في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
قد يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فكر خارج الصندوق، حين قرر تنفس هواء مدينة "ماغادان" الروسية، الواقعة أقصى شرق بلاده، المعروفة باكتنازها للمعادن النفيسة، والمرور إلى جانب ما في باطن أرضها من ذهبٍ وفضة، لتجاوز ونسيان بيع الأسلاف ألاسكا الأميركية، وقصة تفكك الاتحاد السوفيتي، الدولة الأم لمن هم في جيله ومن سبقهم.
وبعد قرابة 14 عاماً، اختار فلاديمير بوتين لأول مرة زيارة "ماغادان"، المدينة التي تكتنز في باطنها نفائس من الذهب والفضة، إذ انتشرت مقاطع فيديو، وصور، لما قيل إنه مرور لموكب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بل إنه ترجل من موكبه وحط في عدد من مواقع المدينة، التي تعد الأقرب، للموقع الذي اختاره الرئيس الأميركي دونالد ترامب، للقاء غريمه التقليدي.
ويعرف أن تلك البقعة التي ورثها القيصر، كانت موطناً لأهل إيفينز، الذين لم يكونوا يعيشون في مكان واحد لفترة طويلة، وفي القرن السابع عشر، وصل الروس إلى المنطقة لأول مرة، لاستكشاف الشرق الأقصى، بحثاً عن الفراء والذهب، ووقتها أطلقوا على المنطقة اسم كوليما، الذي لا يزال شائعاً للمنطقة، ومن ثم تم اكتشاف الذهب والبلاتين في المنطقة أوائل القرن التاسع عشر، أثناء حكم ستالين في الثلاثينيات، التي شهد فيها الاتحاد السوفيتي تطوراً سريعاً في عجلة التصنيع.
وكانت ألاسكا التي قام بشرائها السابقون من الساسة في أميركا، وهرول لها حكام روسيا الجُدد، ضمن أملاك الاتحاد السوفيتي، وأصبحت أكبر ولاية في الولايات المتحدة الأميركية، بعد ضمها بموجب عقد بيع تنازل وقعّت عليه الإمبراطورية الروسية مقابل 7.2 مليون دولار (ما يوازي 133 مليون دولار حالياً)، وهي منطقة شاسعة مليئة بالثروات المعدنية، ومنها الذهب والنفط.
تقول مصادر البحث، إن السوفيت آنذاك، قرروا بيع الأراضي الألاسكية، بسبب صعوبات العيش فيها، ونقص كبير في الموارد الطبيعية، أي قبل اكتشاف الذهب لاحقًا في عام 1896، بالإضافة إلى الخوف من أن يتم الاستيلاء عليها في حالة اندلاع الحرب مع بريطانيا، وكان النشاط الروسي الرئيسي في المنطقة يقتصر على تجارة الفراء.
وخلال الزيارة التي قام بها بوتين للمدينة، قرر وضع إكليل من الزهور عند النصب التذكاري "أبطال طريق ألاسيبا الجوي"؛ الذي يرمز للتعاون بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، في خطوة تترجم الانفتاح الروسي على السياسة الأميركية، والرغبة في إزالة العوائق التاريخية المتراكمة بين البلدين.
واختيار ترامب للموقع الذي شهد القمة التاريخية بينه وبين بوتين لإنهاء الحرب مع أوكرانيا، لم يكن مصادفة، إنما له مغازٍ مبطنة، ترتكز على التذكير بالحرب الباردة، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، لا سيما وأن القاعدة العسكرية "إلمندروف الجوية"، التي التأم فيها الرجلان، أدت دوراً حاسماً في العمليات العسكرية الأميركية ضد اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، ونشاطاً بالغ الأهمية بعد عام 1945، في تلك الفترة المذكورة.
وفتح ملف العلاقات – الترامبية البوتينية – لا يمكن أن يكون بمعزل عن تصريحات أدلى بها ترامب قبل فترة وجيزة، وكشفت أن العلاقة بينهما، تتجاوز السياسة والدبلوماسية، بعد دخول الزوجة ميلانيا ترامب على الخط، فقد نسب ترامب الفضل لها، في دفعه إلى إعادة التفكير بموقفه من بوتين بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا؛ وحاول حينها وضع الأمر في سياق طبيعي، حين قال: "أعود إلى المنزل وأقول للسيدة الأولى، تحدثت اليوم مع فلاديمير. أجرينا محادثة رائعة. فتقول: حقا؟.. مدينة أخرى تعرضت للقصف للتو في أوكرانيا".
وخلال البحث في المصادر المفتوحة، ينكشف أن ميلانا قالت يوماً ما في لقاءٍ متلفز مع برنامج - فوكس آند فريندز -، إن البعض يعتبرها مجرد زوجة رئيس، لكنها تعتمد على نفسها، وإنها مستقلة ولديها أفكارها الخاصة، إلى أن بلغت القول: "أقدم له النصيحة. أحياناً يستمع وأحياناً لا. هذا أمرٌ طبيعي".
يعاني أرباب وأبناء أجهزة المخابرات الروسية، كثيراً من مخلّفات التاريخ، وجروح الخرائط، الناتجة عن تفكك "الاتحاد السوفياتي القيصري"، والذي كان يسير وفق منهج اشتراكي، سرعان ما تحول إلى رأسمالي، يقوم على ترميم البيت الداخلي، ولملمة تبعات الانهيار على الصعيد الدولي، وهذا ما يفسر حمل فلاديمير بوتين "ربيب المخابرات الروسية" منذ وصوله سدة الحكم، في حقيبته الرئاسية ورقتان، الأولى: تحمل عنوان الحفاظ على وحدة روسيا، والثانية: استعادة مكانتها، كقوة عظمى على المسرح العالمي.
في السياسة كما يبدو كل شيء مُباح، إلا أن أي تصرف قد يُحسب ضد أو في صالح ممارس السياسة، وهذا يتجسد بردود الفعل الكبيرة حول القميص، الذي ارتداه وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والتقطته عدسات الكاميرات العالمية، وكُتب عليه أربعة أحرف تختصر شعار الاتحاد السوفياتي "CCCP"، ما قاد بعض وسائل الإعلام الغربية، كصحيفة "ديلي ميل البريطانية"، لاعتباره لفتة استفزازية ومسيئة لأوكرانيا، لما يحمله الشعار من "دلالات توسعية وإمبريالية".