( تقرير STP – ترجمة الراكوبة)
في خضم الصراع الدائر في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، يتصاعد التوتر الإقليمي بسبب تورط أطراف خارجية وجماعات مسلحة، بما في ذلك جبهة تحرير شعب تيغراي الإثيوبية. الجبهة، التي كانت لاعبًا رئيسيًا في السياسة الإثيوبية لعقود، تجد نفسها الآن جزءًا من صراع معقد في السودان، حيث تشارك إلى جانب الجيش السوداني في المعركة.
تتداخل هذه المشاركة مع الحسابات السياسية التي تتضمن خصومات إقليمية، مثل العلاقة الشائكة بين جبهة تيغراي وإريتريا، مما يزيد من تعقيد المشهد السوداني. بينما تتواصل الانتهاكات والجرائم في العديد من المناطق السودانية، فإن تداعيات تورط جبهة تحرير شعب تيغراي في هذا النزاع تظل عميقة، مع احتمال تصعيد العنف وتفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة.
جبهة تحرير شعب تيغراي هي حركة سياسية وعسكرية ذات طابع عرقي تأسست عام 1975 في إقليم تيغراي شمال إثيوبيا. بدأت كحركة تمرد ضد نظام “الديرغ” الشيوعي، وقادت تحالفًا نجح في الإطاحة بالنظام عام 1991، مما مكنها من السيطرة على الحكومة الإثيوبية لعقود ضمن تحالف الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الإثيوبية (EPRDF).
رغم أن التيغراي يشكلون نحو 6% فقط من سكان إثيوبيا، إلا أنهم فرضوا هيمنة سياسية استمرت قرابة ثلاثة عقود.
وبعد صعود رئيس الوزراء آبي أحمد إلى السلطة عام 2018، تفاقمت الخلافات بين الجبهة والحكومة الفيدرالية، لتندلع حرب شرسة في نوفمبر 2020، تسببت في أزمة إنسانية مروعة في إقليم تيغراي.
في نوفمبر 2022، وقعت الجبهة اتفاق سلام مع الحكومة الإثيوبية، أدى إلى تقليص نفوذها السياسي والعسكري بشكل كبير. ورغم ذلك، لا تزال بعض المجموعات المتفلتة التابعة للجبهة تشكل تهديدًا أمنيًا، مما يُعقّد جهود تحقيق الاستقرار في الإقليم والمنطقة.
شهدت مناطق شرق الجزيرة ومدينة ود مدني يوم السبت الموافق الحادي عشر من يناير الجاري أحداثًا مروعة وصفها شهود عيان بأنها جرائم وحشية وانتهاكات تفوق التصور. مع دخول الجماعات الإسلامية السودانية المتحالفة مع الجيش، وقعت مجازر شنيعة تضمنت إعدام مئات الأشخاص في الشوارع. ووفقًا لشهود، تم تنفيذ الإعدامات بأساليب وحشية، بعضها بإطلاق النار وأخرى بقطع الرؤوس بأسلوب يذكّر بتنظيم داعش.
كما تضمنت الفظائع تمزيق أحشاء بعض الضحايا وإخراج أعضائهم الداخلية. وفي حادثة مروعة، أُلقي شاب في النيل من أعلى جسر بعد ربطه بحبل من فمه ويداه مكبلتان، ثم أُطلقت عليه الرصاص أثناء سقوطه في الماء.
وكان من ضمن الضحايا عناصر من الأحزاب الديمقراطية، ولجان المقاومة، وناشطين سياسيين، إلى جانب سكان من مناطق غرب السودان. وأفادت تقارير أن عمليات القتل استهدفت العشرات على أسس عرقية في قرى العمال الزراعيين المعروفة باسم “الكنابي”، خاصة في منطقة “كمبو خمسة” بشرق الجزيرة. وذكرت مصادر محلية أن طفلين أُعدما حرقًا عمدًا، فيما لا تزال 13 امرأة في عداد المفقودين. وأُحرق “الكمبو” على غرار كنابي أخرى تعرضت هي الأخرى للحرق الكامل. ولا يزال الخطر يتهدد كنابي الجزيرة، في ظل إعلان جهات محسوبة على مليشيا “درع السودان” المسلحة بقيادة “كيكل” عن عزمها إزالة كافة الكنابي من ولاية الجزيرة وطرد سكانها، بدعوى إعادتهم إلى مناطق أصولهم في كردفان ودارفور.
وصف شاهد عيان من مدينة ود مدني، يوم الثلاثاء الرابع عشر من يناير، ما يحدث في المدينة على أيدي قوات الجيش ومليشيا “البراء بن مالك” المتحالفة معه بأنه “مروع ويفوق كل التصورات”. وأكد وقوع جرائم اغتصاب وقتل استهدفت كوادر طبية نسائية وبائعات شاي، حيث تم اقتيادهن إلى مبنى في حي الزمالك بود مدني.
وقال الشاهد، “عز الدين أحمد الحسن”، في تدوينة له على منصة فيسبوك: “لقد شهدت أكثر من مائة زحف، لكن ما يجري يفوق كل التصورات، مجازر في حق لجان المقاومة والأطباء والكوادر الصحية، وكذلك بحق ناشطين في العمل العام وكل من كان يتسلى بالحديث عن السياسة”.
وأضاف الشاهد إن قوائم بأسماء المستهدفين كانت معدة مسبقاً من قبل مليشيات الحركة الإسلامية المتحالفة مع الجيش، مدللاً على حديثه بحيثيات المذبحة، والدقة في حصر المستهدفين خاصة النساء، وفيهن بائعات شاي وكوادر طبية تم أخذهن لحي الزمالك حيث جرى اغتصابهن قبل نحرهن بالسكاكين. لافتاً النظر إلى أنهم كفوا عن قتل المدنيين المعتقلين بالرصاص، واعتمدوا إعدامهم ذبحاً.
في الحادي عشر من الشهر الجاري، وخلال خطاب جماهيري أعقب دخول قوات الجيش السوداني إلى مدينة ود مدني، صرّح قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو بأن مرتزقة من إثنية التقراي الإثيوبية يقاتلون إلى جانب الجيش السوداني والمليشيات المتحالفة معه. وقد اعتبر كثيرون هذا التصريح مبالغة حينها، بل أشبه بالنكتة.
إلا أن تأكيدًا جديدًا جاء في الخامس عشر من يناير، عندما انتشر مقطع فيديو على منصات التواصل الاجتماعي يظهر ضابطًا رفيعًا في الجيش السوداني، يدعى السني حيدر، يوجه الشكر لمرتزقة من التقراي الذين يقاتلون إلى جانب الجيش. في الفيديو، ظهر عدد من مقاتلي التقراي بجوار الضابط، الذي أشار إلى استعدادهم للقتال “حتى تحرير كافة أراضي الإسلام”.
السني حيدر، الضابط الذي ظهر في الفيديو، ينتمي إلى تنظيم “الحركة الإسلامية”، وهو من سكان مدينة الدمازين بولاية النيل الأزرق. انضم إلى مليشيا “كتائب البراء بن مالك” التابعة للتنظيم الإسلامي، وقام بتجنيد عناصر من أقلية مسلمي التقراي ضمنها.
تأتي هذه الخطوة بعد أن اتجهت المليشيا إلى استقطاب عناصر أجنبية من دول الجوار، لتوسيع نفوذها.
تورط عناصر من جبهة تحرير شعب تيغراي في الحرب السودانية بين الجيش وقوات الدعم السريع يشكل تهديدًا كبيرًا لاستقرار المنطقة، خاصة في ظل دعم إريتريا، خصمهم التقليدي، للجيش السوداني بالتدريب والمساعدات العسكرية. هذا التداخل الإقليمي يعقد الصراع السوداني ويزيد من احتمالية تصاعد العنف بسبب الحسابات السياسية المتشابكة.
تأتي مشاركة التيغراي بخبراتهم القتالية الطويلة لتدعم قدرات الجيش السوداني ميدانيًا، لكنها في المقابل تحمل خطر تأجيج صراعات جانبية إقليمية وانتقال الحرب إلى دول الجوار. هذا التصعيد المحتمل لا يقتصر أثره على الجانب العسكري، بل يعمّق الأزمة الإنسانية ويفاقم معاناة المدنيين، ويعرقل الجهود الساعية إلى تحقيق السلام في السودان والمنطقة ككل.