آخر الأخبار

السودان.. جدل سياسي وإعلامي بشأن تعديلات "الوثيقة الدستورية"

شارك

أثارت تعديلات أقرها الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء على “الوثيقة الدستورية”، الأربعاء، جدلاً كبيراً في السودان، إذ تباينت الآراء بين من اعتبرها تكريساً لوضع جديد يكون فيه للمؤسسة العسكرية “القول الفصل” في شؤون الحكم والإدارة، ومن رأى فيها ضرورة تتطلبها “الظروف الدقيقة” التي تمر بها البلاد خلال الحرب التي تقترب من إكمال عامها الثاني.

وفي وقت سابق الأربعاء، أعلن الناطق باسم الحكومة السودانية وزير الإعلام خالد الأعيسر، أن الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء أجاز بالإجماع تعديل الوثيقة الدستورية وعدد من القوانين.

وقال الأعيسر إن “الاجتماع أجاز الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لسنة 2019 تعديل لسنة 2025”.

واكتفى البيان الحكومي الذي نقلته وكالة السودان للأنباء “سونا” بالإعلان عن إجازة التعديلات دون إيراد التفاصيل، إلا أن مصادر مطلعة في المجلسين كشفت لـ”الشرق” أهم البنود.

أبرز التعديلات

وأوضحت المصادر أن التعديلات شملت إضافة مقعدين للعسكريين بمجلس السيادة السوداني ليصبح العدد الكلي 9 مقاعد بدلاً عن 7.

وأضافت المصادر أن عدد العسكريين الأعضاء بمجلس السيادة (وهو أعلى سلطة في البلاد) سيكون 6 بدلاً عن 4 – كما هو الوضع حالياً – وستحتفظ أطراف اتفاق سلام جوبا من الحركات المسلحة في دارفور والحركة الشعبية بقيادة مالك عقار بحصتها كما هو في السابق.

ووفقاً للمصادر، أكدت تعديلات الوثيقة الدستورية ضرورة مراعاة تمثيل المرأة والأقاليم في مجلس السيادة، على أن تكون الفترة الانتقالية 39 شهراً تبدأ من تاريخ التوقيع على الوثيقة.

وأضافت أن الوثيقة منحت قيادة القوات المسلحة حق الترشيح والتوصية بإعفاء رئيس مجلس السيادة بدلاً عن النص الذي يقول إن اختياره يتم بالتوافق بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير.

ونصت الوثيقة المعدلة على أن مجلس السيادة يترأسه “القائد الأعلى للقوات النظامية” بدلاً عن النص الذي كان يقول سابقاً “يرأسه القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى”.

وأشارت المصادر إلى أن الوثيقة الدستورية منحت رئيس المجلس السيادي حق تعيين رئيس وزراء الحكومة، بدلاً عن ترشيحه بواسطة قوى سياسية كما كان سابقاً.

ووفقاً للتعديلات الجديدة، فقد تراجعت السلطات السودانية عن تقليص عدد الوزارات إلى 16 وزارة والإبقاء على 26 على أن يحتفظ الموقعون على اتفاقية سلام جوبا بحصتهم في الحقائب الوزارية كما هو الوضع الآن.

وأفادت المصادر بأنه تم الإبقاء وفقاً للوثيقة السابقة على هياكل السلطة في البلاد، لتتكون من مجلس سيادي باعتباره رأس الدولة ورمز سيادتها، ومجلس وزراء يمثل السلطة التنفيذية في البلاد، بالإضافة للسلطة التشريعية، وهي سلطة التشريع والرقابة.

ووفقاً لمصادر “الشرق”، خصصت الوثيقة الدستورية في تعديل سنة 2025، فقرة للمبادئ العامة، التي تنص على قدسية مبدأ السيادة الوطنية ووحدة التراب السوداني والوحدة الوطنية لهذا البلد بكل تنوعاته.

حظر نشاط قناة “الشرق للأخبار”

وبعد ساعات من ما أوردته “الشرق”، قال وزير الإعلام السوداني خالد الأعيسر على حسابه في منصة “إكس”، إن عدداً من النقاط التي نشرتها بعض وسائل الإعلام حول بنود الوثيقة الدستورية، ونسبتها إلى مصادر مجهولة، تناولت معلومات غير صحيحة.

وأضاف الأعيسر: “وبعضها تكهنات حملت روحاً مزاجية (وغير مهنية)، بالإضافة إلى معلومات غير دقيقة”.

وأشار إلى أن الحكومة السودانية ستقوم بنشر الوثيقة كاملة في الجريدة الرسمية قريباً بتفاصيلها الحقيقية، و”عليه، فإنه من المهم عدم الانسياق وراء التكهنات والأخبار الكاذبة”.

وفي وقت لاحق الخميس، حظرت السلطات السودانية نشاط قناة “الشرق للأخبار” في السودان بعد نقلها أخباراً حول مضمون الوثيقة الدستورية المعدلة، استناداً إلى تصريحات مصادر رفيعة المستوى.

وأعربت نقابة الصحافيين السودانيين عن “بالغ قلقها واستنكارها الشديدين” للقرار الصادر عن السلطات السودانية بحظر نشاط “الشرق للأخبار” في السودان، “دون تقديم أي تفسير رسمي”.

واعتبرت النقابة، في بيانها، أن “القرار المذكور يمثل انتهاكاً صريحاً لحرية الصحافة وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات، كما يشكل تهديداً خطيراً للمبادئ الأساسية لحرية التعبير وحرية الصحافة والإعلام”.

وطالبت النقابة “السلطات المختصة بضرورة التراجع الفوري عن هذا القرار التعسفي، ووقف جميع الإجراءات التي تعرقل حرية العمل الصحافي”، بحسب البيان.

“تعديلات تستوفي الشروط الدستورية”

وأكد رئيس الجبهة الثورية السودانية والأمين العام لتنسيقية القوى الوطنية محمد سيد أحمد الجكومي، المقرب من دوائر السلطة في السودان، ما أوردته “الشرق”، مشيراً إلى أن “التغيير الجوهري” الذي أحدثته تعديلات سنة 2025 على الوثيقة الدستورية هي زيادة عدد أعضاء المجلس السيادي من العسكريين إلى 6.

وقال الجكومي لـ”الشرق”، إن “التعديلات الأخيرة حذفت كل مفردة تتعلق بقوات الدعم السريع، وقوى الحرية والتغيير من الوثيقة الدستورية”.

وأضاف أن “اللافت أيضاً في التعديلات الأخيرة هو منح مجلس السيادة حق تعيين رئيس الوزراء، دون منحه الحق في إعفائه، بل يمكن له أن يوصي السلطة التشريعية، سواء كانت ممثلة في المجلس التشريعي بعد تشكيله أو بشكلها المؤقت، ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء بإعفائه”.

وتابع: “كذلك مددت التعديلات الدستورية الأخيرة الفترة الانتقالية إلى 39 شهراً، وأبقت على المادة 80 من الوثيقة المتعلقة بمجلس شركاء الفترة الانتقالية المعني بحل الأزمات والمشاكل في الفترة الانتقالية”.

واعتبر الجكومي أن التعديلات الأخيرة على الوثيقة الدستورية “تتسق مع متطلبات الراهن السياسي”، مشيراً إلى أن أبرز ما يميزها هو عدم تسميتها لحاضنة سياسية للحكومة، كما كان الحال مع قوى “الحرية والتغيير” في السابق، ما يجعلها متاحة للجميع.

وأشار إلى أن “الوثيقة الدستورية تعديل سنة 2025 تلبي طموحات المرحلة الدقيقة التي تمر بها البلاد، لكنها من دون شك ستحتاج إلى تعديلات أخرى في المستقبل”.

وبشأن الجدل الذي أثير في السودان حول دستورية التعديلات الأخيرة، قال الجكومي إن ما قام به مجلسا الوزراء والسيادة “يعتبر قانونياً”، لأن المادة 78 من الوثيقة الدستورية منحت حق التعديل للمجلس التشريعي بأغلبية الثلثين، والذي تمثل في اجتماع المجلسين حال عدم وجود برلمان.

وزاد: “بموجب المادة 78 من الوثيقة الدستورية يعتبر ما قام به المجلسان قانونياً ودستورياً”.

“لا سلطة نافذة للتعديل”

من جانبه، قال الخبير القانوني والمحامي نبيل أديب، لـ”الشرق”، إن “من يملك السلطة الدستورية للتعديل هو المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه مجتمعين، بموجب المادة (78) من الوثيقة الدستورية”، مضيفاً أن “هذه السلطة لا تنتقل لغيره؛ لأنها محددة”.

وتابع أديب: “لا علم لي بتفاصيل التعديلات التي تمت في اجتماع مجلسي السيادة والوزراء، الأربعاء، لكن طالما أنه لا يوجد مجلس تشريعي فلا توجد سلطة نافذة لتعديل الوثيقة”.

وأوضح الخبير القانوني أنه “يمكن الاتفاق أو التوافق حول هياكل الحكم فقط دون تعديلات متعددة، كالاتفاق على تعيين رئيس وزراء، لأنه، بحسب الوثيقة الدستورية، يتم تعيينه بواسطة المجلس التشريعي، وحالياً لا يوجد مجلس تشريعي. فبالتالي، هناك مسائل تعتبر أمر واقع، تتطلب تعديل الوثيقة، وفي غياب الجهة المخوّلة بالتعديل، لا بد من التوصل إلى توافق، وفي أضيق الحدود، إلى حين إكمال الهياكل الحاكمة”.

ورداً على سؤال بشأن قانونية التعديلات التي كشفتها “الشرق”، ومن ضمنها تعيين أعضاء جدد في المجلس السيادي، قال أديب: “لو حصل تعيين، فيجب أن يكون مؤقتاً، ومُحدداً بتعديل الوثيقة الدستورية، وفق ما تُقرره الوثيقة نفسها”.

لكنه أضاف: “ما يحتاجه السودان في هذه المرحلة، يتمثل في تعيين رئيس للوزراء بصفة مؤقتة إلى حين إجراء تعديل للوثيقة الدستورية يسمح بتعيينه بشكل دستوري”.

وفي حال تضمنت التعديلات عند صدورها رسمياً إضافة عضوين عسكريين إلى المجلس السيادي، اعتبر أديب أن “أي تعديل يجب أن تُمليه الضرورة المُلّحة. لأنه يجب أن يكون هناك سبب لأي تعديل”، وخلص إلى القول إن “التعديل بهذا الشكل غير متوافق مع سلطة التعديل في الدستور.. ولكن إذا كان في الأمر ضرورة لتسيير أمور البلاد، فيمكن عمل التعديل بشكل مؤقت”.

وفي 25 أكتوبر 2021 أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، وتعليق العمل بالوثيقة الدستورية وإيقاف العمل ببعض بنودها وتولي الجيش للسلطة، وأقال المدنيين من مناصبهم بما فيهم رئيس مجلس الوزراء عبد الله حمدوك.

وعقب التوقيع على اتفاقية جوبا للسلام في أكتوبر 2020 أُدخلت تعديلات على الوثيقة الدستورية صادق عليها مجلسا السيادة والوزراء باعتبارهما يمثلان السلطة التشريعية مؤقتاً لحين تكوين المجلس التشريعي.

وتم التوقيع على الوثيقة الدستورية المكونة من 28 صفحة و78 بنداً في 17 أغسطس 2019، لتكون المرجعية الأساسية للفترة الانتقالية لمدة 39 شهراً، وهي القانون الأعلى في البلاد، وتسود أحكامها على جميع القوانين.

“بحث عن شرعية للحكم”

وقال عضو مجلس السيادة السابق صديق تاور كافي، إن “التعديلات الأخيرة على الوثيقة الدستورية لا تعدو كونها تحصيل حاصل”، وإن “ما أقدم عليه البرهان بهذه الخطوة يمثل بحثاً عن شرعية لحكم البلاد”.

وأضاف كافي لـ”الشرق”: “منذ انقلاب أكتوبر 2021 لم تعد هناك وثيقة دستورية، بالانقلاب على السلطة القائمة على شرعية الوثيقة الدستورية نفسها، وهو الانقلاب الذي استبعد المكون الأساسي في هذه الوثيقة وهو المكون المدني، الممثل في قوى إعلان الحرية والتغيير”.

واعتبر عضو مجلس السيادة السوداني السابق أن الخطوة التي اتخذها البرهان في التعديلات الأخيرة باستبعاد “الدعم السريع” من الوثيقة “غير ذات معنى، لكنه قام بها من باب أنها محاولة لهندسة مشهد يمنحه وضعية شبه مؤسسية في ظل فوضى الحرب، فهو ليس لديه مجلس سيادة، بل مجرد مجلس عسكري، والأشخاص الموجودين في المجلس الحالي لا يملك عليهم أي سلطة تمكنه من عزلهم أو تعيينهم وفقاً للوثيقة الدستورية نفسها، حتى إذا كانت سارية”.

وقال شهاب إبراهيم، عضو الأمانة العامة للتحالف المدني لقوى الثورة “صمود” الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إن “شرعية الوثيقة الدستورية انتهت بانقلاب 25 أكتوبر 2021، وأن ما يحدث الآن هو مجرد تلاعب لإيجاد صيغة دستورية لرفع تجميد عضوية السودان من الاتحاد الإفريقي”.

وأضاف إبراهيم لـ”الشرق”: “لكن نعتقد أن الاتحاد الإفريقي أغلق هذا الباب من خلال البيان الذي أصدره مجلس السلم والأمن الإفريقي حول الإجراءات المطلوبة لرفع تجميد عضوية السودان”.

وأشار القيادي بـ”صمود” إلى أن “التعديلات الأخيرة على الوثيقة الدستورية وما تقوم به قوى أخرى من محاولة لتشكيل حكومة موازية في العاصمة الكينية نيروبي، تمثل إحدى مظاهر الصراع حول السلطة خلال مرحلة ما بعد الحرب في السودان”.

وحذّر إبراهيم من أن “تؤدي محاولات تعديل الوثيقة الدستورية في السودان إلى تعميق حالة الانقسام التي تشهدها البلاد الآن”.

من جانبه يرى محمد الماحي الأنصاري، عضو المكتب السياسي لـ”حزب الأمة” بقيادة مبارك المهدي، أن رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان “لا يمتلك الحق في إجراء التعديلات التي قام بها عبر الاجتماع المشترك لمجلسي السيادة والوزراء على الوثيقة الدستورية”.

وأضاف الأنصاري لـ”الشرق”: “الفريق البرهان يعتقد أن المعركة داخل الخرطوم في نهايتها، وأن هذا هو التوقيت المناسب لفرض مشروعه بالتحالف مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية جوبا للسلام، بمنحها نسبة 25% من السلطة التي وردت في الاتفاق، علماً بأن هذا الاتفاق يواجه أزمة دستورية كبيرة باعتبار أن أجله انتهى، وأن إقليم دارفور الذي كان موضوعه بات خارج سيطرة الجيش السوداني والحركات المسلحة”.

وتوقع الأنصاري أن تؤدي هذه الخطوة إلى “تصدع في المعسكر الموالي لرئيس مجلس السيادة السوداني”، مرجعاً الأمر إلى أنه “منح الحركات المسلحة نسبة من السلطة واستبعد حلفائه من الإسلاميين ومجموعات أخرى تقاتل بجانب الجيش”.

وقال إن “المرحلة المقبلة ستشهد اصطفافاً لمجموعة من التيارات السياسية”، لمواجهة ما سماه بـ”المشروع الشمولي” للبرهان.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا