة، ومقر الشرطة العسكرية، ووزارتي الداخلية، والخارجية.
وحسب المصادر العسكرية، فإن الجيش السوداني يسيطر حاليًا على أغلب الجسور في الخرطوم، وأبرزها “كوبر”، “الحديد”، “الحلفايا”، “السلاح الطبي”، “الفتيحاب”، “شمبات”، “سوبا”، “المنشية”.
بينما تسيطر قوات الدعم السريع، على جسور “توتي” وسط الخرطوم، “جبل أولياء” جنوب العاصمة، ومدخل ولاية الخرطوم، من اتجاه مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ومدخل ولاية الخرطوم من ناحية ولاية النيل الأبيض.
ومع توسع رقعة القتال، أعلنت قوات “الدعم السريع” الخميس الماضي، السيطرة على منطقة “المالحة” بشمال دارفور، بما في ذلك المعسكر الرئيسي للجيش بالولاية.
وتعد المالحة منطقة استراتيجية تربط بين شمال دارفور والحدود الليبية، ما يمنحها أهمية عسكرية ولوجستية.
ومنذ أشهر، تشهد ولاية شمال دارفور مواجهات عنيفة بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وفي 11 يناير/كانون الثاني الماضي، أعلن الجيش السيطرة على مدينة “ود مدني” عاصمة ولاية الجزيرة في وسط السودان، والتي كانت تحت قبضة “الدعم السريع”، لأكثر من عام.
وحاليًا يتقاسم الجيش السوداني و “الدعم السريع” السيطرة على بعض الولايات، إذ يسيطر الجيش بالكامل على ولايات البحر الأحمر، كسلا، القضارف، سنار، نهر النيل، والشمالية والجزيرة من جملة الولايات البالغ عددها 18 ولاية.
كما تسيطر قوات “الدعم السريع” بشكل كامل على ولايات جنوب دارفور، شرق دارفور، غرب دارفور، ووسط دارفور، وأجزاء واسعة من الحدود مع تشاد وأفريقيا الوسطى، كما تتحرك بحرية على الحدود الشمالية الغربية مع ليبيا.
وما زال الطرفان يتقاسمان السيطرة والنفوذ على أجزاء واسعة من ولايات الخرطوم، شمال دارفور، جنوب كردفان، شمال كردفان، غرب كردفان، والنيل الأزرق، والنيل الأبيض.