آخر الأخبار

مستقبل العلاقات الأمريكية الخليجية بعد الهجوم الإسرائيلي

شارك
مصدر الصورة

رغم ما يشوب التحالف بين الولايات المتحدة وبعض دول الخليج أحيانا من توتر هنا وهناك، تظل العلاقة بين الطرفين قوية وراسخة في مواجهة أي تقلبات إقليمية. لكن بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف اجتماعا لقادة حركة حماس في العاصمة القطرية الدوحة، أطلت الكثير من التساؤلات برأسها عن مستقبل العلاقات بين واشنطن ودول الخليج في مجملها، وكذلك عن الطرق التي قد تسلكها قطر للرد على هجوم أودى بحياة بضعة أشخاص، بينهم نجل خليل الحية أحد قادة حماس، وكذلك أحد أفراد الأمن القطري.

ويرى أحمد أبودوح الزميل المشارك بمركز "تشاتام هاوس" البحثي في لندن أن "الولايات المتحدة صارت في موضع اتهام، لأنها لم تبلغ قطر بالضربة الإسرائيلية إلا في وقت متأخر". وكان وزير الخارجية ورئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قال إن أول اتصال أمريكي ورد بعد مرور عشر دقائق من بدء الهجوم.

وأكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الهجوم على قطر "لن يتكرر مجددا". وفي منشور على منصة تروث سوشيال، قال ترامب إن الجيش الأمريكي أبلغه بالهجوم الإسرائيلي على قطر "لكن الوقت كان قد تأخر جدا، ولم يعد ممكنا وقف الهجوم"، وشدد ترامب على أهمية قطر "كحليف قوي وصديق"، وأوضح في منشوره أن قرار الهجوم "اتخذ من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ولم يكن قراري".

كيف سترد قطر؟

مصدر الصورة

قطر أكدت على احتفاظها بحق الرد على الهجوم الذي وصفته "بإرهاب الدولة". ولا ترتبط قطر بعلاقات مباشرة مع إسرائيل، لكنها تستضيف قاعدة العديد، إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، كما تملك استثمارات ضخمة في الولايات المتحدة.

يتفق كل من تحدثنا إليهم من الباحثين على أن الرد القطري سيكون من خلال الدوائر الدبلوماسية والقانونية بالأساس التي تسعى لممارسة ضغوط على إسرائيل، خاصة مع قرب انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر.

ويرى أحمد أبودوح أن الولايات المتحدة ستسعى من خلال الاتصال بقطر وباقي دول الخليج للتوصل إلى "نوع من السيطرة على الضرر" الناجم عن هذا الهجوم، لأن واشنطن "تستشعر الخطر من الضربة وتداعياتها على العلاقات مع الخليج".

وترتبط كل من الإمارات والبحرين بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد توقيع اتفاقيات التطبيع أو ما يعرف بالاتفاقيات الإبراهيمية خلال فترة الولاية الأولى لدونالد ترامب. ويمكن لقطر اللجوء لتلك الدول لوضع مزيد من الضغوط على إسرائيل.

ويقول ماكس رودنبيك مدير مشروع إسرائيل وفلسطين بمجموعة الأزمة الدولية، إن الإمارات والسعودية أيضا تملكان أدوات لتوصيل رسالة واضحة لإسرائيل، "فعلى سبيل المثال هناك رحلات طيران يومية بين تل أبيب وأبو ظبي ودبي." ويوضح أن الإمارات "هي أقرب حليف لإسرائيل في دول مجلس التعاون الخليجي، كما أيدت إسرائيل في بعض المواقف." ويعتبر أن زيارة الرئيس الإماراتي محمد بن زايد للدوحة، بعد مرور أقل من أربع وعشرين ساعة على هجوم، ما هي إلا دليل على التعاطف مع قطر.

وتدور شكوك حول مدى مبالاة إسرائيل بتصاعد الضغوط الدبلوماسية عليها. فالحرب على غزة مستمرة منذ نحو عامين رغم إدانة العديد من المنظمات الدولية لمقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وتصريح أكثر من دولة أوروبية بنيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية في اجتماعات نيويورك في وقت لاحق من هذا الشهر.

لكن رودنبيك يعتقد أن هناك أصوات في الداخل الإسرائيلي تؤمن بأنه لا يمكن الاستمرار في ظل وجود ما يشبه العزلة الدولية التي قد تفرض على إسرائيل "لأنها تعتمد بشدة على العلاقات التجارية مع أوروبا وكذلك تحتاج إلى توفر مناخ جيد مع دول الجوار من أجل جذب الاستثمار، فهي ليست حصينة ضد الضغوط الدبلوماسية".

في المقابل يرى هزاع المجالي أستاذ القانون الدولي أن إسرائيل أصبحت "حالة استثنائية في القانون الدولي، فهي تفعل ما تشاء من دون خوف مادامت الولايات المتحدة تقف إلى جوارها. وستعارض واشنطن أي إدانة لها داخل أروقة الأمم المتحدة".

"لحظة حرجة لواشنطن"

مصدر الصورة

ويرى ماكس رودنبيك أن إحدى معضلات العلاقات الأمريكية في الشرق الأوسط، تتمثل في أن الولايات المتحدة هي الحامي لإسرائيل في وقت تحرص فيه على الارتباط بعلاقات جيدة مع الخليج وهما خطان يصعب الموازنة بينهما في رأيه.

وسعت إدارة دونالد ترامب الأولى سعيا حثيثا لتوقيع الاتفاقيات الإبراهيمية. لكنه يرى اللحظة الراهنة "شديدة الإحراج" بالنسبة لواشنطن كما أن الهجوم الإسرائيلي على قطر قد يكون "نقطة تحول إلى حد ما" في العلاقات الخليجية الأمريكية.

ويتفق أبودوح ورودنبيك على أن الهجوم على قطر سبقته عدة حوادث لم تحصل فيها دول الخليج على الدعم الأمريكي المرجو. وكان من أبرز تلك الهجمات استهداف منشآت نفطية تابعة لشركة أرامكو السعودية في عام 2019. ووجهت أصابع الاتهام لإيران بالوقوف وراء الهجوم الذي وصفه وزير الخارجية الأمريكية حينذاك مايك بومبيو بأنها "عمل حربي ضد المملكة". وفي تصريح لبي بي سي في سبتمبر/ أيلول 2019، قال السفير السعودي في لندن الأمير خالد بن بندر آل سعود إن الهجوم الذي تعرضت له منشآت أرامكو هو "جريمة ضد المملكة وضد العالم" مضيفا أن "إيران هي أساس المشكلة".

ويقول رودنبيك إن هجوم 2019 كان "صفعة للكبرياء الأمريكي" كما كان في الوقت نفسه "صحوة" بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي أدركت إلى أي مدى يمكنها الاعتماد على الأمريكيين.

وفي يناير كانون ثان من عام 2022 أعلن المتحدث العسكري باسم الحوثيين إطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيرة ضربت أهدافا وصفها بـ المهمة والحساسة في كل من أبوظبي ودبي.

هل هناك بديل لواشنطن ؟

ويقول أبودوح إن التحالف الأمريكي الخليجي "يمر بمرحلة تاريخية حرجة لم يمر بها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية". ويضيف أن الأزمات في الشرق الأوسط أثبتت أن الولايات المتحدة "ليست حليفا أمنيا موثوقا ولا يمكن الاعتماد عليه في الوقت الصعب" خاصة في ظل سياسة "أمريكا أولا" التي تتبناها إدارة الرئيس دونالد ترامب. ويرى أن دول الخليج قد تلجأ للمزيد من سياسات التحوط "باستخدام تنافس القوى العظمى للتقارب مع روسيا وإيران" والدفع باتجاه نظام عالمي متعدد الأقطاب "لا يعتمد فقط على "الهيمنة الأمريكية".

ولم تتوقف الإدانات الإقليمية والدولية للهجوم الإسرائيلي على قطر وحملت كلها مضمونا واحدا يدين "الانتهاك الإسرائيلي للقانون الدولي" من خلال الاعتداء على دولة ذات سيادة.

وتعقد دول الخليج صفقات سلاح مع واشنطن تقدر بمليارات الدولارات. فالشراكة بين الطرفين ليست اقتصادية فحسب بل دفاعية وأمنية أيضا. وسيتعين على الأمريكيين أن يقدموا الكثير من التفسيرات للقطريين بحسب رودنبيك. "عليهم أن يوضحوا كيف لم يكن هناك أي تحذير في وقت توجد فيه قاعدة العديد الأمريكية الضخمة في قطر؟ وكيف يمكن لإسرائيل أن تتصور أنها قادرة على قصف حليف أمريكي؟" إلا أن الحادث الأخير "سيزعزع ثقة" الخليج في حليفهم الأمريكي، كما يرى رودنبيك.

مصدر الصورة

ويتحدث أبودوح عن إمكانية أن يؤدي هذا التطور لتعزيز منظومة الردع الخليجية وأن تستخدم قطر ما حدث للدفع الدبلوماسي "باتجاه إعادة تفعيل منظومة الدفاع المشترك، خاصة بعد عدة هجمات طالت الأراضي الخليجية من الحوثيين على سبيل المثال".

ويتفق رودنبيك لحد كبير في أن الهجوم على قطر سيدفع نحو مزيد من التقارب بين دول الخليج وبعضها البعض "وربما دول المنطقة أيضا، لتجد إسرائيل نفسها في عزلة". ولا ينفي رودنبيك إدراك واشنطن لذلك لكنه يصف الإدارة الحالية بأنها "منقسمة على ذاتها وتفتقر للكفاءة".

لكن هزاع المجالي يستبعد أن يكون هناك بديل صيني أو روسي لواشنطن بالنسبة لدول الخليج. كما يرى أن الضرر الناجم عن هذا الهجوم من الممكن تجاوزه إذا ما قدمت واشنطن ما يكفي من ضمانات لعدم تكراره. ويقول إن "القواعد الأمريكية موجودة في كافة مناطق الخليج، والولايات المتحدة لن تسمح بمثل هذا التحول. كما أن روسيا والصين غير مؤهلين من الناحية العسكرية لتوفير هذه الحماية للخليج".

الوساطة القطرية

ولعبت قطر أدوار وساطة في عدة صراعات حول العالم في السنوات الأخيرة. فهي لاتزال تبذل جهود وساطة إلى جانب مصر في محاولة للتوصل على وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب في غزة. وتوسطت سابقا بين الولايات المتحدة وحركة طالبان التي تحكم أفغانستان حاليا.

وحتى الآن لم تتراجع قطر عن دور الوسيط بين إسرائيل والفلسطينيين. كما لم تتحرك مثلا نحو التوقف عن استضافة قادة حركة حماس على أراضيها. ويرى رودنبيك أن الدوحة تريد الحفاظ على سمعتها كوسيط موثوق وكملاذ آمن لإبرام المفاوضات المختلفة. "اعتقد أن قطر ستكون مصممة أكثر على حماية قادة حماس الذين يأتون لأراضيها، وهو عكس ما أرادت إسرائيل."

ويقول هزاع المجالي إن قطر تدرك أن نتنياهو يرتكب هذه الأفعال "بقرارات منفردة مبنية على فكر ديني متطرف، فهو يبعث برسالة للداخل الإسرائيلي مفادها أنه سينتقم لأي اعتداء يقع على إسرائيل، ورسالة أخرى للدول العربية بأنه لا يوجد أحد محصن أمام إسرائيل إذا ما أرادت استهداف" أي جماعة مسلحة.

أما رودنبيك فيرى أن إسرائيل كانت تحاول أن "تقضي على أي فرصة لنجاح الجولة الأخيرة من المفاوضات. لا يريدون وقفا لإطلاق النار على ما يبدو." كما لا يستبعد أن يكون أحد أهداف تلك العملية الإسرائيلية هو خلق نوع من الوقيعة بين واشنطن والدوحة.

وفي خلفية كل ذلك تأتي الأوامر الإسرائيلية التي صدرت مؤخرا بضرورة إخلاء مدينة غزة استعدادا لعملية عسكرية موسعة قد تؤدي للسيطرة على القطاع بالكامل.

وتظل تساؤلات كثيرة بشأن احتمال تكرار مثل هذه الضربة في منطقة الخليج رغم التأكيد الأمريكي أنها لن تتكرر. ويستبعد الخبراء أن تلجأ قطر، في الوقت الراهن، لاستخدام أوراق ضغط اقتصادية على واشنطن خاصة أن كل المؤشرات تقول إن الضربة الإسرائيلية لم تتم بمباركة أمريكية. وفي مايو/أيار الماضي، أعلن صندوق الثروة السيادي القطري اعتزامه استثمار 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدار السنوات العشر المقبلة، وذلك بعد أيام من زيارة دونالد ترامب لمنطقة الخليج. لكن القلق يتصاعد في ظل غياب أي بوادر تهدئة.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل حماس نتنياهو

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا