آخر الأخبار

فوضى إدارية وخسائر مالية تهدد بإفلاس الطيران الليبي

شارك

طرابلس- تُمثل شركات الطيران الوطنية ركيزة أساسية في إبراز قوة الدولة وفاعلية قرارها وقدرتها على الحضور الجيوسياسي، و ليبيا ليست بمنأى عن هذه القاعدة، غير أن شركة الخطوط الجوية الليبية الناقل الوطني الأقدم في البلاد، والتي تأسست عام 1964 وارتبط اسمها يوما ما بأكثر من 25 وجهة دولية وإقليمية عبر أسطول تجاوز 17 طائرة، لم يتبق من حضورها اليوم سوى رمزية باهتة تتجسد بطائرتين بالكاد تعملان.

وفي مطلع يوليو/تموز الجاري، أعلنت الشركة مرورها بضائقة مالية وصفتها بغير المسبوقة، وسط تداول أنباء حول حقيقة إفلاسها، وهو ما دفع الجزيرة نت لفتح ملف الشركة واستجلاء آراء الخبراء السياسيين والاقتصاديين حول مستقبلها وقطاع الطيران في ليبيا برمته.

بدوره، أوضح المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية أحمد الطيرة، للجزيرة نت، أن الشركة لا تمر بحالة إفلاس كما يُشاع، بل تواجه أزمة مالية مزمنة جراء الحروب المتوالية منذ 2011، مما أسفر عن تدمير معظم أسطولها المكوّن من 17 طائرة، ولم يتبقَّ منه سوى طائرتين فقط، وبالتالي تقلص عدد الوجهات إلى 3 فقط.

مصدر الصورة شركة الطيران الليبية تضررت بفعل الحرب الممتدة منذ 2011 (رويترز)

انهيار هيكلي

بالمقابل، يرى الخبير في النقل الجوي والطيران المدني محمد عيسى أن ما يمر به الطيران الليبي منذ 14 عاما ليس مجرد تراجع عارض نتيجة الحرب فقط وإنما تعود أسبابه للانهيار الهيكيلي العميق الذي مسّ بنية الشركة الإدارية والمالية والتنظيمية.

وشخّص عيسى للجزيرة نت أسباب الأزمة في غياب الحوكمة وتسييس القرار، بالإضافة إلى افتقار الإدارات المتعاقبة للحد الأدنى من المهنية والكفاءة، مما رسَّخ الفوضى الإدارية داخل الشركة.

وأشار عيسى إلى أن الشركة لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو إدارية لمطالبة الدولة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها نتيجة الحروب، رغم تعهدات رسمية سابقة بتحمّل أخطار الحرب، عدا عن عدم تقديمها أي دعوى قضائية ولا حتى مذكرات قانونية.

إعلان

ولفت عيسى إلى أن هذا القصور يتجاوز حدود الشركة نفسها ليشمل الشركة الليبية الأفريقية القابضة، وهي المالكة للخطوط الجوية الليبية، والتي اكتفت بالمراقبة دون تحمّل أدنى مسؤولية، ولم تسدد ما تبقى من رأس مال الشركة الذي يزيد على 563 مليون دينار (حوالي 104.26 ملايين دولار)، مما حرم الأخيرة من القدرة على صيانة أسطولها أو تشغيل طائراتها المتوقفة.

مصدر الصورة الشركة لم تتخذ أي إجراءات قانونية أو إدارية لمطالبة الدولة بتعويضات (شركة الخطوط الليبية)

عوامل سياسية

من جهته، قال المحلل السياسي إلياس الباروني، للجزيرة نت، إن أزمة الخطوط الجوية الليبية تعبّر عن عمق التشظي السياسي والمؤسسي الذي تمر به الدولة، موضحا أن ما يظهر كأزمة تشغيل أو نقص تمويل ما هو إلا انعكاس مباشر لغياب مركزية القرار وتعدد الحكومات، مما أدى إلى تآكل البنية الإدارية والرقابية في مؤسسات النقل الجوي.

وأشار الباروني إلى أن تعدد الأجسام الإدارية المتحكمة في قطاع الطيران، وتحوله إلى مساحة للمحاصصة وتوزيع النفوذ، عطّل فاعلية المؤسسات وفتح المجال لتمدد الفساد في غياب منظومة رقابة ومحاسبة حقيقية.

وهذا الفراغ الرقابي ترافق مع غياب رؤية وطنية موحّدة تنظم القطاع ضمن خطة سيادية، مما أفقده قدرته على الاستجابة للتحديات واحتياجات السوق.

وأوصى الباروني بضرورة الشروع في خطوات تأسيسية تتجاوز الأزمة التقنية، وتشمل:


* توحيد المؤسسات السيادية وإنهاء حالة الانقسام السياسي لضمان مرجعية واحدة.
* ربط شركات الطيران المدني بهيئة وطنية مستقلة تتمتع بالكفاءة و الشفافية .
* وضع سياسة عامة تنظم قطاع النقل الجوي ضمن رؤية اقتصادية ومؤسسية واضحة.
* إعداد إستراتيجية عشرية لتأهيل وتحديث البنية التحتية وتوسيع شبكة الخطوط.

في حين طالب المتحدث باسم الخطوط الجوية الليبية، أحمد الطيرة، الدولة الليبية -حكومة ومؤسسات- بتحمل المسؤوليات تجاه الأضرار التي لحقت بالشركة نتيجة الحرب، وتعويضها عن خسارة طائراتها المدمّرة.

كما اقترح تسهيل حصول الشركة على العملة الصعبة من المصرف المركزي بالسعر الرسمي بدل السوق الموازي، لما لذلك من أهمية في صيانة الأسطول المتضرر وإعادة تأهيله.

مصدر الصورة إحالة ملف 1670 موظفا لفائض الملاك الوظيفي والتنسيق مع وزارة العمل لتعويضهم (شركة الخطوط الليبية)

خسارة الفرص

وعن الموقف الحكومي حيال الأزمة، أوضح وكيل وزارة المواصلات في حكومة الوحدة، وسام الإدريسي، للجزيرة نت، أن الوزارة شرعت بتنفيذ برنامج إعادة هيكلة شامل يهدف لإنقاذ الشركة عبر تقليص الملاك الوظيفي بإحالة 1670 موظفا إلى وزارتي العمل والخدمة المدنية لإطلاق التقاعد المبكر، مع دعم صرف المرتبات المتأخرة وبرامج الصيانة لضمان استمرارية التشغيل.

وأضاف أن الوزارة تتابع ملف الديون والتعويضات بالتنسيق مع الجهات العليا، مشيرا إلى التنسيق مع وزارة المالية لتوفير إعفاءات جمركية على قطع الغيار وللحصول على دعم مباشر لسعر وقود الطائرات.

من جهته، حذّر خبير الطيران محمد عيسى من الانعكاسات المصاحبة لانهيار أقدم ناقل وطني في البلاد، حيث إن تقلُّص عدد الطائرات القابلة للتشغيل وتراجع الوجهات نتج عنه ارتفاع أسعار التذاكر، إضافة إلى خسارة فرص اقتصادية وسياحية، وتآكل صورة الدولة الليبية خارجيا نتيجة انكماش ناقلها الوطني.

إعلان

وحمّل عيسى الإدارة التنفيذية للخطوط الليبية ومعها الشركة القابضة مسؤولية التقاعس عن اتخاذ أي خطوات إستراتيجية جادة سواء عبر إعادة الهيكلة أو التصفية أو طرح حلول قانونية ومالية ضمن صلاحياتها.

وخلص الخبير عيسى إلى أن إنقاذ الخطوط الليبية لا يكون عبر إنفاق مالي جديد أو شراء طائرات فقط، وإنما إصلاحات جذرية داخلية تتضمن:


* حوكمة إدارية قائمة على الكفاءة والنزاهة.
* فصل قرار التشغيل عن النفوذين السياسي والمسلح.
* إعادة تنظيم العلاقة القانونية مع الزبون.
* مساءلة حقيقية لأداء القابضة وسلوكها المتراخي في دعم شركاتها التابعة.
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا