في تغريدة طويلة عبر حسابه على منصة اكس، حذر السيد مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة ورئيس تحالف التراضي الوطني من اتساع عمليات الدعم السريع خلال الأيام القادمة لتشمل مدن الفاو والقضارف والدويم. وجاءت هذه التغريدة في وقت تتداول فيه معلومات وسط سكان مدينة الدويم عن اعتزام قوات الدعم السريع مهاجمة المدينة. وكانت قوة من الدعم السريع قد هاجمت يوم الاثنين 28 أكتوبر قرية “رجل زغاوة” الواقعة في ولاية النيل الأبيض، وذكرت مصادر محلية أن الهجوم أسفر عن مقتل 9 أشخاص بينهم طفل ونهب وتدمير أجزاء واسعة من سوق القرية.
الدعم السريع يتقدم جنوبا
فريق دبنقا للتحقق عمل على مراجعة هذه المعلومات ونجح في التحقق من عدد من المؤشرات التي تؤكد نوايا قوات الدعم السريع في الوصول إلى مدينة الدويم. حيث قامت وحدات من قوات الدعم السريع بالتقدم جنوبا على الضفة الغربية للنيل الأبيض وأقامت ارتكازات في مناطق العلقة، ود نمر، قوز البيض والصوفي الواقعة شمال الدويم. ووزعت قوات الدعم السريع مقطع فيديو مدته 57 ثانية يظهر مجموعة قتالية صغيرة تضم ما بين 4 إلى 5 مركبات وحوالي 20 جنديا وهي تستعد للتحرك ويهتف أفرادها بحماس “كل القوة، الدويم جوة”.
ورغم أن بعض المراقبين يرون أن هذه التحركات هي محاولة من قوات الدعم السريع للفت الأنظار عما يجري في مناطق شرق الجزيرة من انتهاكات، إلا أن مقطع فيديو آخر مدته 2 دقيقة و 47 ثانية وزعته قوات الدعم السريع يظهر قوة أخرى من الدعم السريع وهي تتحلق حول مسيرة سقطت على الأرض وتشتعل فيها النيران ويحدد أحد أفراد المجموعة الموقع بأنه منطقة الحسين في ولاية النيل الأبيض. فريق دبنقا للتحقق راجع مقطع الفيديو واتضح أنه صحيح ومصور بالفعل بتاريخ 29 أكتوبر 2024 في قرية “الشيخ الحسين” التي تقع جنوب الصوفي وشمال جبل العرشكول مما يعني أن هذه القوات تتواجد في منطقة قريبة من الدويم.
وتحدث راديو دبنقا مع أحد سائقي الحافلات العاملة بين منطقة جبل العرشكول والدويم بعد وصوله إلى المدينة وسألته عن تواجد قوات الدعم السريع في منطقة جبل العرشكول، وقد نفى سائق الحافلة هذه المعلومات جملة وتفصيلا وقال إن الأوضاع في منطقة جبل العرشكول الواقعة شمال مدينة الدويم هادئة ولم تظهر فيها قوات الدعم السريع حتى الآن.
ولا يخفي المواطنون الذين تواصل معهم راديو دبنقا داخل المدينة في مدينة الدويم قلقهم المتزايد خصوصا بعد أن شوهدت مجموعات عسكرية مسلحة تتبع للواء 72 مشاة الذي يوجد مقره في مدينة الدويم وهي تغادر المدينة في اتجاهي الشمال والغرب. ووفق شهود عيان فإن القوات المسلحة سبق وأن أقامت ارتكازا في منطقة “مبروكة” شمال مدينة الدويم وفي منطقتي “الكمبو” و “الوكرة” في غرب المدينة والتي تمثل الدفاعات المتقدمة خارج المدينة. وتمثل الفرقة 18 مشاة المتمركزة في مدينة كوستي التي تقع على بعد 99 كيلومترا إلى الجنوب من الدويم أقرب الوحدات العسكرية الكبيرة لمدينة الدويم ويمكن أن تكون مصدر الإمداد والاسناد الرئيسي للواء 72 مشاة في حال تعرض المدينة لهجوم. ويتولى الفريق شمس الدين كباشي، نائب القائد العام للقوات المسلحة، الاشراف على العمليات العسكرية في هذا المحور العملياتي الهام.
كما تستند القوات المسلحة في ولاية النيل الأبيض إلى أعداد كبيرة من المستنفرين وتستقبل مدينة الدويم عدد من هذه المعسكرات. وكان الاستاذ عبد الهادي الريس منسق الاستنفار بمحلية الدويم قد أكد في تصريحات في شهر يناير الماضي أن محلية الدويم بها أكثر من ٤٤ معسكر تدريب لمعسكرات الكرامة الثانية، الأمر الذي قد يفسر ولو بشكل جزئي اهتمام الدعم السريع بالمدينة.
أهمية الدويم عسكريا
تقع مدينة الدويم على الطريق الرئيسي الرابط بين الخرطوم وكوستي على الضفة الغربية للنيل الأبيض، كما يربطها كبري بالضفة الشرقية للنيل الأبيض حيث يمر طريق الخرطوم ربك. وتتواجد حول المدينة 3 ثكنات رئيسية للقوات المسلحة في كل من كوستي والمناقل وسنار. وتوفر سيطرة الجيش على المدينة إمكانية امداد القوات المرابطة في مدينة المناقل وبعض قرى جنوب الجزيرة، بالإضافة إلى إيصال الأمداد لها في حال إغلاق طريق سنار-ربك وهو ما حدث بعد سيطرة قوات الدعم السريع على جبل موية.
بالنسبة لقوات الدعم السريع، ستتيح السيطرة على المدينة عزل الفرقة 18 مشاة في كوستي وتخفيف الضغط على قواتها المتواجدة على محور سنار-سنجة من خلال فتح جبهة جديدة تشتت جهود الفرقة 18 مشاة. كما أن قوات الدعم السريع تحتاج إلى نصر عسكري عبر الاستيلاء على مدينة كبيرة بما يسمح لها بالتغطية على هزائمها الأخيرة في الدندر والسوكي وجبل موية والخرطوم والخرطوم بحري.
حرب الشائعات
وتعاني ولاية النيل الأبيض مثل غيرها من الولايات في السودان من انقطاع شبكة الاتصالات الأمر الذي يصعب عمليات التواصل. ويعتمد المواطنون في مدينة الدويم على نظام الاتصالات الفضائي “ستار لينك” في التواصل مع العالم الخارجي وذلك عندما تسمح استخبارات الجيش باستخدامه.
وبجانب المخاوف من تقدم قوات الدعم السريع نحو المدينة، تتداول في ولاية النيل الابيض حاليا روايات بشأن استدعاء حكومة بورتسودان لوالي ولاية النيل الأبيض بموجب اتهامات من مناصرين للجيش في أوساط القيادات المحلية بأنه لا يقوم بواجباته بالكامل وأن له صلات بقوات الدعم السريع. ولم يتمكن فريق دبنقا للتحقق من التأكد من صحة هذه المعلومة بسبب صعوبة الاتصال بالمسؤولين في رئاسة الولاية.
أهمية مدينة الدويم
تقع على الضفة الغربية للنيل الأبيض في ولاية النيل الأبيض بالسودان، والمدينة الثانية من حيث الأهمية والحجم بعد كوستي، وعلى مسافة 190 كيلومتر تقريباً من الخرطوم، وتتوسط منطقة غنية بمواردها الزراعية والحيوانية والمائية، وتعتبر مركزاً مهماً لتجارة المحاصيل الزراعية والرعوية. ووصل عدد سكان المدينة قبل الحرب إلى ما يزيد عن 90 ألف مواطن، لكن أعداد سكان المدينة تضاعفت بعد الحرب بالنظر إلى أنها ظلت من المناطق الآمنة التي لم تطالها المعارك. وقد لعبت مدينة الدويم دوراً هاما في التاريخ السياسي والتطور التعليمي بالسودان.
يستغل ما نسبته 13% من مساحة الدويم للأغراض الزراعية؛ وتعتبر الدويم المُنتج الرئيسي للقمح في ولاية النيل الأبيض، كما تكثر فيها زراعة الذرة المروية والقطن، وبدأت زراعة الأرز في منطقة أبو قصبة عام 1993، ويعد السمسم والكركديه والبطيخ أهم المحصولات الزراعية في منطقة باجا، وتعتمد الماشية على المراعي الطبيعية التي تنتشر في باجا، ويعتبر الماعز أهم الحيوانات التي يربيها سكان باجا، لكن الدويم تعاني حالياً من التصحر والجفاف؛ مما يؤثر سلباً على الزراعة.
تعتمد الصناعة في الدويم على المواد الأولية الزراعية والحيوانية بالدرجة الأولى؛ وتشتهر المنطقة بصناعة الجبنة، كما يوجد فيها أربعة مصانع لصناعة الزيوت المستخرجة من الفول السوداني والسمسم وبذور القطن، إلى جانب ذلك يوجد مصنع للثلج، وآخر لمواد البناء والبلاط.
دبنقا