آخر الأخبار

«الكنابي».. مجزرة على ضفاف النيل (الجزء الثاني)

شارك
(مرصد SPT – ترجمة الراكوبة)
لم تتوقف الانتهاكات ضد المدنيين التي ترتكبها الميليشيات وكتائب الإسلاميين المتحالفة مع الجيش، والتي أوردناها في الجزء الأول من التقرير، بل استمرت بنفس الفظاعة، واتسعت رقعتها من الجزيرة إلى كردفان وحتى الخرطوم في منطقة بحري.
وأوردت “مركزية مؤتمر الكنابي” في بيان أصدرته في 10 فبراير جرائم عنف جديدة شملت العديد من مناطق سكان الكنابي، وتراوحت بين القتل والتهجير القسري والخطف والاعتقالات، وقالت إنها ارتُكبت بواسطة قوات درع السودان بقيادة كيكل و”المقاومة الشعبية”، وهم إسلاميون، أغلبهم من مجموعات جهادية تعمل تحت هذا الاسم لإخفاء الشعارات الجهادية، كما اعترف بذلك عبد الحي يوسف، أحد أئمة التيار الجهادي الحربي وقيادي بارز بمجلس شورى الحركة الإسلامية السودانية، حيث برر إخفاء هوية المجاهدين تحت شعار “المقاومة الشعبية” قائلًا: “كلمة الجهاد أصبحت منبوذة”.
نداء من مؤتمر الكنابي إلى العالم
قال عضو بارز في مؤتمر الكنابي إن قوات درع السودان وميليشيات وكتائب إسلامية ومستنفَرين يقتلون ويهجّرون المواطنين من منازلهم بعد اتهامهم بالانتماء إلى قوات الدعم السريع دون أي أدلة قانونية، مؤكدًا أن سكان الكنابي مواطنون عاديون، وجريمتهم الوحيدة أن أصولهم العرقية تعود إلى دارفور.
وكان مؤتمر الكنابي قد وصف في بيانه الأخير استهداف سكان الكنابي بأنه جرائم ممنهجة تُرتكب على أساس العرق واللون.
وناشد البيان المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان والجهات المعنية بالتدخل العاجل لوقف هذه الجرائم البشعة، وضمان حماية السكان المدنيين، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
توسّع دائرة المجازر
ذكرنا في الجزء الأول من التقرير، استنادًا إلى مصادر مختلفة تحدثنا معها، أن عدد القتلى يتراوح بين 1000 و1200. ومع ذلك، فإن الشهادات التي سمعناها ومقاطع الفيديو التي شاهدناها تجعل أي رقم يتم تحديده غير دقيق، خاصة مع توسّع نطاق الانتهاكات وانتقالها من قرى وكنابي غرب ولاية الجزيرة إلى قرى وكنابي شرقها، ومنها إلى منطقة بحري في العاصمة الخرطوم، وقبلها مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، حيث وقعت انتهاكات جسيمة—نمتنع عن عرض مقاطع الفيديو لعدم صلاحيتها للنشر.
وفي مناطق شرق الجزيرة، كان عدد الضحايا كبيرًا لدرجة أن جثثهم كانت تُنقل على عربات تجرها الحمير، والتي يُطلق عليها سكان الريف “كارو”.
لاحقًا، علمنا من مصدر أمني أن سبب نقلهم بهذه الطريقة هو إخفاء استخدام العربات العسكرية.
500 ضحية في عداد المفقودين
كان يوم 7 فبراير الماضي يومًا قاسيًا على سكان “العزبة”، الواقعة في منطقة بحري بالعاصمة الخرطوم. في حوالي الساعة 11 صباحًا، اقتحمت الكتيبة الإسلامية الأشهر، “البراء بن مالك”، المنطقة التي يقطنها بالكامل نازحو الحروب، ومعظمهم من جبال النوبة، إلى جانب بعض الدارفوريين وقلة من جنوب السودان. بدأوا بإطلاق النار عشوائيًا، ثم اقتحموا المنازل، وهي مجرد أكواخ بدائية من القش والطين تقي سكانها من الشمس والمطر، وشرعوا في اعتقال جميع الرجال، وخاصة الشباب، قبل أن ينهالوا عليهم بالضرب والإذلال، متهمين إياهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
أحد سكان بحري أفاد بأن المعتقلين جُمعوا في فناء أحد المنازل، حيث خضعوا لاستجواب قاسٍ، قبل أن يتم إعدام بعضهم بإطلاق الرصاص على رؤوسهم أمام البقية. حتى الآن، لا يُعرف مصيرهم، ويُقدَّر عددهم بحوالي 500 شخص، وسط مخاوف من أن يكونوا قد قُتلوا وأُلقيت جثثهم للكلاب الضالة التي تنتشر بكثرة في المنطقة، خصوصًا وأن شعار الجهاديين في كتيبة “البراء بن مالك” هو “الإرسال إلى الله” لكل من يتهمونه بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
من يقف وراء المجازر؟
لم تبدأ المجازر ضد الدارفوريين في السودان في عام 2024-2025، بل تعود جذورها إلى عام 2003-2004، عندما ارتكب النظام القديم بقيادة عمر البشير إبادة جماعية ضد شعب دارفور. وفي عام 2005، فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقًا في جرائم الحرب بدارفور بتفويض من مجلس الأمن الدولي، وهو التحقيق الذي انتهى إلى توجيه اتهامات لعدد من المسؤولين، على رأسهم البشير، بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية. وكان من بين المطلوبين للعدالة أحمد هارون، الذي يتزعم الآن قيادات الحركة الإسلامية السودانية التي أطلقت حرب 15 أبريل 2023 بهدف العودة إلى السلطة. وفي 11 ديسمبر الماضي، اختارته الحركة لرئاسة جناحها السياسي.
قال لنا حقوقي سوداني مرموق إن سياسة الإفلات من العقاب، إلى جانب عدم إبداء المجتمع الدولي جدية كافية في محاكمة مرتكبي مذابح دارفور السابقة، هي التي مهدت الطريق لارتكاب المجازر الحالية. بل إن هذا التهاون كان الدافع الرئيسي الذي شجّع النظام السابق، المسؤول عن الإبادة الجماعية في دارفور، على شن الحرب مجددًا ومحاولة استعادة السلطة بالقوة.
المحرضون المباشرون:
إلى جانب النظام الإسلامي القديم، الذي تشير أدلة وشواهد عديدة إلى وقوفه وراء هذه الانتهاكات الجسيمة، هناك شخصيات لعبت دورًا بارزًا في الحرب، وفي مجزرة الكنابي بنشر خطاب الكراهية والعنصرية والتحريض على القتل، ومن أبرزهم:
المصباح أبوزيد طلحة إبراهيم: قائد كتيبة “البراء بن مالك” الجهادية، التي تقاتل إلى جانب الجيش، وقد دأب في جميع خطاباته على الدعوة إلى الجهاد والقتل، رافضًا أي مبادرات للسلام.
في 31 يناير الماضي، وأثناء المجازر التي استهدفت سكان الكنابي، نشر على صفحته في “فيسبوك” منشورًا قال فيه: “التعامل مع الجاسوس والعميل والمندس والخائن ليس كالتعامل مع الأسير أو المتعاون الذي يقع في الأسر.”
وقد فُسّرت هذه العبارة على أنها رسالة مشفّرة لقواته تدعو إلى تصفية كل من يُتهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع، وهي التهمة التي تُستخدم ذريعة لقتل سكان الكنابي العزّل وتهجيرهم قسرًا.
عبد الرحمن عمسيب: رئيس منظمة عنصرية تُدعى “النهر والبحر”، والذي استغل قناتيه على “يوتيوب” و“فيسبوك” للتحريض ضد المجموعات ذات الأصول المنحدرة من دارفور وجبال النوبة وكردفان، مستخدمًا خطابًا يحض على العنصرية والكراهية والعنف.
قبل أيام من وقوع المجازر ضد سكان الكنابي، أطلق حملة تحريضية مكثفة، موجّهًا حديثه إلى مليشيا “درع السودان” التي يقودها كيكل، مطالبًا بإحراق الكنابي، وطرد المنتمين عِرقيًا إلى إقليم دارفور، وإجبارهم على مغادرة ولاية الجزيرة والعودة إلى موطنهم الأصلي.
وفي التسجيل المرفق أدناه، يدعو علانيةً إلى “التطهير العرقي”، قائلًا: “إذا لم تستطع الحكومة القيام بالتطهير، فلنفعله نحن، ونجعل الحياة في ولاية الجزيرة منفرة لهم حتى يعودوا إلى دارفور.”
الطيب جودة، زعيم قبلي مقرب من الإسلاميين، وأمير أحد فروع قبيلة الكواهلة في منطقة سرحان بولاية الجزيرة. يُعرف بتحريضه المستمر على طرد سكان الكنابي، واصفًا إياهم بالنازحين واللاجئين، ومتهمًا إياهم بالتعاون مع قوات الدعم السريع.
في مقطع الفيديو المنشور أدناه، ظهر وهو يحرض أفراد قبيلته ضد سكان الكنابي، قائلًا: “لن نرحم… أي متعاون مع قوات الدعم السريع هو هدف مشروع بالنسبة لنا.”
عقب تصريحاته في هذا الفيديو، تعرضت عدة مناطق من الكنابي لهجمات أسفرت عن مقتل عدد من سكانها، بالإضافة إلى عمليات حرق واسعة طالت مساكنهم.
اضغط لقراءة التقرير باللغة الإنجليزية
https://sudanpeacetracker.com/archives/828
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا