يركز قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان على إعادة تشكيل المشهد السياسي، في خضم تصاعد القتال مع قوات الدعم السريع التي منيت بهزائم متتالية خلال الفترة الماضية وتقترب من خسارة الخرطوم بشكل كامل
وتثير تحركات البرهان الكثير من الاستغراب، فبدلا من استغلال زخم الانتصارات التي حققها الجيش ضد قوات الدعم السريع يركز على معارك سياسية قد تؤدي إلى تشتت الجهود وإطالة أمد القتال.
وكشف الخطاب الذي وجهه البرهان وأشار فيه إلى إعادة هندسة الأوضاع السياسية في البلاد، عن تسارع لافت في تغيير المشهد العام، ومع أنه بدا متحللا من عبء حزب المؤتمر الوطني المنحل، إلا أن تحكم البعض من قياداته بمفاصل القرار يقلل من قدرته على تحقيق رغبته في استرضاء جهات خارجية.
الشفيع أديب: الحديث عن إبعاد الإسلاميين غير واقعي
ونقلت رويترز عن مصادر عسكرية الأحد أنه من المتوقع تشكيل حكومة سودانية جديدة بعد استكمال استعادة الجيش للسيطرة على الخرطوم.
وأصدر حزب المؤتمر الوطني المنحل، مساء السبت، بيانا تعامل فيه مع تصريحات البرهان بحذر شديد، ورفض أن يشتبك معه سياسيا، وعمد إلى تذكيره بأن المعركة لم تتوقف، بلغة تحوي تهديدا مبطنا بأن المكونات المسلحة للحزب يمكن أن تنفض عن مساعدة الجيش، في وقت يريد فيه قائده الحفاظ على ما حققه من تقدم عسكري.
ووجه رئيس حزب المؤتمر الوطني أحمد هارون رسالة إلى قائد الجيش قائلا “المعركة لم تنتهِ بعد، لذا فالمحافظة على وحدة الصف الوطني مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية.”
وجاء موقف البرهان في وقت يستعد فيه للإعلان عن حكومة تكنوقراط تساعده على إعادة تقديم الدولة السودانية للمجتمع الدولي بعد نحو عامين من اندلاع الحرب ضد قوات الدعم السريع، إذ يجتمع مجلس السلم والأمن الأفريقي منتصف فبراير الجاري لعقد قمة طارئة على مستوى رؤساء الدول، وممثلين عن الأمم المتحدة، ومنظمة إيغاد، لمناقشة الوضع في السودان، وفرص رفع تجميد عضويته.
ويبدو طريق البرهان صعبا، لأنه لن يستطيع التخلي تماما عن الحركة الإسلامية التي تتواجد كتائب مسلحة لها على الأرض، ولعبت دورا مهما في التقدم العسكري الأخير في ولايات عديدة، جرى تحريرها من قبضة عناصر الدعم السريع.
كما أن الكثير من القوى المدنية لم تتجاوب مع حديثه المتطور، حيث طالبها فيه أيضا بالاعتذار عن فعل سياسي تقول إنها “لم تتورط فيه،” وسعت إلى توقيع اتفاق مع الجيش أسوة بما حدث مع قوات الدعم السريع، ورفضت غالبية مكوناتها المشاركة في حكومة موازية يجري النقاش حولها في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع.
ولم تعلق تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) على حديث البرهان، لإدراكها أن أي تسوية دون انخراط في مفاوضات لإنهاء الحرب وتدشين وضعية سياسية يتفق عليها الجميع سوف تواجه عثرات على الأرض، في ظل قناعة شعبية بأن الأطراف التي قادت إلى اشتعال الحرب لا بد أن تتم تنحيتها عن المشهد المقبل، وإفساح الطريق لقوى كان يجب أن تأخذ فرصتها في الحكم قبل الانقلاب العسكري على حكومة الثورة التي شكلها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في أكتوبر 2021.
وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب لـ”العرب” إن خطاب البرهان مكرر منذ الفترة الانتقالية التي كان يتواجد فيها حمدوك على رأس الحكومة المدنية، وتحذيره الإسلاميين جاء الرد عليه من قيادات التنظيم بالخارج من أنهم يتواجدون في مكتبه.
ويدرك البرهان أن هؤلاء قدّموا له الدعم في الفترة الماضية، ما يجعل الرسائل الأخيرة قد تكون متفقا عليها مع الحركة الإسلامية، وحال كان يستهدف تقويض وصولهم إلى السلطة عليه أن يلقي القبض على من فرّوا هاربين من السجون.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن البرهان وفّر الغطاء السياسي الذي بمقتضاه جرى تنظيم المؤتمر العام لحزب المؤتمر الوطني أواخر العام الماضي، على الرغم من صدور قرارات بحلّه، وذلك في أماكن سيطرته ببورتسودان ومروي، ويمارس هؤلاء نشاطهم السياسي بشكل طبيعي، والحديث عن إبعاد الإسلاميين غير واقعي لسيطرتهم شبه الكاملة على السلطة، بل لديهم رغبة في إطالة أمد الصراع وعدم وقفه، وأفشلوا منابر التفاوض التي هدفت إلى إبعادهم والعودة إلى سياق المرحلة الانتقالية قبل الحرب.
وشدد على أن توجه رئيس مجلس السيادة نحو تشكيل حكومة تكنوقراط يصعب قبوله من دون تنسيق مع الإسلاميين، حيث يهيمنون بشكل كبير على المشهد السياسي بجواره، وسترى الحكومة النور وقت ما يريدون.
شمائل النور: البرهان يستمر في خطواته نحو الإمساك بخيوط مختلفة لكنها هشة
وأكد أن المسودة التي سلّمتها الكتلة الديمقراطية لقائد الجيش ستدخل الأدراج غالبا إلى حين التوصل إلى تفاهمات بشأن مشاركة الإسلاميين في الحكومة، وأن خروج البرهان عن هذا السياق قد يهدد حياته، وما حدث في قاعدة جبيت العسكرية في يوليو الماضي حينما هاجمت مسيرات حفلا كان رسالة تهديد له.
وأوضح البرهان أن الفترة المقبلة ستشهد تكوين حكومة لاستكمال مهام الانتقال، يمكن تسميتها حكومة تصريف أعمال أو حكومة حرب، والغرض منها إعانة الدولة لإنجاز ما تبقى من الأعمال العسكرية “متمثلة في تطهير كل السودان من هؤلاء المتمردين،” في إشارة إلى قوات الدعم السريع.
وقالت المحللة السياسية السودانية شمائل النور إن البرهان يستمر في خطواته نحو الإمساك بخيوط مختلفة لكنها هشة، وإرسال إشارات إلى أطراف يتقارب معها تارة ويبتعد عنها تارة أخرى، والجديد هذه المرة هو توقيت الخطاب، حيث حقق الجيش نجاحات مع اقترابه من السيطرة على العاصمة الخرطوم بشكل كامل، وهي نجاحات شاركت فيها مجموعات مسلحة عدة، بينها ميليشيات تابعة للحركة الإسلامية.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن التصادم بين البرهان والإسلاميين ممكن، لأنهم يبحثون عن مكاسب سياسية بعد انتهاء الحرب، وقد جهزوا أنفسهم للعودة، ويظهر ذلك من خلال الدعم الذي قدمه المؤتمر الوطني للجيش إعلاميا وعسكريا وسياسيا، لكن المشكلة أنهم يسعون للعودة إلى السلطة مباشرة دون استطلاع رأي الشعب.
ويريد الجنرال البرهان أن يظهر في صورة الطرف الذي يتعامل مع جميع القوى السياسية من منطلق مسافة واحدة، مستفيدا من دعم شريحة كبيرة من المواطنين للجيش، وموظفا انتهاكات وجرائم ارتكبتها قوات الدعم السريع، والرفض الشعبي لها.
وحوى خطاب البرهان رسائل عنيفة باتجاه المؤتمر الوطني، وتعامل وفقا لما حققه من مكاسب عسكرية، ليتحول إلى فاعل رئيسي ويترك ردة الفعل للقوى السياسية، ما يكشف عن هشاشة داخلها، بمن فيهم منتمون إلى الحركة الإسلامية احتموا خلف البندقية مؤخرا، لأن العلاقة بين البرهان والإسلاميين تحكمها شبكة مصالح، ومنذ سقوط البشير وهي محفوفة بمخاطر أن يغدر كل طرف بالآخر في أي وقت.
العرب