آخر الأخبار

جمال خاشقجي: مسار قضية مقتله من تركيا إلى السعودية

شارك
مصدر الصورة

في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، دخل الصحفي جمال خاشقجي، الذي كان يقيم في الولايات المتحدة، إلى قنصلية بلاده في إسطنبول، حيث قُتل.

خلال الأشهر التالية، ظهرت روايات متباينة حول كيفية وفاته، ومصير رفاته، والجهات المسؤولة عن الجريمة.

وقال مسؤولون سعوديون إن الصحفي قُتل في "عملية مارقة" نفذها فريق من العملاء أُرسل لإقناعه بالعودة إلى المملكة، بينما أكد مسؤولون أتراك أن هؤلاء العملاء تصرفوا بناءً على أوامر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية.

في 7 أبريل/نيسان 2022، قرر القضاء التركي إحالة قضية محاكمة المتهمين بجريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى السلطات القضائية السعودية، وهو ما يعني إغلاق الملف من جانب القضاء التركي.

وصدر القرار عن المحكمة الجنائية الحادية عشرة في إسطنبول، التي كانت تنظر في قضية مقتل خاشقجي، خلال جلسة تغيب عنها المتهمون الـ26.

وحضر الجلسة محامون من نقابة المحامين في إسطنبول وممثلون عن المتهمين، إضافة إلى خطيبة خاشقجي خديجة جنكيز ومحاميها.

وجاء القرار بعد بروز مؤشرات على تحسن العلاقات بين السعودية وتركيا.

من هو جمال خاشقجي؟

برز اسم الصحفي جمال خاشقجي، المولود في المدينة المنورة عام 1958 لأسرة ذات أصول تركية، بسبب مقالاته وانتقاداته لبعض السياسات في السعودية، خاصة بعد تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد، في وقت شهدت فيه البلاد حملة اعتقالات شملت رجال دين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطات نسويات.

وعلى مدى عقود، كان خاشقجي، الذي كان يبلغ من العمر 59 عاماً عند وفاته، مقرباً من دوائر الحكم في المملكة، كما عمل مستشاراً في بعض مؤسساتها.

ودرس الصحافة في جامعة إنديانا بالولايات المتحدة، قبل أن يبدأ مسيرته المهنية مراسلاً صحفياً لعدد من الصحف السعودية.

واشتهر بعد نجاحه في تغطية أحداث أفغانستان والجزائر والكويت والشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي.

وكان من الذين أثاروا موجة من الجدل عندما كتب تغريدة على موقعه في وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، مدافعاً عن الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وعن جماعة الإخوان المسلمين المصنفين كـ "إرهابيين" من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

تولى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة "أراب نيوز" في أواخر التسعينيات، وبقي في ذلك المنصب مدة أربعة أعوام.

وفي عام 2004، عُيّن رئيساً لتحرير صحيفة "الوطن" وهو المنصب الذي أُقيل منه لاحقا دون إيضاح الأسباب.

وفي العام نفسه، عمل مستشاراً إعلامياً للأمير تركي الفيصل، واستمر في عمله ذلك لسنوات. وكان تركي الفيصل مديرا للمخابرات السعودية لفترة طويلة (1977-2001) وبعدها تقلد مناصب هامة في السلك الدبلوماسي حيث تولى منصب سفير المملكة في بريطانيا وبعدها سفير السعودية في الولايات المتحدة.

مصدر الصورة

وفي عام 2015، عُين مديراً عاماً لقناة "العرب" الإخبارية التي كان مقرها في المنامة بالبحرين، والتي كان يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، ولكنها سرعان ما أغلقت بعد ساعات من افتتاحها.

ورجّحت الصحف المحلية أسباب إغلاقها وقتذاك إلى خلاف مع السلطات البحرينية حول السياسة التحريرية.

في حين لم تعلق الحكومة البحرينية على سبب الإغلاق.

وعمل خاشقجي أيضا معلقاً سياسياً، ظهر في عدد من القنوات السعودية والعربية.

وفي ديسمبر/ كانون أول، 2017، أنهت صحيفة "الحياة اللندنية" لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، علاقتها به ومنعت كتاباته التي تنشرها الصحيفة بدعوى " تجاوزات ضد السعودية".

كان خاشقجي يعيش قبل اختفائه في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة.

في عام 2017، تولى الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، لتدخل السعودية حقبة جديدة في تاريخها شهدت تغييرات واسعة، أثنى عليها البعض وانتقدها أخرون.

وكتب الصحفي جيسون رضائيان في صحيفة واشنطن بوست عن الأوضاع في السعودية قائلاً: "مع كل إصلاح مفترض، تأتي موجة جديدة من الاعتقالات والأحكام بالسجن وزيادة في الإجراءات القمعية". وأضاف: "مع كل نقطة تحول، قدم جمال لقراء واشنطن بوست تعليقًا متبصرًا ونقداً لاذعاً عن بلد عصي على الفهم".

وقال خاشقجي، في أول عمود له بالصحيفة في سبتمبر/أيلول 2017، إنه كان يخشى أن يتم القبض عليه في حملة ضد المعارضين أشرف عليها ولي العهد.

ألّف خاشقجي عدة كتب لاقت اهتمامًا، منها: علاقات حرجة: السعودية بعد 11 سبتمبر، وربيع العرب زمن الإخوان المسلمين، واحتلال السوق السعودي.

وكان يُنظر إليه في كثير من الأحيان باعتباره خبيراً في الشأن السعودي الداخلي، قبل أن يقرر المغادرة في عام 2017، وسط تقارير عن حملة تستهدف أصحاب الرأي المخالف لتوجهات ولي العهد.

مصدر الصورة

لماذا كان في القنصلية؟

زار جمال خاشقجي القنصلية السعودية في إسطنبول لأول مرة في 28 سبتمبر/أيلول 2018 للحصول على وثيقة سعودية تفيد بأنه مطلق، حتى يتمكن من الزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز.

لكن قيل له إنه يتعين عليه العودة للحصول على الوثيقة، فرتب للعودة في 2 أكتوبر/تشرين الأول.

وكتبت جنكيز في واشنطن بوست: "لم يكن يتوقع أن يحدث له مكروه على الأراضي التركية".

رافقت جنكيز خاشقجي إلى مدخل القنصلية في 2 أكتوبر/تشرين الأول، وشوهد آخر مرة في لقطات كاميرات المراقبة وهو يدخل المبنى في الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي.

وعلى الرغم من طمأنة الأصدقاء له بأنه لن يواجه أي مشاكل داخل القنصلية، أعطى جنكيز هاتفين جوالين وطلب منها الاتصال بمستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا لم يعد.

انتظرت جنكيز في نهاية المطاف لأكثر من 10 ساعات خارج القنصلية، وعادت في صباح اليوم التالي عندما لم يظهر خاشقجي مرة أخرى.

ماذا قالت السعودية؟

لأكثر من أسبوعين، نفت السعودية باستمرار أي معرفة بمصير خاشقجي. وقال الأمير محمد بن سلمان لمحطة بلومبيرغ الإخبارية إن الصحفي غادر القنصلية "بعد بضع دقائق أو ساعة واحدة"، مضيفًا: "ليس لدينا ما نخفيه".

لكن في تغيير في اللهجة في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أعلنت الحكومة السعودية أن تحقيقاً أولياً أجراه المدعون خلص إلى أن الصحفي توفي أثناء "شجار" بعد مقاومة محاولات إعادته إلى السعودية. وفي وقت لاحق، أرجع مسؤول سعودي سبب الوفاة إلى عملية خنق.

وفي 15 نوفمبر/تشرين الثاني، قال نائب المدعي العام السعودي، شعلان الشعلان، إن القتل صدر بأمر من رئيس "فريق المفاوضات"، الذي أرسله نائب رئيس المخابرات السعودية إلى إسطنبول لإعادة خاشقجي إلى المملكة "عن طريق الإقناع"، وإذا فشل ذلك "بالقوة".

وأضاف شعلان أن المحققين خلصوا إلى أن خاشقجي تم تقييده بالقوة بعد صراع وحقن بكمية كبيرة من المواد المخدرة، وتسببت الجرعة الزائدة بوفاته. وأوضح أنه بعد ذلك تم تقطيع الجثة وتسليمها إلى "متعاون" محلي خارج القنصلية للتخلص منها.

وأكد شعلان أن خمسة أشخاص اعترفوا بالقتل، مضيفًا: "لم يكن لدى ولي العهد أي علم بها".

مصدر الصورة

ما هي الإجراءات التي اتخذتها السعودية؟

مصدر الصورة

وقالت النيابة العامة السعودية في أواخر سبتمبر/أيلول 2018 إنه تم التحقيق مع 31 شخصاً في جريمة القتل، وتم اعتقال 21 منهم.

كما أقيل خمسة من كبار المسؤولين الحكوميين، بينهم نائب رئيس المخابرات أحمد عسيري وسعود القحطاني، أحد كبار مساعدي ولي العهد محمد بن سلمان.

وفي يناير/كانون الثاني 2019، قدّم 11 شخصاً – لم يتم الكشف عن أسمائهم – للمحاكمة أمام محكمة جنايات الرياض على خلفية جريمة قتل خاشقجي، وطالب النائب العام بإعدام خمسة منهم.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن المحاكمة، التي جرت خلف أبواب مغلقة، لم تفِ بالمعايير الدولية، وإن السلطات "عرقلت المساءلة الحقيقية".

وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، حكمت المحكمة على خمسة أشخاص بالإعدام بتهمة "ارتكاب جريمة قتل الضحية والمشاركة فيها بشكل مباشر"، بينما حكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة 24 عامًا بتهمة "التستر على الجريمة ومخالفة القانون"، فيما ثبتت براءة الثلاثة الباقين.

وقالت النيابة العامة إن العسيري حوكم ولكن تمت تبرئته "لعدم كفاية الأدلة"، بينما تم التحقيق مع القحطاني في جريمة القتل دون توجيه تهمة إليه.

وفي مؤتمر صحفي عقب الحكم، قال نائب المدعي العام شعلان الشعلان إن تحقيق النيابة العامة أظهر أن "القتل لم يكن مع سبق الإصرار".

ورفضت مقررة الأمم المتحدة التي تولت التحقيق في القضية، أغنيس كالامار، هذا التأكيد ووصفته بأنه "سخيف للغاية"، وقالت إن المحاكمة تمثل "نقيض العدالة"، وأنها برأت "العقول المدبرة".

لكن صلاح خاشقجي، نجل الصحفي والذي يعيش في السعودية، غرّد قائلاً: "نؤكد ثقتنا بالقضاء السعودي على جميع المستويات، وأنه كان عادلاً لنا وأن العدالة قد تحققت".

وفي مايو/أيار 2020، قال صلاح خاشقجي وإخوته: "عفونا عمن قتل والدنا -رحمه الله- لوجه الله تعالى"، موافقين على رأي النيابة العامة بأن القتل لم يكن مع سبق الإصرار.

وبعد أربعة أشهر، خففت محكمة جنايات الرياض أحكام الإعدام الصادرة على خمسة من المتهمين إلى السجن لمدة 20 عامًا، وحُكم على الثلاثة الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات. وقال الادعاء إن الأحكام كانت نهائية وأن المحاكمة الجنائية مغلقة الآن.

ووصفت جنكيز الأحكام بأنها "استهزاء تام بالعدالة".

وأضافت أن "السلطات السعودية تغلق الملف دون أن يعرف العالم حقيقة المسؤول عن مقتل جمال .. من خطط لها، ومن أمر بها، وأين جسده؟ هذه هي الأسئلة الأساسية والأكثر أهمية التي لم تتم الإجابة عليها تماما".

ما هي الرواية التركية لما حدث؟

قال مسؤولون أتراك إن 15 سعودياً، برفقة ثلاثة من عناصر المخابرات، وصلوا إلى إسطنبول قبل أيام من مقتل خاشقجي. وقامت هذه المجموعة بإزالة كاميرات المراقبة والمواد المسجلة داخل القنصلية السعودية قبل وصول الصحفي، الذي لقي مصرعه داخل المبنى.

وقال المحامي العام في إسطنبول، عرفان فيدان، في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إن خاشقجي خُنق وتم تقطيع جثته بعد دخوله القنصلية بقليل.

وفي مقال نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التحقيقات كشفت أن جمال خاشقجي "قتل بدم بارد على يد فريق قتل، وكان القتل عمدًا مع سبق الإصرار".

وأضاف: "هناك أسئلة أخرى لا تقل أهمية، وسوف تسهم إجاباتها في فهم ملابسات هذا العمل المشين. أين جثة خاشقجي؟ من هو المتعاون المحلي الذي تزعم السعودية أنه تخلص من أشلاء خاشقجي؟ من أعطى الأوامر بإزهاق تلك الروح الطيبة؟ لسوء الحظ، رفضت السلطات السعودية الإجابة على تلك الأسئلة".

وقال أردوغان إنه علم أن الأوامر بقتل خاشقجي "جاءت من أعلى المستويات في الحكومة السعودية"، مستبعداً أن يصدق "ولو لثانية واحدة أن الملك سلمان، خادم الحرمين، هو من أصدر الأمر بالقتل".

ووجّه المحامي العام في إسطنبول اتهامات رسمية بقتل خاشقجي إلى سعود القحطاني، وأحمد العسيري، و18 متهماً آخرين.

وأشارت تلك الاتهامات إلى أن مساعدي ولي العهد السعودي السابقين "حرضا على القتل العمد مع سبق الإصرار، مع ثبوت قصد التعذيب الوحشي خلال عملية القتل، والاستمتاع بذلك".

ورفضت السعودية طلب تسليم المتهمين الذي تقدمت به تركيا، وهو ما أدى إلى عقد محاكمة غيابية للمتهمين البالغ عددهم 20 شخصًا في 20 يوليو/تموز 2020 بمحكمة في إسطنبول. وقال المحامي الذي عينته المحكمة التركية للدفاع عن المتهمين إن موكليه نفوا جميع الاتهامات الموجهة إليهم.

وقد قبلت المحكمة إضافة ستة متهمين سعوديين جدد إلى القضية، من بينهم نائب القنصل السعودي في تركيا وأحد الملحقين الدبلوماسيين، الذين واجهوا تهمة "القتل العمد بنية وحشية". كما اتُهم أربعة آخرون بإتلاف الأدلة وإخفائها والعبث بها.

ماذا كشفت تحقيقات الأمم المتحدة؟

توصل تقرير صدر في يونيو/حزيران 2019، أعدته المقررة الخاصة للأمم المتحدة أغنيس كالامار، إلى أن مقتل خاشقجي "يُعد جريمة قتل خارج القانون تتحمل السعودية مسؤوليتها".

وكشف التقرير أيضًا عن وجود "أدلة موثوقة" تستدعي فتح تحقيق في تورط الأمير محمد بن سلمان وغيره من كبار المسؤولين رفيعي المستوى في السعودية في الجريمة. وقالت إن الأمير ينبغي أن يخضع للعقوبات التي فرضتها بالفعل بعض دول أعضاء في الأمم المتحدة على أفراد يُعتقد أنهم متورطون في القتل.

وأضافت كالامار أن التحقيقات التي أجرتها السعودية وتركيا لم تفِ بـ "المعايير الدولية". وطالبت أيضًا بتعليق محاكمة المشتبه بهم البالغ عددهم 11 شخصًا، لأن المحاكمة "لن تحقق العدالة كما ينبغي".

وقالت إن المحاكمة "تُجرى خلف أبواب مغلقة، ولم يُكشف النقاب عن هوية من يواجهون الاتهامات أو هوية من يواجهون أحكامًا بالإعدام. وحتى وقت كتابة هذا التقرير، لا يزال واحد على الأقل من بين من ثبت أنهم خططوا ورتبوا عملية قتل خاشقجي لم تُوجّه إليه أي اتهامات بعد".

ورفض عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية حينئذ، ما جاء في التقرير، واصفًا إياه على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بأنه "لم يقدم جديداً"، وأنه يحتوي على "تناقضات واضحة ومزاعم لا أساس لها من الصحة تقوض مصداقيته". وأضاف: "القضاء السعودي هو الجهة الوحيدة المنوطة بالتعامل مع قضية خاشقجي، وهو يعمل باستقلالية كاملة".

هل هناك أدلة؟

في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني، قالت الحكومة التركية إنها أطلعت السعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا على تسجيلات صوتية تتعلق بمقتل خاشقجي. ورغم عدم الإعلان رسميًا عن مضمون تلك التسجيلات، أورد تقرير كالامار تفاصيل التسجيلات التي تحدثت عنها أنقرة.

وأشارت المقررة الخاصة إلى أنها لم تتمكن من الحصول على نسخة من تسجيلات مقتل خاشقجي من المخابرات التركية أو التأكد من مصداقيتها.

لكن أحد هذه التسجيلات الصوتية تضمن مناقشة بين من يبدو أنهم اثنان من المسؤولين السعوديين حول كيفية تقطيع ونقل جثمان خاشقجي، وذلك قبل دقائق من وصوله إلى القنصلية، وفقًا لتقرير كالامار.

ونسب التقرير إلى أحد المسؤولين السعوديين قوله: "الجثمان ثقيل، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثماناً على الأرض. إذا أخذنا الأكياس البلاستيكية وقطعناها إلى قطع صغيرة، سوف ينتهي الأمر". وفي آخر التسجيل، تساءل المسؤول الثاني عما إذا كانت "الأضحية" وصلت.

كما سجلت محادثة أخرى داخل القنصلية تضمنت حديث المسؤولين مع خاشقجي: "سوف نعيدك. هناك أمر من الشرطة الدولية. طلبت الشرطة الدولية إعادتك، وقد جئنا لإعادتك".

وأشار التقرير إلى أن رد خاشقجي كان: "ليست هناك قضية ضدي. وقد أخبرت بعض الناس في الخارج، وهم في انتظاري، هناك سائق ينتظرني".

وفي حوالي الساعة الواحدة وثلاثة وثلاثين دقيقة بالتوقيت المحلي، أظهر التسجيل خاشقجي وهو يقول: "هذه منشفة، هل ستخدرونني"، ويجيب شخص ما: "سنخدرك".

وأشار التقرير إلى سماع صوت عراك بعد تلك المحادثة، مع عبارات تضمنت "هل نام؟"، و"إنه يرفع رأسه"، و"استمر في الضغط". بعد ذلك سُمعت أصوات حركة وأشخاص يلهثون، وأغطية بلاستيكية تُسحب.

وتعرفت المخابرات التركية على صوت منشار تم تشغيله في الساعة 1:39 ظهرًا بالتوقيت المحلي، لكن كالامار والوفد الذي يعمل معها لم يتمكنوا من التعرف على مصادر الأصوات التي سمعوها.

وأشارت تقديرات ضباط المخابرات في تركيا ودول أخرى إلى أنه من المرجح أن خاشقجي قد حُقن بمادة مهدئة ثم خُنق باستخدام حقيبة بلاستيكية، وفقًا لتقرير كالامار.

ولم يُسمح للمسؤولين الأتراك بدخول القنصلية السعودية للحصول على عينات من الحمض النووي إلا بعد أسبوعين من الحادث.

وقال التقرير الأممي إن هناك أدلة قوية على أن مسرح الجريمة "خضع لتنظيف عميق بمعرفة متخصصين في الطب الشرعي" قبل وصول المحققين إليه.

كما تم تفتيش غابة بلغراد في إسطنبول بحثًا عن أشلاء خاشقجي، وهو الموقع الذي زاره الملحق القنصلي السعودي في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2018، أي قبل مقتل الصحفي بيوم واحد. وبحثت السلطات التركية أيضًا في مدينة يالوفا التركية الساحلية، إذ ترددت مزاعم تشير إلى أن مواطنًا سعوديًا يمتلك منزلاً في مزرعة هناك.

من هم العملاء السعوديون المزعومون؟

لم يكشف عن هوية أي ممن قالت السعودية إنهم يخضعون للمحاكمة، لكن المقررة الخاصة للأمم المتحدة ذكرت أسمائهم في تقريرها، ناسبة المعلومات إلى "مصادر حكومية مختلفة".

وقال التقرير إن المتهمين الخمسة الذين يواجهون أحكاما بالإعدام هم فهد شبيب البلوي، وتركي مشرف الشهري، ووليد عبد الله الشهري، وماهر عبد العزيز مطرب، ضابط مخابرات سعودي تقول الولايات المتحدة إنه يعمل لصالح معاون ولي العهد سعود القحطاني، أما الخامس فهو صلاح محمد الطبيقي، خبير الطب الشرعي في وزارة الداخلية السعودية.

أما بقية المتهمين الستة فهم منصور عثمان أباحسين، ومحمد سعد الزهراني، ومصطفى محمد المدني، وسيف سعود القحطاني، ومفلح شايع المصلح الذي يقال إنه من طاقم العمل في القنصلية السعودية في أسطنبول، وأحمد العسيري، النائب السابق لرئيس المخابرات السعودية.

ووفقا للتقرير الأممي، قال المحامون المكلفون بالدفاع عن المتهمين إن موكليهم "موظفون بالدولة ولا يستطيعون الاعتراض على التعليمات الموجهة إليهم ممن هم في مناصب أعلى".

وقال ثلاثة من المتهمين إن خاشقجي "بدأ يصرخ، لذا غطوا فمه لمنعه من إثارة جلبة، وهو ما أدى إلى موته عن طريق الخطأ"، وفقا للتقرير الأممي الذي أشارت فيه كالامار إلى أنها لم تسمع أي صراخ في التسجيلات الصوتية لما حدث داخل القنصلية.

وقال العسيري للمحكمة، وفقا لتقرير كالامار، إنه لم يصدر أوامر باستخدام العنف ضد خاشقجي أثناء إعادته إلى السعودية.

وذكر التقرير أسماء تسعة من المتهمين الذين أكدت السلطات التركية أنهم بين الفريق الكبير المكون من 15 شخصا الذي أرسل إلى أسطنبول.

كما وصل أغلب أعضاء هذا الفريق إلى أسطنبول وغادروها على متن رحلات خاصة أو تجارية في نفس اليوم الذي قتل فيه خاشقجي.

ورصدت كاميرات المراقبة بعض أعضاء هذا الفريق أثناء نقلهم بالسيارات إلى القنصلية السعودية ثم نقل عدد منهم إلى منزل القنصل السعودي بعد ساعتين من وصول خاشقجي إلى مقر القنصلية.

وقالت كالامار إن ثلاثة على الأقل من أعضاء هذا الفريق شوهدوا وهم يدخلون منزل القنصل السعودي ومعهم ما يشبه أكياس قمامة علاوة على حقيبة ملابس واحدة على الأقل.

كيف كانت استجابة حلفاء السعودية في الغرب؟

أثار مقتل خاشقجي إدانة دولية للسعودية وكان سببا في أزمات دبلوماسية بينها وبين عدد من أكبر حلفائها في الغرب، في مقدمتهم الولايات المتحدة.

فبعد تأكيد مقتل خاشقجي من قبل السلطات السعودية، وصف الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب ما حدث بأنه "أبشع تستر على جريمة في التاريخ". لكن ترامب دافع عن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، أبرز شركائها التجاريين.

وكان موقف الرئيس الأمريكي الجمهوري مثارا لسخرية عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي الذين وجهوا أصابع الاتهام إلى محمد بن سلمان.

وقالت تقارير إعلامية إن المخابرات المركزية الأمريكية - التي استمعت مديرتها إلى التسجيلات الصوتية لمقتل الصحفي السعودي - توصلت إلى أن لديها "ثقة من متوسطة إلى عالية" في أن بن سلمان هو من أمر بقتل جمال خاشقجي.

ونفى ترامب ذلك، وخرقت إدارته القانون الذي يلزمها بنشر تقرير غير سري يتضمن الإشارة إلى قيام شخص ما بـ "إعطاء الأوامر والتوجيهات أو إتلاف الأدلة" في هذه القضية.

نشرت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في فبراير/ شباط 2021 تقرير المخابرات الأمريكية عن مقتل الخاشقجي وخلص إلى أن عملاء المخابرات السعودية قتلوا خاشقجي "لمصلحة محمد بن سلمان وبموافقته".

وفرضت الولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، والمملكة المتحدة عقوبات على 18 سعوديا تدور حولهم شبهات بأنهم على صلة بمقتل خاشقجي ولم يكن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من بينهم.

كما ألغت ألمانيا، وفنلندا، والدنمارك ودول أوروبية أخرى صفقات سلاح كانت قد أبرمتها مع السعودية بعد قتل خاشقجي.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا