آخر الأخبار

ذوو الإعاقة الذهنية في غزة بين ألم الجوع وعدم الفهم

شارك

غزة- لا شيء في خيمة السيدة ممتازة صُبح يوحي بالحياة سوى صراخ أبنائها الثلاثة المتواصل طلبا للطعام، وهم الذين يعانون من الإعاقة الذهنية. بينما يلاصق خيمتها مكب نفايات يقع في قلب مدينة غزة، في ظروف لا تصلح لحياة البشر.

لا يدرك أبناؤها أن قطاع غزة بأكمله يعيش مجاعة خانقة، منذ أن أغلقت إسرائيل المعابر قبل قرابة 80 يوما، ولا يفهمون معنى الحصار ولا يتقبلون الأعذار، ويطلبون الطعام دون توقف من والدتهم التي تصارع وحدها لإسكات صرخاتهم.

وبينما تعاني غزة من مجاعة جراء حصار مشدد تفرضه إسرائيل منذ بداية مارس/آذار الماضي، ويعيش معظم السكان في خيام بعد تدمير منازلهم، وسط إغلاق المعابر ومنع دخول الغذاء والدواء والوقود وانعدام المساعدات وصعوبة الوصول إلى الطعام، تواجه الفئات الأضعف، كذوي الإعاقة الذهنية، أوضاعا إنسانية مأساوية.

مصدر الصورة تعيش الأسرة في ظروف سيئة إلى جوار مكب للنفايات (الجزيرة)

الجوع ينهش الصمت

نزحت السيدة ممتازة من بيت لاهيا شمالا إلى مدينة غزة قبل نحو شهرين، وهدم جيش الاحتلال منزلها هناك، وتعيش في الخيمة التي منحتها لها إحدى الجهات الخيرية. ومنذ نزوحها، لا يوجد عند ممتازة أي مصدر دخل، وتعيش على الصدقات، وتحصل على الطعام من التكيات ومن يتبرع لها من "أهل الخير".

ومع تفاقم المجاعة جراء نقص الغذاء وقلة التكيات، تفاقمت الأوضاع المأساوية لعائلة صُبح، خاصة أن أبناءها من ذوي الإعاقة الذهنية، غير قادرين على تحمّل الجوع، أو تفهم أسبابه. وتقول ممتازة للجزيرة نت، "كان عندي بيت في منطقة بيت لاهيا ، صحيح بسيط، لكنه كان ساترَنا وحافظ كرامتنا، لكن الآن نحن في الشارع".

ولا تتوقف معاناة ممتازة عند فقدان المأوى، بل تمتد لتدخل عمق حياتها اليومية، فأبناؤها الثلاثة: صقر (25 عاما)، وصخر (23 عاما)، وأحمد (22 عاما) تمنعهم إعاقتهم من فهم معنى "حرب" أو "حصار" أو "مجاعة".

إعلان

وتضيف "ما بيعرفوا شو يعني ما في أكل، بيصحوا من النوم، بيطلبوا أكل، أقولهم الدنيا حرب، بيردوا: إحنا جوعانين، أقولهم استنوا (انتظروا) شوي، بصرخوا، بيكسروا، بيهددوا يحرقوا الخيمة".

لم تأكل العائلة خبزا منذ شهر، فلا يوجد دقيق في المنزل، وحينما يحضر الطعام، فإنه لا يتعدى العدس الأحمر الذي يصلها كهِبات من بعض الأقارب أو المحسنين، وتوضح أن أولادها لا يحبون العدس، لكنهم يضطرون لأكله لعدم توفر البديل.

وذات مرة، رمى ابنها صخر وعاء الطعام في الشارع، بعد أن أكل ما بداخله، ثم صاح "جوعان.. بدّي كمان"، وهدد بحرق الخيمة، وتكمل "يطلبون الأكل كل نصف ساعة، مش مستوعبين أن الدنيا حرب وأن الأكل مرتين أو ثلاثة باليوم غير متوافر".

مصدر الصورة لا يتوفر الطعام لأسرة ممتازة صبح جراء تشديد إسرائيل الحصار على قطاع غزة (الجزيرة)

تنهار ببطء

تعيش ممتازة هذه الحياة كل يوم، دون انقطاع ودون استراحة، رغم أنها أم مريضة بالسكري وضغط الدم المرتفع، لا تقوى على مجاراة الجوع المتكرر لأبنائها، ولا على حمل المياه من المسافات البعيدة، ولا على الجري خلفهم عندما يصرخون أو يعتدون على بعضهم بعضا.

تقول "أنا مش قادرة، بمشي وبنهار، وعندما أفقد السيطرة، أذهب للنوم وأتركهم يصرخون، يكسرون أي شي حواليهم، أذهب للنوم ليس لأجل النوم، ولكنني لأستسلم أمام كل هذا التعب".

ولا تنتهي المأساة في هذه الخيمة عند الجوع، فوجودها إلى جوار مكب نفايات يجعلها ساحة للحشرات التي تغزوهم ليل نهار، تسبح على وجوههم، وتلدغهم، وتوقظهم من نومهم، وفي هذا تقول ممتازة "طول الليل أطارد الحشرات، كل ما أقتل وحدة بلاقي عشرة غيرها، أما الرائحة فهي خانقة".

تفتقد الخيمة للمرحاض، كما يعانون من نقص الملابس والأحذية، ويمشون حفاة في الشوارع، ويرتدون ملابس بالية ممزقة.

وتحرص ممتازة في حديثها على الدوام على أن تدعو الله أن يمنحها الصبر، خاصة أنها لم تعد شابة وقادرة على تحمّل هذه المعاناة، وتختم حديثها، "دائما بقول يا رب صبرني على أولادي، صبرني على جوعي، صبرني على الناس".

إعلان

ارتفاع نسبة الإعاقة

يكشف الدكتور إياد الكرُنز، منسق قطاع الإعاقة في شبكة المنظمات الأهلية بقطاع غزة، أن العدوان على غزة تسبب في ارتفاع غير مسبوق في أعداد ذوي الإعاقة، حيث أُضيف نحو 32 ألف شخص إلى القائمة، بزيادة تقدَّر بـ 52% مقارنة بالأعداد المسجّلة قبل الحرب، والتي بلغت آنذاك 58 ألف حالة، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.

وأضاف الكرُنز للجزيرة نت، "هذه الأرقام لا تزال غير نهائية، إذ يُسجَّل يوميا من 10 إلى 12 حالة جديدة، غالبيتها من الأطفال مبتوري الأطراف".

وأوضح الكرُنز أن الأشخاص ذوي الإعاقة – سواء الجدد أو القدامى- يواجهون ظروفا بالغة القسوة، إذ يعانون من نقص حاد في الغذاء والمكملات الغذائية والفيتامينات والبروتينات.

ولفت إلى أن حالة المجاعة السائدة في قطاع غزة حاليا، تفاقم من حالة المعاقين الذين يحتاجون إلى تغذية سليمة، مشيرا إلى أن فئة المعاقين "ذهنيا" يطلبون الطعام باستمرار لأن أدمغتهم لا تضبط مسألة الإحساس بالشبع، مما يُشكل عبئا نفسيا وماديا متزايدا على أهاليهم.

كما ذكر أن المعاقين يفتقدون "الأدوية والحفاظات والأجهزة المساعدة مثل الكراسي المتحركة والأطراف الصناعية". وأشار الكرُنز إلى أن البُنى التحتية في مراكز الإيواء، تفتقر لأبسط متطلبات ذوي الإعاقة. وأشار إلى أن هذه الفئة تخوض "منافسة غير عادلة مع الأصحاء للحصول على الماء والغذاء والعلاج".

وتفاقمت معاناة ذوي الإعاقة، بحسب الكرُنز، بفعل تدمير إسرئيل مراكز التأهيل التي كانوا يعتمدون عليها، إضافة إلى فقدانهم أدواتهم المساعدة نظرا للنزوح المستمر والمتكرر.

وبيّن أن تدمير المستشفيات والنقص الحاد في الرعاية الصحية يسهم في تدهور أوضاع ذوي الإعاقة، ويقصّر من أعمار كثيرين منهم. كما سلط الضوء على معاناة فئة ذوي الإعاقات الذهنية، وخاصة المصابين بالشلل الدماغي، مشيرا إلى أن معاناتهم "مركّبة"، إذ يعانون من إعاقات حركية مصاحبة، ويحتاجون إلى تغذية وأدوات طبية خاصة وكراسي متحركة لا تتوفر حاليا.

إعلان
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة


الأكثر تداولا اسرائيل أمريكا حرب غزة

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا