آخر الأخبار

“حظر التصدير” .. قرار قاسي للدعم السريع على مزارعي غرب السودان

شارك الخبر
مصدر الصورة

وسط نيران الحرب التي أحالت الحقول الزراعية إلى رماد، استطاع المزارع في إحدى بلدات ولاية غرب كردفان قسم السيد آدم صناعة مساحة خضراء من خلال زراعة نحو 7 أفدنة من الفول السوداني، وتمكن من تحقيق إنتاجية معقولة، لكنه صدم بتدني أسعار المحصول وكساده، كنتيجة لقرار قوات الدعم السريع القاضي بوقف صادر المحصولات الزراعية من مناطق سيطرتها.

أنفق قسم السيد مدخراته المحدودة في عملية زراعة وحصاد الفول السوداني مثلما يفعل في كل عام، أملاً في تحقيق عائد مجزي من هذا المحصول النقدي يمكنه من مواجهته احتياجاته المعيشية باقي العام، غير أن هذه المرة عليه بيع 22 جوالاً (طن) من الفول السوداني من أجل شراء جوال واحدة من الذرة في مفارقة صادمة، وفق ما يرويه بأسى لـ(عاين).

وشمل تدني الأسعار كل محصولات الصادر مثل الفول السوداني، والكركدي والصمغ العربي، والسمسم، وبذور البطيخ، وهي منتجات لا تستهلك محليا في القرى ومناطق الإنتاج سوى القليل منها لأغراض زيت الطعام، وفي مقابل ذلك فإن أسعار الذرة والدخن مرتفعة، وشهدت انخفاضاً طفيفاً مع بدء موسم الحصاد، لكنها ليس في متناول المواطنين الذين تأثرت اقتصاداتهم بسبب الحرب.

ورغم الأراضي الزراعية الصالحة، لا يركز مزارعي دارفور وكردفان على زراعة الذرة، ويمنحونها مساحات محدودة، بينما يُتَوَسَّع في زراعة الفول والكركدي والسمسم والصمغ العربي والتسالي لكونها ذات عائد مادي أكبر تمكن المزارعين من شراء احتياجاتهم من الذرة القادمة من مناطق الإنتاج في شرق السودان، وذلك يوفر لهم مبالغ مالية.

صورة متداولة لقرار منع التصدير

ومع بدء عمليات الحصاد لموسم زراعي مليء بالتحديات والعقبات الأمنية والاقتصادية، أصدرت قوات الدعم السريع تعميما يقضي بمنع تصدير المنتجات الزراعية والحيوانية في المناطق التي تسيطر عليها إلى دولة مصر، ورغم عدم نشر هذا القرار في المنصات الإِعْلامِيَّةُ الرسمية، إلا أن جنودها بالفعل طبقوا الإجراء ما يدعم صحته.

تنفيذ فوري

ونشر جنود من قوات الدعم السريع مقاطع مصورة تظهرهم يحتجزون عشرات الشاحنات محملة بالمحصولات الزراعية قادمة من إقليمي كردفان ودارفور متجهة إلى مدينة الدبة في الولاية الشمالية، وهم يطالبون السائقين بإعادة الشحنات إلى حيث أتت، مهددين بمصادرة السيارات بما تحمله حال تكرر مخالفة القرار القاضي بمنع وصول المنتجات الزراعية والحيوانية إلى مصر.

مزارعون في دارفور

وأتت هذه الخطوات المتسارعة عقب كلمة مصورة لقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان “حميدتي” اتهم فيها النظام المصري بدعم الجيش السوداني والمشاركة في قصف قواته بالطيران في المعارك العسكرية التي دارت في منطقة جبل مويا في ولاية سنار أواسط البلاد، وهي اتهامات واجهتها القاهرة والقوات المسلحة السودانية بالنفي القاطع في حينها.

في حين يبلغ سعر ملوة الذرة (ربع كيلة) 8 آلاف جنيه، وتُطْحَن بمبلغ 7 آلاف جنيه نسبة لغلاء أسعار الوقود الذي تستهلكه طواحين الحبوب الغذائية، وبهذه المعادلة الحسابية يحتاج المزارع إلى بيع جوالين من الفول السوداني من أجل شراء ملوة من الذرة تكفي حاجة أسرة صغيرة مكونة من 5 أفراد لثلاثة أيام فقط.

هذا التدني شمل معظم مناطق الإنتاج في إقليمي كردفان ودارفور، باستثناء بورصة مدينة النهود التي تشهد أسعاراً أفضل عن غيرها بطبيعة الحال، لكن لا يستطيع صغار المنتجين الوصول إليها نظراً لتكاليف الترحيل، مما يجعلهم يعتمدون على التجار المحليين لتسويق إنتاجهم.

وبحسب حسن خالد وهو صاحب محل تجاري في بورصة المحاصيل في مدينة النهود بولاية غرب كردفان، فإن سعر قنطار الفول السوداني الجديد بلغ 12 ألف جنيه، والقديم الجاف 17 الف جنيه، أما قنطار الكركدي نحو (3 جوالات) بلغ 40 الف جنيه، وقنطار السمسم 45 الف جنيه، وقنطار حب البطيخ 45 الف جنيه، فيما يبلغ سعر القنطار من الصمغ العربي 270 الف جنيه عن طريق الشراء بالكاش.

صدمة المزارعين

وشدد حسن في مقابلة مع (عاين) أن هذه الأسعار منخفض للغاية وهي أقل بكثير عن بداية موسم المحصول في العام الماضي، ويعود السبب إلى قرار قوات الدعم السريع الخاص بحظر الاستيراد، والذي يقود إلى مزيد من التراجع في أسعار المحصولات الزراعية حال استمراره، لأن التجار سيتوقفون عن الشراء؛ نظرا لعدم وجود صادر، الأمر الذي سيكون له تداعيات كارثية على المواطنين.

ويقول “كانت الشاحنات تذهب من النهود إلى الدبة في الولاية الشمالية وهي محملة بالمحاصيل، وتأتي من هناك مليئة بالبضائع والمواد الغذائية، ولكن بعد قرار قوات الدعم السريع أصبحت تذهب فارغة إلى هناك بغرض جلب البضائع، وهذا الأمر سيزيد تكلفة ترحيل السلع إلى جانب الجبايات الكثيرة التي تُفْرَض على الشاحنات في الطريق، الأمر الذي سيضاعف أسعار السلع والمنتجات الغذائية، ويزيد الأعباء على المواطنين”.

الأسعار المتدنية للمحصول، صدمت المزارع في ولاية غرب كردفان قسم السيد الذي لا يغطي إنتاجه من محصول الفول السوداني سوى 30 بالمئة من تكاليف الإنتاج التي كانت مرتفعة للغاية نتيجة للتدهور الأمني وتراجع قيمة العملة الوطنية الجنيه، والتي خسرت أكثر من 3 أضعاف قيمتها خلال فترة الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع.

مزارع يستعد لزراعة الذرة في شرق دارفور – يوليو 2024

ويقول آدم في حديثه لـ(عاين) “بلغ تكلفة زراعة وحصد مساحة مخمس، نحو فدانين ونصف، من الفول السوداني حوالي 170 الف جنيه، بينما أعلى إنتاجية للمخمس نحو 7 جوالات، والتي تتجاوز قيمتها في السوق حالياً 49 جنيهاً، فهذا أمر محبط للغاية وخسائر كبير، فقد أنفقت كل ما نملك في الزراعة عشما في تحقيق عائد مجز مثل السنوات الماضية”.

ويطلق هذا المزارع مناشدة إلى قوات الدعم السريع بضرورة التراجع عن الإجراءات الخاصة بوقف تصدير المحصولات الزراعية والثروة الحيوانية، لأن استمرارها يعني معاقبة المزارعين والمواطنين البسطاء.

باب للنهب

ولم يكن المزارعون وحدهم من يدفعون ثمن هذه الإجراءات، بل فتحت بابا جديدا لعناصر قوات الدعم السريع لممارسة النهب والابتزاز على التجار وأصحاب شاحنات النقل، من خلال فرض غرامات طائلة ومصادرة المنتجات الزراعية والحيوانية وما ينضوي على ذلك من تعسف كبير، بحجة مخالفة قرار حظر الصادرات إلى مصر.

ويكشف بن عمر عبد الله، وهو أحد مصدري المحصول في السودان لـ(عاين) أن قوات الدعم السريع احتجزت شحنة تخصه من محصول الكركدي تبلغ 2000 جوال كان في منطقة “ام الانضرايا” في ولاية شمال كردفان كانت في طريقها إلى الدبة ومن ثم بورتسودان، إذ فُرِّغ المحصول في العراء، وشرعوا في حرقها بالنيران، لكن أعيان المنطقة تدخلوا واثنوا الجنود عن هذه الخطوة.

ويقول:”أحد جنود الدعم السريع اقتاد شاحنتين اللتين كانتا محملتين بالكركدي بسائقيها بقوة السلاح، وذهبوا بهمها إلى أمدرمان، ومن هناك تواصلوا مع مالك السيارتين، وطلبوا مبلغ 30 مليار جنيه، مقابل إعادتهما إليه، فاضطر إلى تحويل المبلغ إليهم، لكن انقطع التواصل بعدها ولا نعرف، مصير شحنة الكركدي الموجودة في العراء، والسائقين بسياراتهم”.

ويضيف: “هذه الخسائر يتحملها التجار في دارفور وكردفان؛ لأننا كمصدرين نتفق معهم على تسليمنا المحصول في مدينة بورتسودان، حتى تكون صفقة البيع مكتملة نظراً للعقبات الأمنية، لأن الشركات الأجنبية التي نتعامل معها خاصة الصينية، لا تكمل معنا البيع وتسليمنا المبالغ المالية، إلا بعد شحن المحصول في الباخرة”.

مزارعون بدارفور

وشدد أن التجار في مناطق الإنتاج بدارفور وكردفان سيضطرون إلى التوقف عن شراء المحاصيل الزراعية بعد إجراءات إعاقة التصدير من قبل قوات الدعم السريع خشية التعرض إلى مزيد من الخسائر المالية، بينما يضطر المصدرون للخروج برؤوس أموالهم إلى الخارج، الشيء الذي سيؤدي إلى تدني أسعار محصولات الصادر وكسادها نظرا لعدم وجود استهلاك محلي لها، مما يلقي بأضرار بالغة على المزارعين البسطاء.

عقاب للمواطنين

وينبه بن عمر عبد الله إلى أن قرار قوات الدعم السريع يعطل الصادرات الزراعية إلى كل العالم، فمصر ليس السوق الوحيد للمنتجات السودانية، فتوجد الصين الهند، والسعودية فيما يلي صادر الثروة الحيوانية، لافتاً إلى تلويح هذه القوات بإنشاء بورصة وسوق حر في غرب السودان غير عملي، فمن المستحيل أن يغامر تاجر أو مصدر، ويذهب لشراء المحصول من مناطق متدهورة أمنيا.

من جهته، يشير الخبير الاقتصادي د. هيثم فتحي، إلى أن قرار قوات الدعم السريع مضر للمواطنين في مناطق سيطرته، لكونه يجفف مصادر كسبهم المادي التي يعتمدون عليها بشكل أساسي، ولن يكون له تأثير كبير على دولة مصر، والتي بدأت منذ العام 2019م في إيجاد بدائل للمنتجات السودانية خاصة اللحوم، والتي صارت تستوردها من تشاد والصومال وإفريقيا الوسطى.

ويقول فتحي في مقابلة مع (عاين) إن الصراع أثر في منتجي الصمغ العربي والقليل المنتج يتم تهريبه إلى دول الجوار الغربي مع محصولات أخرى، وأن قوات الدعم السريع متهمة بنهب هذه الموارد وتوجيها إلى الأسواق الخارجية، الشيء الذي أضعف عائدات الصادرات السودانية، والتي انخفضت إلى 120 – 100 مليون دولار أمريكي خلال العام الماضي.

وشدد فتحي، على أن ما تم من قوات الدعم السريع قرار تم من منطلق عدائي إلى دولة مصر والتي لن تتأثر كثيراً نظراً لما يتوفر لها من أسواق بديلة للحصول على حاجتها من المنتجات الزراعية والحيوانية، لكن المواطنين السودانيين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك الخبر

إقرأ أيضا