يشعر كثير من الأشخاص بتردد أو ذنب خفي عند التوقف عن الأكل قبل إنهاء ما تبقى في الطبق، حتى مع الإحساس الواضح بالشبع. هذا السلوك، الذي يُعرف باسم "ذنب اللقمة الأخيرة"، لا يرتبط فقط بالعادات الاجتماعية أو الذوق العام، بل يمتد إلى جذور نفسية واقتصادية وثقافية معقدة.
وبحسب تقرير نشره موقع "هاف بوست"، فإن الإلحاح الداخلي لإنهاء الطعام لا يعكس ضعفا في الإرادة، بقدر ما يعكس مزيجا من البرمجة الذهنية القديمة والاستجابات العاطفية التي تشكلت عبر سنوات طويلة.
يرجع أصل هذا الشعور إلى ثقافة "الطبق النظيف"، التي ترسخت لدى أجيال عاشت فترات نقص غذائي حاد، خصوصا في أعقاب الحروب. ووفق "هاف بوست"، كان إنهاء الطعام في تلك الفترات يُعد مسألة بقاء، فيما اعتُبر هدره سلوكا غير أخلاقي.
وتشير تقارير "بي بي سي فيوتشر" و"ذا غارديان" إلى أن هذه العقلية استمرت حتى مع تحسن مستويات المعيشة وتزايد وفرة الغذاء، في وقت تضخمت فيه أحجام الوجبات بشكل ملحوظ. ورغم هذا التحول، ظل ترك الطعام مرتبطا في الوعي الجمعي بـ"عدم الامتنان".
وتدعم أبحاث صادرة عن "المعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة" هذا الطرح، مشيرة إلى أن تجاوز إشارات الشبع الطبيعية يرتبط بعوامل نفسية أكثر من كونه حاجة فسيولوجية حقيقية.
وينقل "هاف بوست" عن عالم النفس "ماثيو موراند" قوله إن الأشخاص الذين يحرصون على إنهاء كل ما في أطباقهم "قد لا يسعون فقط إلى إشباع الجوع، بل إلى ملء فراغات عاطفية"، موضحا أن الطعام يمكن أن يؤدي دورا مهدئا ويسهم في إفراز الإندورفينات، وهو ما تدعمه أبحاث منشورة في دورية "فرونتيرز في علم النفس".
وتشير "الجمعية الأميركية لعلم النفس" إلى أن إنهاء الطعام قد يمنح إحساسا بالتحكم والاكتمال، خاصة في عالم يتسم بعدم اليقين. فتنظيف الطبق قد يتحول إلى فعل بسيط يمنح شعورا بالإنجاز، حتى وإن جاء ذلك على حساب إشارات الجوع والشبع الطبيعية.
يقدم تقرير "هاف بوست"، بالاستناد إلى آراء مختصين في علم النفس والتغذية، مجموعة من الأساليب العملية للتعامل مع هذا الشعور، من بينها إعادة تعريف مفهوم "الهدر"، والتوقف مؤقتا أثناء الوجبة لمراجعة الإحساس بالشبع، وتقليل حجم الحصص، إضافة إلى ممارسة "الأكل الواعي" بوصفه احتراما لاحتياجات الجسد لا تقصيرا أخلاقيا.
ويلفت التقرير أيضا إلى أن بعض الأشخاص يتبنون سلوكا معاكسا يتمثل في ترك "لقمة واحدة" دائما في الطبق. ووفق تحليلات نشرتها "سايكولوجي توداي" و"فرونتيرز في علم النفس"، قد يعكس هذا السلوك رغبة في السيطرة أو محاولة لاواعية لإثبات الانضباط، وقد يرتبط أحيانا بالقلق أو بصورة الجسد.
ويؤكد "ماثيو موراند" أن هذا النمط قد يكون "تعبيرا غير مباشر عن توتر داخلي أو حاجة نفسية للسيطرة على جوانب أخرى من الحياة".
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة