آخر الأخبار

الأسباب الحقيقية وراء سحب أميركا تأشيرة رئيس كولومبيا

شارك

من المجحف جدا أن تأتي سيرة الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو في أي حديث هذه الأيام، ولا نعطي الرجل حقه من الإشادة بخطابه في الأمم المتحدة، الذي نسف في أقل من ساعة، معجم المجاملات والنفاق الدبلوماسي المعتاد أمام أبشع جريمة إبادة بشرية يتابعها العالم صوتا وصورة، ويخشى قادته مواجهة مقترفيها بجرائمهم الوحشية.

وقد أكد سحب واشنطن تأشيرة الرئيس بيترو إلى الولايات المتحدة، كإجراء "عقابي"، مستوى غضب الرئيس ترامب على كل من يجهر بالحقيقة عارية في عقر دارها، غير أن الرئيس الكولومبي بيترو سخر من القرار، ورأى أنه خطوة أولى لكلفة ما قاله، وما فعله بعد ذلك في قلب نيويورك، ولن يندم عليه.

تداولت وسائل الإعلام العالمية بشكل واسع جدا مداخلة الرئيس الكولومبي في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بخطاب ثائر وواضح، منسجم تماما مع شكله الذي حرص أن يزينه شعار العلم الفلسطيني على قميصه وفي معصمه، وبالكوفية بعد ذلك في شوارع نيويورك، حيث خطب مع صديقه المغني العالمي، روجر ووترز المرابط في ميدان تايمز سكوير، مع أنصار غزة.

ومهما تنوعت المقاطع المتداولة (إلى جانب مداخلة اجتماع مجموعة لاهاي في نفس الأسبوع)، فإن الرسالة كانت واحدة: أولا: حدد أن الجاني في جريمة الإبادة في غزة، نتنياهو وودعا لمحاسبته. ثانيا: حذر من أن ما يقوم به ترامب تجاه فنزويلا، لا يقل خطورة عن فلسطين!

الرئيس بيترو كان واضحا منذ البداية، وقال إنها المرة الرابعة والأخيرة التي يعتلي فيها منبر الجمعية العامة كرئيس لكولومبيا، نظرا لانتهاء فترته الرئاسية في أغسطس/آب القادم، وارتجل لمدة 40 دقيقة، دون خوف أو طمع في مناصب مستقبلية.

ورغم أن مضمون مداخلته وحواراته مع وسائل الإعلام خلال أسبوع الدورة الثمانين، لا سيما حواره مع القناة البريطانية "بي بي سي"، فاق سقف الوضوح والشجاعة المنتظرة، فإن الرجل لم يكتفِ بذلك، بل زاد مستوى تحدي الإدارة الأميركية بأن راح يدعو الجنود الأميركيين إلى عصيان أوامر الرئيس ترامب، قائلا: "لا تصوبوا صواريخكم ضد الإنسانية، لا تنحنوا للرئيس الأميركي ترامب"، مذكرا إياهم ببطولة أجدادهم الجنود الذين شاركوا في الحرب العالمية الثانية ضد هتلر، مؤكدا أن المعركة اليوم تستوجب الوقوف في وجه الطاغية الجاثم على غزة، كما فعلتم مع النازية في الأربعينيات.

إعلان

في الحقيقة، إن الأخطر من الجدل الذي فجره الرئيس الكولومبي بتصريحاته عن فلسطين، ونعته للرئيس ترامب من قلب الجمعية العامة في نيويورك، بتصرفات انفعالية وغير مسؤولة (خطابه باللغة الإسبانية الأم كان متمردا جدا)، هو انشغال الرأي العام اللاتيني بجدل أكثر ثورية وسط ظروف سياسية معقدة تمر بها المنطقة.

حيث ظهر الرئيس بيترو أيضا بشعار "الحرب أو الموت" على قميصه، للزعيم اللاتيني سيمون بوليفار، قائد معركة تحرير كولومبيا الكبرى من الهيمنة الإسبانية، في إشارة إلى تراكم حجم هيمنة القوى الكبرى وضرورة الثورة عليها، وهو ما أكده قولا من خلال مخاطبته الرئيس الأميركي "نحن لسنا رعايا"، وأيضا "لقد حان وقت الثورات، كي لا تهلك البشرية".

وهذا ما ينسجم مع قوله بخصوص الإبادة في غزة بـ"لقد قضى الفيتو الأميركي الأخير في مجلس الأمن، على كل آمال الدبلوماسية، فالتاريخ البشري يظهر لنا أنه عندما تبقى الدبلوماسية دون حل، من الضروري الانتقال إلى المرحلة التالية".

وإن كان الرئيس الكولومبي من السباقين في التنديد بجرائم نتنياهو في غزة وفلسطين عموما، وتوصيف جرائم الجيش الإسرائيلي بالإبادة، فإن تشخيصه للاستفزاز الأميركي لفنزويلا، كان بنفس الوضوح والتنديد.

فالرجل يحذر بشدة من أن الخطة التي تعدها إدارة الرئيس ترامب لفنزويلا لا تقل خطورة عن المشروع الاستيطاني التوسعي الإسرائيلي في الشرق الأوسط.

وذكر بأن التعلل بوجود كارتلات مخدرات فنزويلية بإشراف من الرئيس مادورو، تغرق المجتمع الأميركي بتلك السموم، ليس سوى أكاذيب مثل "أسلحة الدمار الشامل في العراق" عام 2003، وأن الولايات المتحدة تسعى لاستخدامها ذريعة للإطاحة بالحكومة الحالية، وتعيين حكومة مطيعة مكانها، للاستئثار بنفط فنزويلا وثرواتها الطبيعية.

ولم يكتفِ كالعادة بتلك اللغة المباشرة، بل دعا الرئيس ترامب للانتباه بأن من رؤساء عصابات المخدرات من يقيمون بجانب قصره في ميامي، وفي باريس ومدن أخرى كثيرة، وليسوا في كاراكاس أو في المياه الدولية في بحر الكاريبي كي يقصفهم بصواريخه، مؤكدا في الوقت ذاته أن بنوك الولايات المتحدة هي من أكبر المستفيدين من أموال المخدرات.

من الطريف أن الخارجية الأميركية، منذ بدء الرئيس ترامب فترته الثانية في يناير/كانون الثاني الماضي، دأبت على سحب التأشيرة الأميركية، كإجراء عقابي لخصومها العنيدين، على الأقل في أميركا اللاتينية.

فالقرار الذي تم اتخاذه في حق الرئيس بيترو، وهو في طريق عودته إلى كولومبيا، سبقته قرارات مثيلة، لعل آخرها سحب تأشيرة القضاة البرازيليين الأربعة الذين وافقوا على عقوبة 27 سنةً سجنا للرئيس اليميني السابق بولسونارو.

وقبلها، وفي خضم الانتخابات الرئاسية الإكوادورية، أعلنت الخارجية الأميركية عن سحب تأشيرة الرئيس اليساري السابق رافائيل كوريا (اللاجئ في بلجيكا) وأفراد أسرته، في الوقت الذي فاجأ فيه هذا الأخير الرأي العام بالقول إنه لا يملك تأشيرة بالأساس، لا هو ولا أبناؤه.

ووضح ساخرا، أن سبب الإلغاء المزعوم، يعود إلى "تهم له بالفساد"، في الوقت الذي فتحت فيه الولايات المتحدة أبوابها على مصراعيها، للرئيس الإكوادوري اليميني السابق جميل معوض وحلفائه، منفذي قرار إلغاء العملة المحلية للإكوادور، واعتماد الدولار الأميركي عوضا لها، على غرار بنما والسلفادور.

إعلان

والرئيس الكولومبي لم يذهب بعيدا عن هذا الفهم، حيث قال إن قرار سحب التأشيرة الأميركية منه، ليس سوى دليل جديد على استعراض قوة من الرئيس ترامب، وكأنه بذلك يحتكر مفاتيح الأراضي الأميركية ومنظمة الأمم المتحدة، معتبرا أن القرار يستهدف كل فعل مقاومة من أجل الإنسانية.

وأكد في ذات الوقت أنه أسلوب انتقام من الرئيس ووزير خارجيته تجاه رسائله الدقيقة، وأنهما لن يدخرا جهدا في الاستمرار في دعم خطاب المعارضة اليمينية الكولومبية المتعطشة لطي صفحة الرئيس اليساري الوحيد في تاريخ كولومبيا، في انتخابات مايو/أيار القادم.

وإن كانت أطماع المعارضة الكولومبية مسلطة على الداخل، فإن إدارة ترامب تستعجل انقضاضها على فنزويلا، وتستعد لإزاحة حجر العثرة الذي يعيقها في البرازيل (لولا دا سيلفا) وكولومبيا (بيترو)، في أول انتخابات قادمة في البلدين.

مخطط قد يعتبره الكثيرون كلفة لكلمة الحق التي جهر بها الرئيس بيترو في نيويورك، لكنها تبقى في النهاية تضحية تليق بمسار ثلاثين سنة من حياة زعيم ثائر.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل دونالد ترامب حماس

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا