في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في لحظة مفصلية من تاريخ السودان الغارق في حرب طاحنة منذ أكثر من عامين، تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لاستثمار نفوذها في العواصم العربية الكبرى لانتزاع تسوية تنهي أشرس صراع دموي في أفريقيا تسبب في أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم اليوم.
وفي مقال طويل، تناولت مجلة نيوزويك الصراع في السودان في مقال تحليلي لكبير محرريها للشؤون الخارجية توم أوكونور، يعتقد فيه أن مهمة الإدارة الأميركية في التعامل مع هذا النزاع المتشابك، والمشحون بالخصومات المحلية العميقة والانتهاكات الواسعة وتضارب المصالح الدولية، تبدو شديدة التعقيد.
حتى الآن تتبع إدارة ترامب نهجا ذا مسارين في التعامل مع الحرب، طبقا للكاتب. فعلى المستوى الدولي، تعمل واشنطن مع شركائها في "الرباعية" لدفع خطة النقاط الـ5 التي كُشف النقاب عنها في سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي تصريح لنيوزويك، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة تواصل العمل مع شركائها في اللجنة الرباعية التي تضم إلى جانبها كلا من مصر والسعودية والإمارات، لتنسيق الجهود الرامية لتحقيق سلام دائم في السودان.
بما في ذلك تنفيذ الالتزامات الواردة في البيان المشترك الصادر في 12 سبتمبر/أيلول الماضي، والذي يركّز على تأمين هدنة إنسانية، وإقرار وقف دائم لإطلاق النار، ودفع عملية الانتقال إلى الحكم المدني، ووقف الدعم الخارجي الذي يغذي الصراع.
وأكد مسؤولون أميركيون للمجلة أن محادثات لاحقة جرت لتعزيز هذه المبادرة وسط تدهور الأوضاع.
ووفقا للكاتب، فإن خطة ترامب في التعامل مع الحرب في السودان تعتمد على الجمع بين الانخراط الدبلوماسي والضغط السياسي، فإدارته تواصل اتصالاتها المباشرة مع الطرفين المتحاربين للتمهيد لوقف النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية. ويؤكد مسؤولون أميركيون أن إنهاء الحرب يمثل أولوية للرئيس ترامب شخصيا.
ويرى خبراء أن قرار إدارة ترامب بتوظيف نفوذها وممارسة الضغط عند الحاجة على الشركاء العرب، قد يثبت فعاليته أكثر من نهج إدارة سلفه جو بايدن ، التي فشلت في دفع مسار تسوية مستدامة للحرب، كما ظهر مؤخرا في نجاحها بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
وصرح أليكس دي وال، المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي بجامعة تافتس، لنيوزويك، أن سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور مؤخرا، "رغم عواقبها الكارثية من مجاعة ونزوح جماعي وعدم استقرار على سواحل البحر الأحمر ، فإنها أخطر بكثير من المكاسب السياسية المحتملة للدول المجاورة، مما يجعل الدعوة إلى السلام منطقية تماما".
وفي اعتقاد دي وال أن سقوط الفاشر "قد يفتح نافذة صغيرة للأمل، لكن تاريخ السودان يُظهر أن كل طرف يسعى للانتقام قبل التفاوض، أو يسعى لاستغلال انتصاره لتحقيق مكاسب ميدانية".
دي وال: سقوط الفاشر قد يفتح نافذة صغيرة للأمل، لكن تاريخ السودان يُظهر أن كل طرف يسعى للانتقام قبل التفاوض، أو يسعى لاستغلال انتصاره لتحقيق مكاسب ميدانية
وأضاف أن إدارة بايدن السابقة فشلت في التعامل مع الأزمة السودانية لأنها لم تُشرك شخصيات رفيعة في حوارات مباشرة مع العواصم العربية، لكن وزير الخارجية الحالي ماركو روبيو وضع، على ما يبدو، الإطار الصحيح للمرحلة الأولى من عملية السلام.
رغم كل ذلك، فإن التحرك الأميركي يصطدم بمصالح متشابكة تتمثل في دعم أطراف إقليمية ودولية لطرفي النزاع.
لكن ليام كار، رئيس فريق أفريقيا في مشروع التهديدات الحرجة بمعهد أمريكان إنتربرايز، قال لنيوزويك إن " البيت الأبيض يحتاج إلى تحرك أكثر حزما تجاه قوات الدعم السريع وروابطها الخارجية".
وأضاف أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على الطرفين، "لكنها شددت على الجيش السوداني ، ويجب أن تُعامل قوات الدعم السريع بالمعيار ذاته".
ويرى كار أن لدبلوماسية ترامب القائمة على الصفقات إيجابيات وسلبيات، فقد ساعدت هذه المقاربة في تحقيق تسويات بين الكونغو الديمقراطية ورواندا ، وبين مصر وإثيوبيا، رغم بقاء الوضع على هشاشته.
وقال "يمكن للدبلوماسية التبادلية التي يتبناها ترامب أن تساعد في إبرام اتفاق بين دول الرباعية بحيث يحصل الجميع على مكاسب متبادلة ويتعهدون بكبح جماحهم في السودان، وهو ما من شأنه أن يوقف الدعم الخارجي ويمهد لوقف النار ثم يفضي إلى مفاوضات أوسع".
لكنه حذّر في الوقت نفسه من أن هذه الدبلوماسية "قد تصبح مضرة إذا منحت مكافآت مفرطة للمعتدين ولم تعالج الأسباب الجذرية للنزاع"، مشددا على ضرورة ممارسة مزيد من الضغوط في المعادلة، خصوصا ضد قوات الدعم السريع وحلفائها في المنطقة.
وأشار أوكونور في مقاله إلى أن ياسر زيدان، الباحث بجامعة واشنطن والأستاذ السابق في جامعة الخرطوم ، يتفق مع هذا الطرح، لكنه يعتقد أن دبلوماسية ترامب التبادلية قد تحقق اختراقا إذا وازنت بين الضغط والمكافأة.
وفي نظر زيدان أن هذا النهج "أهم من إطار الرباعية ذاته، الذي أخفق مرارا في تقديم نتائج ملموسة"، مشيرا إلى الإستراتيجية الأميركية التي تواجه الديناميات الإقليمية مباشرة، وتضع حماية المدنيين السودانيين وحقهم في المشاركة السياسية في صلبها، "هي الأقدر على تحقيق سلام حقيقي ومحاسبة عادلة".
زيدان: الإستراتيجية الأميركية التي تواجه الديناميات الإقليمية مباشرة، وتضع حماية المدنيين السودانيين وحقهم في المشاركة السياسية في صلبها، "هي الأقدر على تحقيق سلام حقيقي ومحاسبة عادلة"
تقدّر بعض الإحصاءات أن أكثر من 150 ألف شخص قُتلوا كنتيجة مباشرة للحرب أو للأزمة الإنسانية التي تسببت بها. وقد نزح نحو 9 ملايين شخص داخليا، وفر أكثر من 3 ملايين خارج البلاد، في ظل تفشي سوء التغذية والأمراض والفقر.
ويُرجع أوكونور في مقاله جذور النزاع إلى صراع بين "أقوى رجلين" في السودان بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019 إثر احتجاجات شعبية.
وعقب ذلك، تولت مقاليد الأمور في البلاد حكومة انتقالية قوامها مدنيون وعسكريون، استمرت عامين و6 أشهر بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك .
تقدّر بعض الإحصاءات أن أكثر من 150 ألف شخص قُتلوا كنتيجة مباشرة للحرب أو للأزمة الإنسانية التي تسببت بها. وقد نزح نحو 9 ملايين شخص داخليا، وفر أكثر من 3 ملايين خارج البلاد
وشهدت تلك الفترة تحسنا في العلاقات مع واشنطن آنذاك، خاصة بعد انضمام السودان إلى "اتفاقات أبراهام" بقيادة عرّابها ترامب، مقابل رفع العقوبات في أوائل 2021.
لكن الكاتب يقول إن البرهان حلّ المجلس السيادي الانتقالي في أكتوبر/تشرين الأول 2021 وأسس حكما عسكريا، مما أشعل التوتر مع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قائد قوات الدعم السريع، التي تطورت من مليشيات الجنجويد ذات الغالبية العربية التي قاتلت في حرب دارفور (2003-2020).
واندلع القتال في أبريل/نيسان 2023 حين شنت قوات حميدتي هجمات واسعة على مواقع الجيش في أنحاء البلاد، وسيطرت على أجزاء من الخرطوم ومدن أخرى.
ورغم طردها من العاصمة مؤخرا، فقد أحرزت تقدما كبيرا في دارفور، حيث أدى استيلاؤها على الفاشر إلى تقسيم السودان فعليا إلى شطرين، على حد تعبير كاتب المقال.
المصدر:
الجزيرة