منذ أن عاد الإسلاميون إلى السلطة في السودان، انكشفت أساليبهم البشعة في محاربة خصومهم، وهذه المرة لم تعد أساليبهم مقتصرة على القمع الجسدي أو الاعتقال، بل تعدت إلى استخدام أدوات الدولة نفسها لتحقيق أغراضهم السياسية. أحد أبرز هذه الأدوات هو جواز السفر، وهو حق أساسي لكل مواطن وفق القوانين الوطنية والدولية، حيث تحول في ظل هذا النظام إلى سلاح يُستخدم لمعاقبة المعارضين والمنتقدين.

في دولة يُفترض أن تحترم الحقوق المدنية، أصبح الحصول على جواز السفر امتيازًا يُمنح فقط لمن يُظهر الولاء للنظام ويُحرم منه كل من يجرؤ على الاختلاف. يتعامل الإسلاميون مع حقوق المواطنة كأنها منحة تُعطى وتُسحب وفقًا لمصالحهم السياسية، وكأنهم ورثة البلاد. هذه الممارسات تكشف عن نظام مستعد لتجاوز كل الحدود في استخدام السلطة لقمع كل من يقف في طريقه.

إن حرمان مواطن من حقه في السفر لمجرد أنه يختلف مع الإسلاميين لا يعد فقط ممارسة دكتاتورية، بل هو جريمة ضد حقوق الإنسان. حرية التنقل هي حق أساسي يكفله العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب أن تواجه هذه الانتهاكات بإدانة محلية ودولية قوية.

◄ لا بد من استغلال وسائل الإعلام، المحلية والدولية، لفضح ممارسات الإسلاميين وتسليط الضوء على الانتهاكات

المأساة لا تقف عند هذا الحد، بل تتمادى عندما نعلم أن من يصدر أوامر منع تجديد جوازات السفر هم رجال المخابرات وقيادات الحركة الإسلامية. هؤلاء المسؤولون يفرضون أوامرهم في الخفاء، بعيدًا عن أي مساءلة قانونية. يسيطرون على مفاصل الدولة ويديرونها بما يخدم مصالحهم الضيقة، في تحدٍّ صارخ للقوانين والأعراف الدولية. كل هذه الانتهاكات تجري تحت غطاء قانوني مزيف يضعهم فوق القانون ويجعلهم أدوات فاعلة في قمع المعارضين.

جواز السفر وفقًا للقوانين الوطنية والدولية هو حق لكل مواطن لا يمكن أن يُسلب لأي سبب كان، خاصة عندما يتعلق الأمر بالاختلاف السياسي. هذه الممارسات القمعية ليست فقط غير قانونية، بل تمثل خرقًا فاضحًا للمواثيق الدولية مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يضمن حرية التنقل وحق الأفراد في الحصول على وثائق سفر.

الطامة الكبرى تتجلى في أن النظام لا يستهدف فقط الأفراد المعارضين، بل يتعدى ذلك إلى سياسة تمييز قبلي ممنهج. هناك قبائل معينة تم منع أفرادها من استخراج جوازات السفر، وكأن النظام يحاول إعادة رسم الخريطة الديموغرافية للسودان بما يتناسب مع مصالحه. كيف يمكن لنظام أن يبني دولة ويحقق وحدة وطنية بينما يمارس هذا النوع من التمييز العلني ضد مواطنيه؟

هذه السياسات لا تؤدي إلا إلى تعميق الجروح الاجتماعية وتعزيز الانقسام بين مكونات المجتمع السوداني. إنها سياسات تدميرية لا تخدم إلا مصالح النخبة الحاكمة التي تتخذ من الدين والسلطة سلاحًا لقمع كل من يعارضها.

ما يزيد من حجم المأساة هو أن هذه السياسات القمعية ليست جديدة؛ فمنذ انقلاب عام 1989، اضطر ملايين السودانيين إلى الفرار من بلادهم هربًا من قمع الإسلاميين. قطع الشباب السوداني البحر للوصول إلى أوروبا، ومنهم من ابتلعته الأمواج ليصبح طعامًا للأسماك، وآخرون عانوا من أمراض نفسية وجسدية جراء هذه الرحلات الخطيرة. الإسلاميون هم من شردوا السودانيين وأجبروهم على هجر بلادهم، وليس من المستغرب أن يستمروا في استخدام نفس الأساليب الوحشية التي أدت إلى تدمير مجتمعنا.

◄ إن حرمان مواطن من حقه في السفر لمجرد أنه يختلف مع الإسلاميين لا يعد فقط ممارسة دكتاتورية، بل هو جريمة ضد حقوق الإنسان

الحل يبدأ بتصعيد القضية إلى المستوى الدولي. يجب أن تتحرك المنظمات الحقوقية الدولية للضغط على النظام السوداني لوقف هذه الممارسات اللاإنسانية. جواز السفر حق أساسي، لا يمكن لأي سلطة أن تسلبه من مواطنيها. على المجتمع الدولي أن يكون له دور فاعل في الضغط على النظام السوداني، سواء من خلال الإدانات العلنية أو تفعيل العقوبات الاقتصادية والسياسية على المسؤولين عن هذه الانتهاكات.

في الوقت نفسه، يجب على السودانيين التحرك على المستوى الداخلي. من الضروري توعية الناس بحقوقهم المدنية وتشكيل جبهات موحدة لمواجهة هذه السياسات القمعية. تجارب دول أخرى أظهرت أن النظم القمعية، مهما بلغت قوتها، تتداعى أمام التضامن الشعبي المنظم والواعي. يجب أيضًا إطلاق مبادرات قانونية لمحاكمة هذه الانتهاكات أمام المحاكم الوطنية والدولية. هذه المعركة ليست مجرد معركة سياسية، بل معركة من أجل حقوق الإنسان الأساسية.

لن تنجح محاولات الإسلاميين في إسكات معارضيهم باستخدام جوازات السفر أو أي أداة قمع أخرى. كلما زاد قمعهم، ارتفعت أصوات الناس المطالبة بحقوقهم. النضال من أجل استعادة حقوق المواطنة هو معركة لا يمكن التخلي عنها، ويجب أن يخوضها كل سوداني حر يرفض الاستبداد والتمييز.

لا بد من استغلال وسائل الإعلام، المحلية والدولية، لفضح هذه الممارسات وتسليط الضوء على الانتهاكات. الإعلام يمكن أن يلعب دورًا كبيرًا في إيصال معاناة السودانيين إلى العالم وتحريك الرأي العام الدولي ضد هذه السياسات القمعية. النظام الذي لا يحترم حقوق مواطنيه هو نظام ضعيف، وسيأتي اليوم الذي يتداعى فيه تحت ثقل جرائمه وانتهاكاته.

العرب