آخر الأخبار

الجزيرة السودانية تبحث عن إنقاذ أول مواسمها الزراعية بعد التحرير

شارك

ملخص

الإحصاءات الأولية تقدر حجم الخسائر في المشروع بسبب الحرب التي شنتها “الدعم السريع” بنحو 300 مليون دولار قابلة للزيادة مع استمرار حصر الأضرار.

يواجه أول موسم زراعي في مشروع الجزيرة بعد تحرير الولاية من قبضة قوات “ الدعم السريع ” معوقات كبيرة نتيجة انعدام المدخلات الزراعية وانسداد قنوات الري وآلياته المتوقفة، فضلاً عن نزوح المزارعين وفقرهم، مما يهدد بفشل الموسم في زراعة المحاصيل الصيفية من الذرة والقطن والفول وفول الصويا والخضراوات التي تمثل الركيزة الأساس لمواطني الولاية إلى جانب تغطية حاجات الأسواق المحلية .

تحديات كبيرة

اللجنة الزراعية التي تضم أصحاب الخبرة الطويلة وأصحاب المصلحة من المزارعين والمرشدين والملاك، قالت خلال مؤتمر الجزيرة إنها تعكف على توضيح التحديات الراهنة التي تجابه المشروع وتقف حائلاً أمام نجاح الموسم الصيفي.

وكشفت اللجنة عن أن أنظمة الري ضمنه في حاجة إلى صيانة عاجلة للتمكن من ري كل المساحات المستهدفة بالزراعة خلال الموسم الصيفي الذي يطرق الأبواب، بعد انقطاع الصيانة عنها بشقيها الدورية والوقائية خلال العامين الماضيين.

وأوضح بيان الجنة أن الحرب تسببت بفقدان المشروع 70 في المئة من قوة آليات الهندسة الزراعية وتعرض ما بقي منها للسرقة والنهب، مما يجعل الموسم الصيفي في حاجة عاجلة إلى توفير تلك الآليات.

وأشار البيان إلى أن مسألة توفير البذور تمثل أيضاً أحد أكبر المهددات أمام الموسم الصيفي، إذ كان المشروع يعتمد على توفير البذور المحسنة والأصناف المجازة من قبل مجموعة من الشركات التي فقدت في معظمها مخزونها من البذور، لكنها لم تتمكن من إنتاج كميات كافية لتغطية مساحة المشروع، بخاصة بذور الذرة كمحصول أمن غذائي والقطن كمحصول نقدي.

كشفت اللجنة الزراعية أن أنظمة الري في حاجة إلى صيانة عاجلة (اندبندنت عربية – حسن حامد)

معاناة ونزوح

ونوهت اللجنة إلى عدم فتح أي جهة حتى الآن اعتمادات لاستيراد الأسمدة ومبيدات الحشائش والحشرات مثلما كان يحدث قبل بداية كل موسم باعتبارها أيضاً من مدخلات الإنتاج الزراعي المهمة التي تمثل إحدى المعضلات الكبيرة أمام الموسم الصيفي بالمشروع، لا سيما أن الشركات الوكيلة تحتاج في العادة إلى ستة أشهر قبل بداية الموسم حتى تتمكن من تصنيع المبيدات المطلوبة.

وتطرق البيان إلى تضاعف المعاناة التي ظل يعيشها مزارع مشروع الجزيرة خلال الأعوام الماضية عقب اجتياح ميليشيات “الدعم السريع” للولاية وعمليات النهب والسلب والسرقة التي طاولت كل أرجائها، مما أفقد سكانها كل مدخراتهم على قلتها، فيما لا يزال كثير من مواطنيها نازحين في بعض مناطق البلاد ولاجئين في دول الجوار.

وناشدت اللجنة الزراعية، مجلس السيادة الانتقالي ووزارة المالية وكل المؤسسات العامة والخاصة ذات الصلة بالشأن الزراعي، الإسراع في وضع خطة طوارئ لإنقاذ الموسم الصيفي وتوفير جميع متطلباته وتقديم كل المعينات الضرورية للمزارعين، مؤكدة استعدادها للتعاون والتنسيق وتقديم كل المساعدات اللازمة.

خسائر فادحة

وأوضح محافظ مشروع الجزيرة المهندس إبراهيم مصطفى أن الإحصاءات الأولية تقدر حجم الخسائر في المشروع بسبب الحرب التي شنتها “الدعم السريع” الإرهابية على البلاد بنحو 300 مليون دولار حتى الآن قابلة للزيادة مع استمرار حصر الأضرار.

ولفت إلى أن الميليشيات عمدت خلال هجومها إلى دخول المشروع وعاثت فساداً بكل جوانبه بما فيها نهب الأصول الثابتة والآليات ومحطات الكهرباء، وتخريب الورش وحتى الأسمدة والمقويات، فوقع الضرر الأكبر على قسم الجزيرة مقارنة بقسم المناقل.

دعوات لوضع خطة طوارئ تنقذ الموسم الصيفي (اندبندنت عربية – حسن حامد)

وأشار مصطفى إلى أنه لاحظ رغبة وإقبالاً كبيراً من جانب المزارعين والمواطنين على الزراعة بعد تحرير ولاية الجزيرة، حيث شرع عدد كبير منهم في العمل، لافتاً إلى تشكيل لجان للحصر الدقيق والإحصاءات التي تتعلق بالأضرار التي لحقت بالمشروع.

كما أكد أن إدارة المشروع باشرت مهماتها بوضع خطة مستقبلية لإعادة إعمار ما دمرته الحرب وتسعى إلى البدء الفوري بإلحاق المشروع بموكب الإنتاج العالمي والإعداد للمراحل الزراعية التالية خلال الأيام المقبلة، بخاصة أنها تسلمت المشروع من الجيش والقوات المساندة وهو خالٍ من التهديدات الأمنية.

وتسبب اجتياح قوات “الدعم السريع” لولاية الجزيرة قبل عام بتدهور كبير في البنية التحتية والقدرات الإنتاجية لأكبر المشاريع الزراعية المروية في أفريقيا والعالم العربي بمساحة أكثر من مليوني فدان (900 ألف هكتار) وسط السودان.

تعقيدات أمنية

من جانبه كشف الأمين العام لمؤتمر الجزيرة المبر محمود عن وجود مشكلات أمنية تتركز في مناطق أقصى شمال المشروع حيث ما زالت هناك بعض خلايا المتمردين وتعتبر خارج رقعة التعامل الإداري للمشروع، بينما يعتبر كثير من أقسام المشروع في المناقل وجنوب الجزيرة ووسطها وجنوب محلية الكاملين، خالية من المشكلات والمهددات الأمنية.

وأوضح محمود في حديث إلى “اندبندنت عربية” أنه على رغم الانتشار المحدود للألغام الأرضية في بعض مناطق المشروع التي نتجت منها حوادث في محلية أم القرى شرق الجزيرة، فإنه يتوقع انتشار مخلفات الحرب الخطرة في مناطق أخرى من أراضي المشروع التي تحتاج إلى التعامل معها سريعاً قبل عودة المزارعين للحقول.

أخطار حقيقية لمخلفات الحرب في المناطق الزراعية (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ووفق محمود باشر المؤتمر بوصفه كياناً مجتمعياً يضم قدامى المزارعين والاختصاصيين الزراعيين من الولاية، بتحركات واتصالات مع الحكومة المركزية ووزارات الزراعة والري لإيجاد معالجات إسعافية عاجلة لتحديات ومشكلات الري ومدخلات الإنتاج.

وتابع أن “المزارعين تعرضوا للإفقار وفقدوا قليلاً مما كانوا يمولون به العمليات الزراعية ذاتياً، فضلاً عن أن معظمهم ما زال خارج المشروع بسبب نزوح نحو 5 ملايين نسمة من سكان الولاية عاد منهم نحو نصف مليون فقط ولا يزال كثير منهم خارجها”.

وطالب بضرورة تكوين لجنة متخصصة من أصحاب المصلحة وقيادات العمل الزراعي بالمشروع من أبناء الجزيرة (بعيداً من الأحزاب) لتقديم رؤية للدولة لمعالجة المشكلات الملحة بغية إنقاذ الموسم الصيفي بأسرع وقت.

مخاوف المزارعين

على الصعيد نفسه أوضح المزارع في المشروع عبدالقادر عمر أن بنيات الري التحتية بخاصة الفرعية تعرضت لتدمير واسع خلال العامين الماضيين، فتحول معها عدد كبير من الحقول داخل المشروع إلى شبه أدغال بسبب هجر ونزوح المزارعين والنمو العشوائي للحشائش الطفيلية، مما يجعل مشكلة تطهير قنوات الري من أكبر المعضلات التي تهدد الموسم الزراعي الصيفي.

ولفت إلى أن اجتياح قوات “الدعم السريع” لمعظم قرى المشروع ونهبها ممتلكات المزارعين وتشتيت سكان قراه كلها أسباب أفقدته اليد العاملة وأنه حتى مع عودة قليل منهم لكنهم لا يملكون القدرة المالية لتمويل نشاطهم الزراعي، بخاصة توفير البذور التي إما نهبت أو استُهلكت كغذاء، لذلك يرى عمر أن توفير المقويات لمحصولي الموسم الصيفي الذرة والقطن يشكل أولوية قصوى قبل الشروع في أي عمليات تحضير للموسم الصيفي المقبل.

وتابع أن “في السابق كانت هناك شركات تقوم بتوفير البذور لكن هذه المرة لم توفرها لأنها لم تكُن جاهزة عند تحرير الولاية، ولم تنتج تلك الشركات البذور اللازمة للزراعة ولا تحرك حتى الآن في هذا الاتجاه، مما يعني أنه لن تكون هناك زراعة خلال هذا الموسم الصيفي إذا تأخرت أكثر من ذلك، بخاصة بالنسبة إلى محصولي الذرة والقطن”.

وشهدت محلية أم القرى شرق الجزيرة أكثر من حادثة انفجار ألغام أرضية خلال الفترة الماضية أدت إلى مقتل وإصابة أربعة أشخاص في قرية ود بلحة بالمحلية، حيث دارت مواجهات دامية نتيجة تحصن قوات “الدعم السريع” بقراها أثناء العمليات الحربية لتحرير مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة وعمدت إلى زراعة الألغام حول المداخل والنقاط المهمة لمنع تقدم الجيش.

ألغام عشوائية

من جانبه صرّح مدير المركز السوداني للألغام اللواء خالد حمدان إلى “اندبندنت عربية” بأن هناك أخطاراً حقيقية لمخلفات الحرب ضمن المناطق الزراعية، مشيراً إلى أن المشكلة تكمن في أن انتشار مخلفات هذه الحرب كان بصورة كبيرة وعشوائية جعلت من الصعب تحديد مكان الخطر بدقة، مما يعني وجود حاجة إلى مسح كامل لكل تلك المناطق.

وأوضح أن هناك مجموعة من الفرق الميدانية التابعة للمركز تعمل في ولاية الجزيرة في شقي الإزالة والتوعية والإرشاد في آن واحد، منوهاً إلى وجود بلاغات كثيرة تعمل الفرق على الاستجابة لها بموجب الخطة المرسومة لنظافة وتطهير بعض المناطق.

وقال “نعمل الآن بالتنسيق مع وزارة المالية لتوفير التمويل اللازم للتمكن من دفع مزيد من الفرق إلى المناطق الزراعية”، معتبراً أن مخاوف المزارعين تبدو مبررة وفي محلها، لكن في الوقت نفسه تواصل فرق المركز عملها ضمن المناطق الزراعية للتوعية والإرشاد لتجنب حرق المخلفات الزراعية الذي قد يتسبب في انفجار الأجسام الخطرة.

وأكد مواصلة العمل وتكثيف الجهود لتوسيع دائرة المساحات المستهدفة عبر إرسال مزيد من فرق مكافحة الألغام خلال الفترة المقبلة بغرض توفير الأمان للمزارعين في تلك المناطق، لافتاً إلى أن الأخطار الكبيرة قد تتركز في المناطق الريفية التي يتواصل ورود البلاغات منها، بينما تعتبر مدينة ود مدني أخف وطأة من حيث أخطار مخلفات الحرب.

تدمير وتشريد

من جانبها قالت الهيئة العامة للري والحفريات إنها تعرضت لخسائر وأضرار فادحة “جراء هجوم الميليشيات المتمردة”، شملت المباني والورش والمعامل والمكاتب والمخازن ووسائل النقل والحركة المختلفة داخل مقارها الرئيسة في كل من مدينة ود مدني (مقر الهيئة الفرعية لأعمال الري، الهيئة الفرعية للحفريات) بما فيها مصانع وورش، إلى جانب مقارها في شمال الجزيرة وجنوبها ضمن مدن أبوعشر والحاج عبدالله وسنار والسوكي والدندر، فيما لا يزال الحصر والتقييم مستمراً لعدد من المواقع الأخرى للهيئة.

وتمكن الجيش في الـ11 من يناير (كانون الثاني) الماضي، من دخول مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بعد أكثر من عام من وقوعها تحت قبضة قوات “الدعم السريع”.

وتعرضت مرافق الخدمات العامة في الولاية لعمليات تخريب ونهب وتدمير واسعة ودُمر قطاع المياه ونهب ودمر 150 مستشفى عاماً و32 مستشفى مرجعياً إلى جانب تحطيم المراكز التعليمية والجامعات.

وأجبر سقوط ولاية الجزيرة في أيدي قوات “الدعم السريع” نهاية عام 2023، نحو خمسة ملايين من سكان معظم مدن الولاية وقراها يمثلون مئات آلاف الأسر على الفرار وهجر منازلهم.

اندبندنت عربية

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا