عمان، الأردن ( CNN )-- ح ذّر وزير الخارجية الأردني الأسبق، مروان المعشّر، من مساعي إسرائيل "الجدية" في تنفيذ مخططات ضم 82% من أراضي الضفة الغربية، داعيًا إلى التصدي "للغطرسة الإسرائيلية" عبر مزيد من التنسيق العربي، وتمتين الجبهة الداخلية في الأردن من خلال مزيد من الانفتاح، معتبرًا أن إعادة خدمة العلم "وسيلة من وسائل تحصين هذه الجبهة، إلا أنها ليست الوحيدة".
ورأى المعشر في حديثه لموقع CNN بالعربية، أن "توسّع نطاق الدول التي أعلنت خططا للاعتراف ب الدولة الفلسطينية يمثل خطوة إيجابية، إلا أنه لا بد أن تتبعها إجراءات عملية من قبل الدول الداعمة للاعتراف، مثل فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، وغير ذلك".
و بشأن المستجدات الأخيرة في ملف القضية الفلسطينية والتصعيد الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية وقطاع غزة، قال المعشّر إن "التهجير يعد اليوم هدفًا استراتيجيًا ثابتًا لدى إسرائيل، في ظل رفضها إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، ورفضها وجود أغلبية فلسطينية في الأراضي التي تسيطر عليها."
وربط المعشر بين "التصريحات الإسرائيلية الم تشددة والممارسات الميدانية الساعية إلى ضم أراضي الضفة الغربية وتهجير سكانها"، قائلًا: "المنطق الإسرائيلي يقول إن لم ترغب إسرائيل في إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية على التراب الفلسطيني، وإن لم ترغب أيضًا في وجود أغلبية فلسطينية داخل الأراضي التي تسيطر عليها، فلم يبقَ من خيار من جانبها سوى محاولة قتل أو تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين".
وأضاف: "نَشهد ذلك في غزة، وربما الظروف ليست مهيأة تمامًا في الضفة الغربية كما هي مهيأة في غزة، لكننا نَشهد اليوم تصعيدًا خطيرًا من قبل المستوطنين ومن قبل الجيش الإسرائيلي أيضًا، وقبلها تصريحات المسؤولين الإسرائيليين وما جاء على لسان (وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل) سموتريتش، بالقول إن إسرائيل بصدد ضم 82% من الضفة الغربية. ماذا يعني هذا؟ هذا يعني ضم المنطقة (ج) والمنطقة (ب)، أي كل الضفة الغربية فيما عدا التجمعات السكانية الفلسطينية في المدن الرئيسية".
وتابع المعشر قائلا: "إسرائيل تريد ضم الأرض وليس ضم السكان، وهذا برأيي هدف استراتيجي أصبح واضحًا، ويجب التعامل معه على هذا الأساس".
وشهدت المنطقة، خلال الأسابيع الماضية، تحرّكات أردنية قادها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في دول الإقليم والعالم، إلى جانب تحركات من دول عربية مثل مصر وعدد من دول الخليج، لبحث التصعيد الإسرائيلي ورفض مخططات التهجير والضم.
وحول سبل التصدي لهذا التصعيد، قال المعشر إن "هناك حاجة لتحرك عربي على أكثر من مستوى، في مقدمتها أخذ التصريحات الإسرائيلية على محمل الجد".
وأضاف: "هذه ليست تصريحات انفعالية، ولا تهدف إلى إرضاء المتشددين المتدينين في الحكومة الإسرائيلية، بل تعبر عن أهداف استراتيجية بالنسبة لإسرائيل، لا بد من أخذها على محمل الجد".
وقدّم المعشر أطروحات عملية للتعامل مع هذه التصريحات أردنيًا، من بينها، بحسب اعتقاده، رفع دعاوى ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، بوصف التصريحات "مخالفة" لبنود المعاهدة الأردنية الإسرائيلية، كما أنها "تخالف أيضًا ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يسمح باحتلال أراضي الغير".
وقال: "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كان واضحًا في تصريحاته الأخيرة بأنه يؤمن بحلم إسرائيل الكبرى".
الاعتراف الرمزي "لا يكفي"
ومن المتوقع أن تهيمن قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أعمال اجتماع الدورة السنوية الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي من المقرّر أن تفتتح رسميًا، الثلاثاء، في نيويورك، حيث أعلنت عدة دول غربية، منها بلجيكا وفرنسا ومالطا وكندا، عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية، وسط توقعات بتوسّع نطاق هذا الاعتراف من دول أخرى.
وفي هذا السياق، رأى المعشر أن "التنسيق العربي جهد محمود، نجح في حمل عدد من الدول الغربية على الاعتراف بالدولة الفلسطينية أو إعلان النية للاعتراف"، منبهًا إلى أن هذه الاعترافات "يجب أن تتجاوز الطابع الرمزي رغم أهميته إلى تفعيل إجراءات ملموسة من قبل الدول التي تبنّت مواقف داعمة".
وأضاف المعشر: "لا يجب الاكتفاء بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا كان اعترافًا رمزيًا فقط، فهو لا يؤدي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية، لا بد أن يتبع ذلك الاعتراف إجراءات محددة من قبل الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية، على غرار ما قامت به تلك الدول من فرض عقوبات جراء احتلال روسيا لجزء من الأراضي الأوكرانية".
واستشهد المعشر بالعديد من الإجراءات الفاعلة الأخرى في هذا الإطار، من بينها "فرض عقوبات اقتصادية على إسرائيل، مثل حظر تصدير الأسلحة لها، وحظر استيراد منتجات المستوطنات من قبل أي من هذه الدول"، وأضاف: "أيضًا هناك خيارات وإجراءات فاعلة من قبيل ملاحقة مسؤولين إسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية. هناك إجراءات يجب أن تُتخذ ليصبح لهذا الاعتراف معنى وتأثير، لا أن يكون اعترافًا رمزيًا فقط بينما تواصل إسرائيل ابتلاع الأرض"، بحسب تعبيره.
تنسيق عربي "أوسع"
وأكد المعشر على ضرورة "توسيع التنسيق العربي ليشمل دول الخليج والدول العربية كافة"، وأضاف: "باعتقادي أننا نشهد بداية تنسيق عربي جيد، مثل مصر والأردن والمملكة العربية السعودية، لكن لا بد من توسيع هذه الدائرة لتشمل قطر والإمارات ودولًا عربية فاعلة على المستوى الدولي. نحن بحاجة لتنسيق أكبر للوقوف أمام هذه الغطرسة الإسرائيلية".
وتابع: "صحيح أن الوضع الراهن قاتم، ولكن هذا لا يعني أن ننتظر حتى تحقق إسرائيل أهدافها. يجب علينا المبادرة دبلوماسيًا وسياسيًا واقتصاديًا للوقوف أمام هذه الغطرسة".
الجبهة الداخلية الأردنية
على مستوى الجبهة الداخلية في الأردن، تحدث المعشر عن ضرورات "تحصينها لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية"، مشيرًا إلى أن إعادة خدمة العلم "هي إحدى وسائل هذا التحصين، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة".
وأضاف المعشر: "أعتقد أن إعادة العمل بخدمة العلم خطوة محمودة وجيدة للغاية، ومرة أخرى، إن كنا ندرك أن محاربة إسرائيل عسكريًا قد لا تكون مجدية، فإن إعادة خدمة العلم من شأنها أن ترسخ في نفوس النشء الجديد حب الوطن، وتجسر الهوة الاجتماعية بين شباب هذا الجيل، كما أنها تساهم في بناء تربية وطنية للدفاع عن الوطن بكل الوسائل المتاحة".
وشدد المعشر على أن خدمة العلم "إحدى وسائل تحصين الجبهة الداخلية، لكنها ليست الوسيلة الوحيدة"، مؤكدًا على "ضرورة الانفتاح السياسي على كل مكونات الشعب الأردني، وإحداث مزيد من الانفتاح الداخلي، والاستماع إلى الآراء كافة"، مضيفًا: "لأننا نواجه عدوًا متغطرسًا، علينا أن نكون متحدين على الأقل داخليًا".